التصنيفات: فضاء

آثار الرحلات الفضائية الطويلة على البشر؟

في عالم متنوع مثل الذي نعيش فيه، يصبح من السهل أن ننسى أن معظم البشر متطابقين بما يقرب من 99.5% من الناحية الوراثية، ولكن التوائم المتطابقة أو من نوع  “أحادي الزيجوت” يكونون متطابقين بنسبة 100% تقريباً، ولذلك يمكن القول بأن هذه الـ 0.5% المتبقية من الجينات المختلفة، والتي قد تبدو وكأنها نسبة صغيرة جداً، هي ما يجعلنا بشر متفردين وفريدين من نوعنا.

إن تعقيد هذه الفروق الفردية يجعل من الصعب على العلماء التنبؤ بتأثير الأمراض والعلاجات أو الضغوطات البيئية على جميع البشر، وهو الأمر الذي يعتبر مهماً جداً وخاصة بالنسبة للعلماء الذين يدرسون تأثير الرحلات الفضائية على الجسم البشري، حيث أن تأثير الرحلات الفضائية يمكن أن يختلف بشكل كبير بين الأفراد، لأنه يعرض أفراد الطاقم إلى العديد من الضغوطات المتنوعة مثل الإشعاع وقلة الجاذبية والعزلة والتغيرات الدورية بين الإضاءة والظلمة، فإذا كانت هذه التأثيرات تنطبق على الأفراد المختلفين وراثياً، فما مدى التأثير الذي تلعبه لدى التوائم المتطابقة وراثياً تقريباً؟

لفهم هذا التأثير تعمد ناسا لإجراء دراسة جديدة، ستقام على مدار سنة واحدة ابتداء من أواخر شهر آذار من عام 2015، من المفترض أن تساعد العلماء على تشكيل فهم أفضل لتأثيرات الرحلات الفضائية على الجسم البشري، حيث أن هذه الدراسة سيتم إجراؤها بمساعدة زوج من التوائم المتماثلة، وهما رائد الفضاء (سكوت كيلي) وشقيقه التوأم (مارك كيلي)، حيث سيقوم (سكوت) بقضاء سنة كاملة في المدار الأرضي المنخفض على متن محطة الفضاء الدولية، في حين سيبقى رائد الفضاء المتقاعد (مارك) على الأرض، وهذا التطابق لدى التوأم من المفترض أن يخفف من عدد المتغيرات الجينية بين الفردين المشاركين في الدراسة ويوفر للعلماء مجموعة ضابطة مثالية، وهذا يعتبر من الأمور المهمة جداً في التحقيقات العلمية.

على الرغم من أن هذه الدراسة ستكون هدف تكميلي للبعثة التي ستستمر على مدار سنة كاملة، إلّا أنها ستدعم أبحاث مهمة شاملة من المرجح أن تتركز حول الاهتمامات الطبية مثل زيادة الضغط داخل الجمجمة الناتج عن تأثير الجاذبية الصغرى، والصحة السلوكية ومشكلات الأداء المرتبطة بالعزلة لفترات طويلة، والتحديات المرتبطة بالتعرض لبيئة الإشعاع الفضائي، ومختلف التغيرات الفيزيولوجية مثل فقدان الكتلة العظمية والعضلية، والتغيرات في النظام الحسي، والتغييرات في الحالة التغذوية.

بالإضافة إلى ذلك فإن دراسة التوأم ستساهم في دراسة وظائف الأعضاء البشرية في الفضاء، حيث سيتم دراسة كامل مكملات الجزيئات الحيوية، مثل البروتينات والأيض والمنتجات النهائية من عملية التمثيل الغذائي أو الجينات، فبدلاً من مراقبة عدد قليل من الجينات في كل مرة يصعد فيها الرواد إلى الفضاء كما كان يفعل الباحثون في تسعينيات القرن الماضي، فإن العلماء الآن سيبحثون في نشاط كل جينات الجينوم في وقت واحد، وهذا تماماً يشابه أخذ لقطة لكل النشاطات التي تحدث داخل الخلية.

بحسب الدكتور (غراهام سكوت)، وهو كبير العلماء في المعهد الوطني لبحوث الفضاء الطبية الحيوية، فإن هذه الدراسة سوف تتيح الفرصة لتشكيل فريق من الخبراء سيقومون جميعهم بتغطية جميع التخصصات في مجال الأعضاء البشرية، ومن خلال إجراء دراسة متكاملة تغطي جميع الملاحظات عن مراقبة الحمض النووي (DNA) و(RNA) والبروتينات والأيض في وقت واحد، سيكونون قادرين على تكوين صورة كاملة عمّا يجري مع (سكوت) ومقارنتها مع أخيه (مارك).

سوف تكشف ردود التوأم للباحثين كيف يمكن لرحلات الفضاء أن تؤثر على البشر على المستوى الجزيئي البيولوجي، كما أنها ستسلط الضوء من جديد على ما إذا كان رواد الفضاء أكثر عرضة للتعرض لظروف معاكسة يمكن أن تهدد صحتهم وكذلك المهمة التي يقومون بها.

ويمكن أن تشمل الأبحاث أيضاً دراسة طول التيلوميرات لدى التوأم – وهي منطقة من الحمض النووي تتوضع عند نهاية الصبغيات وتحميها ويعزو العلماء شيخوخة الخلية وموتها وإصابتها بالوهن إلى قصر طولها –، ففي كل مرة تنقسم الخلية، تقصر التيلوميرات قليلاً، وذلك على الرغم من وجود انزيم يسمى (تيلوميراز) يمكنه إصلاح التيلوميرات بشكل جزيء، خصوصاً عند الصغار.

إن إصابة التيلومترات بالخلل يمكن أن يكون السبب بالإصابة بمرض السرطان أو غيره من الأمراض الأخرى، وهناك بعض النظريات التي تقول بأن البيئة الفضائية يمكن أن تسبب ضرراً مباشراً للتيلوميرات أو تؤثر بطريقة أو بأخرى على نشاطها، وهذا قد يساهم في تقصير طول التيلوميرات قبل الأوان، لذا فإن تحديد الفرق في طول التيلوميرات بين التوأم بعد أن يقضي (سكوت) عاماً في الفضاء قد يوفر بيانات قيّمة عن آثار الرحلات الفضائية على البشر.

إذا ما تمكن العلماء من معرفة المسارات الحيوية التي تتأثر بالرحلات الفضائية وكيفية ربطها مع علم وظائف الأعضاء على رواد الفضاء، فقد يستطيع الباحثون الوصول إلى طريقة لتصميم مضادة بيولوجية فردية لكل رائد فضاء، وهذا أمر بالغ الأهمية وخاصة بالنسبة للبعثات الطويلة الأمد مثل تلك التي ستحمل البشر إلى الكويكبات الأخرى والمريخ، حيث أن التعرض الطويل الأمد للإشعاع والجاذبية الضئيلة يمكن أن يضاعف من تأثيرات رحلات الفضاء على الأفراد بصورة أكبر.

في النهاية، فإن حقيقة أن التوأم (كيلي) هما تقريباً متطابقين وراثياً، ستساعد ناسا على فهم الآثار البيولوجية المحددة للرحلات الفضائية، مما سيؤدي إلى تعزيز الأداء الفردي لرواد الفضاء وسلامتهم في المستقبل.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير