هناك الكثير من الأبحاث الموثقة بالأدلة التي تشير إلى وجود أشياء يمكنها أن تحسن من حالتك الصحية والذهنية، ولكن ليس هناك الكثير من هذه الأدلة التي تقول بأن التأمل يمكن أن يفعل ذلك، ولكن مؤخراً أثبتت الأبحاث وجود تقنية يمكنها أن تعزز أداءك عن طريق تغيير دماغك فيزيائياً.
قام باحثون من جامعة كولومبيا البريطانية مؤخراً بجمع بيانات من أكثر من 20 دراسة لفهم كيفية تأثير الوعي التام (Mindfulness) على الدماغ، ووجدوا بأن هناك تغييرات كبيرة تحدث في ثماني مناطق دماغية، من بينها منطقتين تمتلكان أهمية خاصة بالنسبة للشخص، وهما القشرة الحزامية الأمامية (ACC)، وهي المسؤولة عن ضبط النفس، تمكينه من مقاومة الإلهاءات، والتركيز وتجنب الاندفاع خلف النزوات من أجل العمل بكفاءة واتخاذ القرارات الكبيرة، كما أن القشرة الحزامية الأمامية مسؤولة أيضاً عن المرونة، لذلك فإن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في هذه المنطقة من الدماغ عادة ما يكونون معروفين بتمسكهم باستراتيجيات حل المشكلات غير الفعالة عندما يكون عليهم اتخاذ نهج جديد.
المنطقة الثانية هي منطقة تلفيف الحصين، التي عادة ما تكون مسؤولة عن جعل الشخص أكثر مرونة في مواجهة النكسات والتحديات إلى جانب أمور أخرى، والجدير بالذكر أنه يمكن لتلفيف الحصين أن يتأثر بشكل سلبي بسهولة نتيجة التعرض للتوتر.
وجد الباحثون بأن أبسط أشكال الوعي التام كانت قادرة على رفع كل من النشاط الدماغي وكثافة أنسجة الدماغ في هذه المناطق الدماغية.
يعتبر الوعي التام شكلاً بسيطاً لكنه فعال من التأمل يمكنك من خلاله السيطرة على الأفكار والسلوكيات غير المنضبطة، والأشخاص الذين يمارسون الوعي التام عادة ما يكونون أكثر قدرة على التركيز، وذلك حتى عندما لا يكونون في وضعية التأمل، كما ويعتبر الوعي التام أيضاً من التقنيات الممتازة للحد من التوتر، لأنه يسمح لك بالتوقف عن الشعور بعدم القدرة على السيطرة على الأمور، ويوقف تخبط أفكارك، ويساعدك على عدم التفكير بطريقة سلبية، وعموماً، فهو وسيلة رائعة لجعلك تنهي يومك المحموم بالمشاغل بطريقة هادئة ومثمرة.
تماماً كما يساعد تمرين رفع الأثقال في زيادة كثافة العضلات، فإن ممارسة الوعي التام يزيد من كثافة المادة الدماغية، وقد يكون الوعي التام هو التقنية الفيزيائية الوحيدة التي يمكن أن تغير عقلك بهذه الطريقة، وهذا يؤدي بدوره إلى إنتاج العديد من الآثار الإيجابية الأخرى، ولحسن الحظ، يمكن لتأثير ممارسة الوعي التام أن يظهر حتى وإن كان وقت التمرين لا يتجاوز بضع دقائق يومياً.
كان غاندي مرة مع مجموعة من أتباعه الذين كانوا يستفسرون عن جدوله اليومي، وقد أخبرهم بأنه بحاجة لتخصيص ساعة واحدة على الأقل كل يوم للتأمل، ولكنهم قالوا له بأنه لا يمكن وأن يكون لديه كل هذا الوقت لتخصيصه للتأمل، فأجابهم: “حسناً، إذا كان هذا هو الحال ، فأنا بحاجة لتخصيص ساعتين يومياً للتأمل”.
مثل غاندي، سوف تكتشف سريعاً بأن ممارسة الوعي التام هو واحد من عدد قليل جداً من الأشياء التي تستحق قضاء وقتك الثمين في القيام بها، وكلما كثرت أشغالك، زادت أهمية امتلاكك لعقل صافٍ، هذا بالطبع إذا كنت تريد أن تكون منتجاً.
ليس من الضروري أن تقوم بممارسة الوعي التام في جبال نيبال أو تمضية عطلة نهاية الأسبوع في صمت، فجمال هذه التقنية في كونها في غاية البساطة ويكن أن تقوم بتأديتها في أي مكان وفي أي وقت.
الوعي التام هو ببساطة تركيز كل انتباهك على الحاضر، وهذا يتطلب منك مراقبة أفكارك ومشاعرك بموضوعية، دون أن تقوم بإطلاق الأحكام، وهذا يساعدك على إيقاظ تجربتك وعيش اللحظة الراهنة، وبهذه الطريقة، لا يمكن للحياة أن تمر بك بدون أن تلاحظها.
قد يبدو هذا الكلام مجرداً ومعقداً قليلاً في البداية، ولكن الأمر ليس كذلك، وهنا كيف يمكنك أن تفعل ذلك، حتى مع وجود جدول مزدحم بالأعمال.