التصنيفات: متفرقات

نظرية جديدة حول تشكل حفر سيبيريا الضخمة

في منتصف تموز من عام 2014، ظهرت حفرة غامضة في المنطقة الدائمة التجمد من يامال في شمال روسيا تم رصدها من قبل طياري طائرة هليكوبتر، ومنذ ذلك الوقت حازت هذه الحفرة على اهتمام العالم، ولكن بعد بضعة أيام تم الإبلاغ عن ظهور حفرة ثانية، كما تم العثور على أخرى ثالثة في سيبيريا بعد فترة وجيزة، وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة ظهرت العديد من التفسيرات الغريبة، فمنهم من أشار إلى أن المسبب هي النيازك وآخرون أشاروا بأنها صواريخ طائشة وحتى أن البعض قال بأن السبب هم الفضائيين، ولكن بحلول أواخر تموز ذكرت مجلة (Nature) في موقعها أن فريق من العلماء أفاد بأن قياساتهم بينت وجود تركيزات مرتفعة بشكل غير عادي من غاز الميثان داخل الحفرة الأولى، والتي أصبحت تعرف اليوم باسم (B1)، وحينها تبنى العديد من العلماء فكرة أن هذه الحفر ناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وتشكلت نتيجة لانفجارات غاز الميثان، وظلت هذه الفكرة هي المسيطرة حتى أشارت مجلة (Siberian Times) في شهر شباط من عام 2015 إلى ظهور حفر عديدة  أخرى في سيبيريا، حتى أن أحد العلماء الروس تكهن بأن تظهر 20 أو حتى 30 حفرة أخرى، وهذا التقرير الذي أشار إلى ظهور المزيد من الحفر، وجّه العلماء لتقديم تفسير مختلف وأكثر بساطة من سابقه، فعلى الرغم من أن التفسير الجديد ما يزال يشير إلى أن المسبب الأساسي لهذه الظاهرة هو الاحتباس الحراري، ولكنه لا ينطوي على وجود انفجارات من غاز الميثان.

كتبت مجلة (Siberian Times) يوم 23 شباط من عام 2015 أن الفحص باستخدام صور الأقمار الصناعية ساعد الخبراء الروس على فهم أن هذه الحفر تنتشر بشكل أكثر بكثير مما كان معروفاً في السابق، حيث تبين أن هناك حفرة واسعة يحيط بها ما يصل إلى 20 حفرة صغيرة، وهذا ما دعا العالم الروسي (فاسيلي بوجويافلينسكي)، وهو نائب مدير معهد بحوث النفط والغاز في موسكو، إلى إجراء تحقيق عاجل حول الحفرة، ونقلت عنه (Siberian Times) قوله بأن العلماء أصبحوا يعلمون الآن عن وجود سبع حفر في منطقة القطب الشمالي، خمسة منها توجد في شبه الجزيرة يامال، وواحدة في مقاطعة يامال الذاتية الحكم، وواحدة في شمال منطقة كراسنويارسك بالقرب من شبه جزيرة تايمير، ولكن حتى الآن لم يستطع الباحثون تحديد سوى أربع مواقع دقيقة فقط من هذه الحفر السبعة، أما الثلاثة الأخرى فقد تم رصدها من قبل رعاة الرنة.

تبعاً لـ (كارولين روبل)، رئيسة مشروع غاز الهيدرات التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكي، فإن انفجار غاز الميثان ليس تفسيراً محتملاً لحدوث هذه الحفر، حيث أن جليد سيبيريا يحتوي على الكثير من مخزون غاز الميثان بين طياته، وهو يشكل ما يسمى بغاز الهيدرات، ولكن هذا الغاز يبقى مستقراً ومجمداً في درجات حرارة معينة، ولكن إذا ما ارتفعت درجة حرارة الجليد تتناقص قوته الداخلية، وهذا قد يجعل الجليد أقل قدرة على حجب تراكم الغازات تحت سطحه، وبالتالي فإن هذا قد يجعل من الممكن لبعض محتويات غاز الميثان أن تنطلق من الجليد، ورغم أن غاز هيدرات الميثان يكون عادة غير مستقر على عمق حوالي 200 متر، إلا أن الحفر هي أقل عمقاً من هذا الرقم بكثير، وهذا ما يضعف احتمالية صحة نظرية هيدرات الميثان بشكل كبير.

تتبنى (روبل) وغيرها من العلماء نظرية أخرى أبسط قليلاً من سابقتها، وهي نظرية تتعلق بأكوام الجليد التي تغطي الأرض في القطب الشمالي والمناطق شبه القطبية وتعرف باسم (pingo)، و(pingo) هي كلمة تدل على كومة من الجليد الذي يتشكل بالقرب من سطح الأرض على مر الزمن، ويمتلك لتكتل صغير أو تلة من التربة فوقه، وتشير النظرية إلى أنه عندما يذوب الجليد المكون لهذه الكومة الجليدية بسرعة – وهو ما يحصل نتيجة لارتفاع درجات الحرارة الغير عادية في سيبيريا خلال العام الماضي – فإنها يمكن أن تسبب انهيار جزء من الأرض، وتشكيل هذه الحفر.

لكن هذا التفسير لا يمكن أن يشكل كامل القصة ، حيث أن الصخور المقذوفة التي تم العثور عليها حول حافة الحفر، تشير إلى حدوث ما يمكن أن يكون نوع من الانفجار، وبالإضافة إلى ذلك فإذا لم تكن انبعاثات الميثان المتفجر هي السبب في حدوث هذه الحفر، فما الذي يمكن أن يفسر وجود التركيزات المرتفعة بشكل غير عادي من غاز الميثان التي تم اكتشافها في الحفرة الأولى (B1)؟

في هذا السياق تبين (روبل) بأن هذا الجزء من سيبيريا يمتلك الكثير من الاحتياطيات الأساسية لغاز الميثان، ولذلك فمن الممكن أن تكون هذه الحفر قد أحدثت ثقوباً بطريقة ما في بعض الممرات التي تحتوي على احتياطيات الغاز، كما أنه غالباً ما يرتبط الجليد الدائم وذوبانه بشكل كبير مع ظهور الميثان، حيث أن الميثان يكون محاصراً  ضمن الأراضي الدائمة التجمد لفترة طويلة، وهذه ليست واقعة غير عادية في مثل هذه الأوضاع، وعلاوة على ذلك، فإن ذوبان المناطق الدائمة التجمد يوفر الكربون للميكروبات التي يمكن بعد ذلك أن تنتج غاز الميثان، لذلك فإن العثور الميثان في هذه الأماكن ليست مفاجأة كبيرة جداً.

أما فيما يخص موضوع الصخور، فتشير (روبل) بأنه تم إلقاؤها إلى الأعلى بعد أن انطلق الغاز الطبيعي الذي يحتوي غاز الميثان نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وانهيار طبقة الـ (pingo) التي أدت إلى تشكل الحفر، ويعتبر هذا السيناريو أقل إثارة من الفكرة الأصلية، والتي كانت تعتبر بأن غاز الميثان هو الذي أدى إلى حصول الانفجار الكبير الذي شكل الثقوب العملاقة.

من المعروف أن غاز الميثان هو غاز دافئ وقوي، وهو أقوى من غاز ثاني أكسيد الكربون، كما أنه يمتلك القدرة على تسريع من حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري لأن ارتفاع درجة حرارة المناخ تؤدي إلى إطلاق المزيد من غاز الميثان إلى الغلاف الجوي، سواء من منطقة دائمة التجمد أو من قاع البحر في القطب الشمالي، وهذا الانبعاث من الميثان يزيد من ارتفاع درجات الحرارة بسرعة أكبر  مما يفعل غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا الارتفاع في درجات الحرارة يسبب انطلاق المزيد من غاز الميثان الذي سيساهم بالتالي بحدوث المزيد من الاحتباس الحراري، وهنا نكون قد دخلنا في حلقة ارتجاعية.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير