لا تدُس هذه الخنفسة بقدمك .. العلماء يحتاجون لاستخدامها بدل الطيارات دون طيار

أسراب الحشرات تطاردنا دائماً في الكوابيس، لكنها كانت حلماً قديماً لدى الكثير من العلماء المنتشرين في أرجاء العالم، فقد حاولوا كثيراً تحويل استخدام روبوتات محاكية للحشرات، تخيل هذه الكائنات الصغيرة المرنة وهي تبحث تحت الأنقاض عن ناجين من زلزال، أو تكمن على كتف مجرم، أو إرهابي لتراقبه؟

المهندسون في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة نجحوا بالتعاون مع فريق جامعة كاليفورنيا بيركلي، في أن يكونوا الفريق الأول الذي يقترب من تحقيق هذا الحلم في الواقع، فبدل أن يقوموا بتصنيع روبوتات صغيرة تشبه الحشرات، قرروا أن يتحكموا بالحشرات نفسها، عندما حولوا الخنافس إلى “روبوتات بيولوجية”، وهذا الابتكار يطرح بديلاً جيداً للطيارات دون طيار، إذ يمكننا استخدامه في عمليات البحث الصعبة والإنقاذ، بسبب قدرة الحشرة على دخول الزوايا الضيقة والشقوق الصغيرة في المباني المنهارة مثلاً، وهو ما لا تستطيع فعله الطائرات.

 

لماذا الخنافس؟

الباحثون اختاروا “خنفساء الزهور العملاقة” بالذات، بالرغم من طولها الذي يبلغ ثلاث بوصات ووزنها الذي يبلغ 8 جرامات، لأنها تستطيع رفع أحمال ثقيلة نسبياً، مثل ميكروفون صغير، أو مجس حراري، وهي أشياء حيوية في مهمات البحث والإنقاذ واستشعار وجود أشخاص عالقين تحت الأنقاض، ويتم تثبيت الحمولة على ظهر الخنفسة باستخدام شمع عسل النحل الطبيعي، لأنه لا يضر درع الحشرة، كما يمكن إزالته بسهولة، ولهذا عاشت الخنافس المستخدمة عمرها الطبيعي الذي يتراوح بين الخمسة والست شهور.

الفريق استطاع السيطرة على الخنافس، عندما وضع الأقطاب الإلكترونية في مناطق معينة من أقدامها، والفص البصري الخاص بها، بالإضافة إلى العضلات التي تستخدمها للطيران، والتي يستطيع العلماء عبر استثارتها بإشارة راديو، أن يوجهوا الحشرة للتحرك بالسرعة والكيفية التي يريدونها، يمكنهم أن يسيطروا على إقلاعها وتوجيهها يمنة أو يسرة، وقد قال قائد الفريق الأستاذ المساعد هيروتاكا ساتو أن العلماء ببساطة يرسلون الإشارة للحشرة كي تغير اتجاهها، ويدعون الخنفسة تقوم بالباقي، وعلى عكس الطيارات دون طيار، لا يوجد حاجة للتحكم البشري المستمر، لأن الخنفسة قادرة على الطيران بمفردها، ويقتصر التدخل البشري على تغيير الاتجاهات.

وقد جرب العلماء هذه الحشرات الروبوتية في غرفة مغلقة، ويأملون الآن أن يوسعوا الاختبار في المناطق المفتوحة.

ماذا بعد؟

الإلكترونيات المستخدمة لكل حشرة لا تكلف أكثر من خمسة يورو، ما يجعلها أرخص من الطائرات دون طيار التقليدية، وهي تستمد طاقتها من بطارية ليثيوم قدرتها 3.9 فولت، والتي تستطيع أن تمدها بطاقة تكفي لتغطية يوم كامل، لكن الفريق يأمل أن يستخدم الطاقة الشمسية في هذا ذات يوم، أو أي مصدر طاقة متجدد آخر مثل الطاقة المستمدة من محطات الراديو المحيطة بالحشرة الروبوت.

إنجاز الفريق لا يقتصر على تقريب حلم الحشرات الروبوتية من الحقيقة فقط، وإنما  قاموا أيضاً بكشف بيولوجي غير ما كان العلماء يعتقدونه عن تشريح الخنافس لمدة 200 عام، فقد كانوا يعتقدون أن العضلة الموجودة بين أجنحة الخنفسة، والتي تسمى بعضلة coleopteran، مسئولة فقط عن طي الأجنحة، لكن الفريق اكتشف بفضل تسجيله للحركات العصبية العضلية للحشرة، أن هذه العضلة تستخدم أيضاً للالتفات وتغيير الاتجاهات.

ربما ستجعلك هذه المعرفة، تفكر مرتين قبل أن تدهس الخنفسة التي تسير على الرصيف بجانب حذائك، فربما تكون الطيارة التي دون طيار التي تنقذك من الموت في المرة القادمة !