التصنيفات: غير مصنف

مضاد حيوي جديد يقتل البكتيريا المقاومة للعقاقير

باستخدام تربة مأخوذة من حقل عشبي في ولاية ماين وغرفة حاضنة مصغّرة، تمكّن العلماء من زراعة ميكروبات قادرة على المساعدة في الحد من انتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية، حيث أن هذه الميكروبات بعد زراعتها في المختبر، قامت بتصنيع مركب قادر على قتل سلالات من فيروس السل، والمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA) وأنواع أخرى من العدوى المسببة للأمراض القاتلة والتي استطاعت تطوير مناعة ضد المضادات الحيوية الأكثر قوة.

أشار عالم الأحياء الدقيقة (كيم لويس)، من جامعة نورث إيسترن، وهو مؤلف هذه الدراسة التي تم نشرها في مجلة (Nature)، أن الاختبارات التي تم إجراؤها على الفئران أظهرت أن هذا الجزيء المكتشف حديثاً قد أثبت فعالية كبيرة في مكافحة بعض الآفات الصعبة المراس، وهذا الاكتشاف قد يؤدي إلى إيجاد فئة جديدة من المضادات الحيوية التي يمكن أن تعطي الأطباء سلاحاً هم في أشد الحاجة إليه في سباقهم للحد من المناعة التي تطورها الميكروبات يوماً بعد يوم.

الجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية كانت قد حذّرت من أن تصاعد مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية أصبح يهدد بضياع التقدم الذي أحرزه الطب الحديث، ففي الولايات المتحدة فقط، هناك ما يقارب المليوني شخص سنوياً يصابون بمثل هذه الأنواع من العدوى، وأكثر من 23,000 منهم يموتون نتيجة لذلك.

إن معظم أدوية المضادات الحيوية التي ما تزال تعمل حتى يومنا هذا، تم تصنيعها قبل 50 سنة على الأقل، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، في الفترة التي كانت فيها الأبحاث التي تجرى على المضادات الحيوية في ذروتها، حيث ساعدت التربة البكتيرية الأبحاث آن ذاك في إيجاد الدعائم الأساسية لمكافحة الالتهابات المميتة، وبإحياء هذه الفكرة استطاع (لويس) إيجاد أنواع جديدة من البكتيريا أُطلق عليها اسم إليفثيريا تيرا (terrae E.، Eleftheria terrae).

تبعاً لـ (لويس) فإن التربة تعج بأنواع مختلفة من الميكروبات، ولكن معظمها غير قادر على تشكيل المستعمرات بسهولة في أطباق بتري، وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الكائنات المكتشفة في مثل هذه العينات تكون مطابقة أو مشابهة لأخرى تم اكتشافها سابقاً، لذلك، ولحث البكتيريا الجديدة على النمو في المختبر، لم يقم الباحثون بوضع تلك البكتيريا في أطباق مختبرية بشكل مباشر، بل قاموا عوضاً عن ذلك، بعزل عينات ضئيلة منها في غرف تعمل كحاضنات للبكتيريا ثم قاموا بإعادة وضع تلك العينات مرة أخرى في التربة، وبهذا استطاعوا حثها على البدء في النمو وبناء المستعمرات.

أنتجت التجربة حوالي 10,000 سلالة مختلفة من البكتيريا، تم فرزها ودراستها، حيث قام الباحثون بفحصها لمعرفة إذا كانت قادرة على قتل البكتيريا العقدية، وقد استطاع الفريق في نهاية المطاف استخراج جزيء مضاد للجراثيم ناتج عن بكتيريا الـ (terrae E.).

أظهرت التجارب على الفئران أن هذا الجزيء، الذي أطلق عليه اسم (teixobactin)، استطاع بسرعة القضاء على العديد من السلالات المقاومة للعقاقير من مرض المتفطرة السلية والبكتيريا العنقودية الذهبية، كما أنه استطاع أيضاً تعطيل نوعين من البكتيريا التي تسبب التهابات خطيرة في الأنسجة القلبية، وغيرها من البكتيريا الإيجابية الجرام، وذلك من خلال ارتباطه بالمواد الكيميائية الأساسية التي تتشكل منها جدران الخلايا البكتيرية، مما يسبب لها التنكّس والانهيار، وهذه الآلية من التدمير تجعل من الصعب على البكتيريا تطوير مقاومة لهذا النوع من المضادات.

معظم المضادات الحيوية المستخدمة حالياً تهاجم البروتينات البكتيرية، ولكن الحمض النووي الذي يُرمّز هذه البروتينات يمكن أن يتحور، وبمرور الوقت، يمكن أن تعمل طفرات البكتيريا على تفادي الآثار القاتلة لتلك الأدوية، إلّا أن الحمض النووي الذي يحمل التعليمات لتصنيع جدران الخلايا يكون أقل قابلية للتحور، وبذلك لا تستطيع البكتيريا تطوير مقاومة للـ (teixobactin)، حيث أنه يقتلها بسرعة لا تستطيع معها تطوير أي مناعة ضده.

بيّنت الدراسة أيضاً أن البكتيريا كانت قد استغرقت نحو 30 عاماً لكي تستطيع تطوير المقاومة ضد أحد المضادات الحيوية التي تتبع ذات طريقة هذا الدواء الجديد في قتل البكتيريا، لذلك يتوقع الباحثون بأن هذا الدواء سيبقى فعالاً لمدة تصل إلى هذا المدى على الأقل.

إن تطوير دواء آمن وفعّال وقابل للتسويق من دواء الـ (teixobactin) قد يستغرق خمس سنوات تقريباً وقد تصل تكلفته لمئات الملايين من الدولارات، وذلك وفقاً للتحالف الأكاديمي للتكنولوجيا الحيوية، أما التجارب السريرية فمن المتوقع أن تبدأ بعد عامين من الآن.

أشار(لويس) بأن الزراعة الناجحة للمتقلبات – وهي مجموعة رئيسية من البكتيريا تشمل مجموعة واسعة من العوامل التي تسبب المرض – هي التي أنتجت هذه المضادات الحيوية، وهذا يدل على أن الاستعانة بالتربة لإيجاد أدوية جديدة قد أثبت جدواه مرة أخرى، وأضاف أيضاً أن الباحثين سيعملون على توسيع نطاق بحثهم عن بكتيريا مماثلة يمكنها إنتاج جزيئات قادرة على محاربة الآفات المختلفة.

أخيراً، يشير (ريتشارد سيبروك)، وهو رئيس قسم تطوير الأعمال في (يلكوم ترست) التي يقع مقرها في لندن، والذي لم يشارك في هذه الدراسة، أنه على الرغم من أن هذه الدراسة يمكن أن تكون بمثابة “تحوّل جديد” في الجهود المبذولة لتطوير مضادات حيوية جديدة، إلّا أنهالم تُجرّب بعد على البشر، لذلك فإن هذا الدواء سيبقى محلاً للشك حتى يتم الانتقال به إلى مرحلة التجارب السريرية.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير