التصنيفات: غير مصنف

زيت السمك قد يساعد في حل مشكلة عسر القراءة

قد تكون فكرة أن صحتنا مرتبطة في جزء منها بالقرارات التي تم اتخاذها من قبل أن نولد، هي فكرة غير مريحة ومثيرة للجدل، ولكن هناك عدد هائل من البيانات في مجال علم الوراثة اللاجيني تظهر أن هذه الفكرة ممكنة، ولكون عبارة “نحن ما نأكله” هي عبارة غير موضوعية إلى حد ما، لذا من الأفضل أن نقول أن النظام الغذائي قد يرتبط بعسر القراءة.

أصبح الآن من المعلوم أن هناك جينات تساهم مساهمة قوية في التسبب بعسر القراءة، إلّا أن الرابط الجيني ليس كل شيء، فقد وجدت الدراسات أن هناك سلسلة من الجينات تسمى (الأليلات) تعمل على تخفيض مستوى القراءة بشكل منفرد، ولكن ولادة الشخص وهو يحمل الأليلات المرتبطة بعسر القراءة لا يعني بالضرورة إصابته بها في فترة الطفولة، حيث أن 50٪ من الأشخاص الذين يمتلكون هذه التركيبة الجينية الخاصة ليس لديهم أي صعوبات في القراءة، فوجود هذه الجينات يدل فقط على نقطة ضعف خاصة بهذا الاضطراب، وسبب عدم تأثير هذه الجينات على بعض الأشخاص وتأثيرها على أشخاص آخرين تطورت لديهم حالة عسر القراءة (dyslexic) قد يكون الفوارق في العوامل البيئية المؤثرة على الشخص قبل وبعد الولاد.

الأليل أو الحليل أو البديل هو نسخة أو شكل بديل للجين أو للموقع الجيني‏ (عادة يتكون من مجموعة جينات)، وللجين على الأقل نسختان أو شكلان بديلان، معظم الكائنات الحية متعددة الخلايا تحتوي على مجموعتين من الكروموسومات، إذ ترث واحدة من الأب وواحدة من الأم، أي أنها ضعفانية، وتسمى هذه الكروموسومات بالكروموسومات المتماثلة، بما أن الكائنات الحية الضعفانية تحمل مجموعتين من الكروموسومات، هذا يعني أنها تحمل نسختين من كل جين (أي زوجاً من الألائل لكل جين)، وقد ينتج عن اختلاف الأليل في الشفرة الوراثية صفات مختلفة (كالاختلاف بلون الجلد أو بلون العين)، إلا أن الكثير من الإختلافات لا تؤدي إلا لاختلاف ظاهري طفيف أو معدوم، والسبب بذلك يعود لكون أن ‏الأليلات (أو الصفات) تكون إما سائدة أو متنحية، والسمات التي يحملها الأليل السائد عادة ما تتغلب على تلك التي يحملها الأليل المتنحي، ‏مثال لذلك، إذا ورثت أنت جيناً من أحد أبويك يحمل صفة لون العيون البنية (أليل سائد) وآخر يحمل صفة العيون الزرقاء (أليل متنح)، فسوف تخرج أنت بعيون بنية اللون، لأن الأليل السائد يغلب على نظيره المتنحي ، ‏وإذا حمل أليل سائد مرضاً أو صفة، فإن الشخص غير النقي (مختلط الأليل) سوف تظهر عليه هذه الحالة على الأرجح ، لأن الأليل السائد يتغلب على الأليل الآخر، إلا أنه إذا حمل أليل متنح مرضاً أو صفة، فقد لا تظهر الصفة لدى الشخص غير النقي، لأن أليل الصفة الطبيعية السائد هو الذي يتغلب على نظيره، وهنا يقال إن الشخص غير النقي حامل لهذه الحالة، لأنه على الرغم من أن هذه الحالة قد لا تؤثر على الحامل، فإن هذا الشخص قد ينقل العامل الوراثي صاحب الطفرة إلى نسله.

الأليلات يمكن أن يتم تفعيلها أو إيقاف عملها من خلال عملية كيميائية حيوية تعرف باسم (مثيلة الحامض النووي)، والتي تعتمد بدورها على توازن مواد كيميائية معينة في الجسم، ويعتقد البعض أن عملية (مثيلة الحامض النووي) يتم التحكم بها عن طريق النظام الغذائي المتّبع في سنوات الحياة الأولى، كما يعتبر النظام الغذائي الذي تتبعه الأم قبل وأثناء الحمل من أهم العوامل التي تؤثر على هذه العملية الكيميائية، فالعيوب المتعلقة بالجينات التي تحدث في وقت مبكر من التطور غالباً ما تكون نتيجة للجينات التي تبقى نشطة أو التي تتوقف عن العمل.

إن النظرية السائدة حول عسر القراءة تعتبر أن سببه هو مشكلة في المعالجة الصوتية، أي أن الصعوبات في تعلم القراءة مرتبطة بوجد مشاكل في المعالجة الصوتية، وبالتحديد مشاكل في الـ (phonics)، وهي القدرة على تقسيم الكلمات إلى الأصوات المكونة لها ومطابقتها مع الأحرف المكونة لها.

بحسب الدكتور (جون شتاين) وهو أستاذ في جامعة أكسفورد، فإن سبب المشاكل العصبية التي ترتبط بعسر القراءة هو السمع، فمن أجل القيام بالـ (phonics) بشكل صحيح، يجب على الشخص أن يستمع إلى ترتيب الأصوات في الكلمة بشكل واضح جداً، وعلى الرغم من أن العديد من الذين يعانون من عسر في القراءة يمكنهم الاستماع إلى الأصوات، إلّا أنهم لا يستطيعون فهمها ضمن التسلسل الصحيح، لأن الخلايا العصبية السمعية لديهم تكون لا تعمل بالسرعة الكافية، ويعتقد الباحثون أن السبب في ذلك يعود إلى نقص أحماض أوميغا 3 الدهنية في أجسام هؤلاء الأشخاص، حيث أن أحد الأليلات التي يعتقد بأنها ترتبط بعسر القراءة تشارك في استقلاب السلاسل الطويلة لأحماض أوميغا 3 الدهنية المتعددة غير المشبعة، وأحد هذه الأحماض هي أحماض الدوكوساهيكسانويك (DHA)، والتي تشكل 50٪ من الـ magnocells)) أي أغشية الخلايا العصبية في الجهاز السمعي، وإلى جانب الـ (DHA) هناك الأحماض الدهنية (EPA) التي تشارك أيضاً في صناعة الميالين (هي مادة عازلة كهربائياً تتشكل حول المحور العصبي وهي ضرورية لحسن سير السيالة في الجهاز العصبي) حول الخلايا العصبية، والتي تسمح بدورها للإشارات بالمرور بسرعة أكبر، ويعتقد (شتاين) أن الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة لا تتطور لديهم أغشية الخلايا العصبية في الجهاز السمعي الـ(magnocells)، بسبب عدم وجود حمضي (DHA) و((EPA الموجودان في أحماض أوميغا 3 الدهنية الموجودة في السمك.

يعتبر الغذاء الذي تتناوله الأم الحامل مهماً جداً في الحصول على أحماض أوميغا 3 الدهنية، كون حمضي الـ (DHA) و الـ(EPA) يتم نقلهما إلى الجنين في الرحم، ولكن إذا لم تتناول الأم ما يكفي من الأسماك في نظامها الغذائي فسيكون لديها نقص في هذه الأحماض، وهذا قد يكون له العديد من العواقب السيئة، فمع عدم وجود كميات كافية من الـ ((DHA في الدم، فإن الأليل المسؤول عن الاستقلاب قد يتم إبطال مفعوله، بمعنى آخر فإن الكلمات التي تحتوي على أصوات متماثلة، تكون بحاجة لوجود نظام معالجة سمعي حاد جداً لالتقاط هذه الاختلافات في لفظ الأصوات، لذلك يجب أن تكون الأغشية العصبية تستجيب بسرعة، وإذا لم يحصل الطفل على الأحماض الدهنية الكافية عندما يكون في الرحم، فإن الأغشية السمعية لديه لن تعمل بشكل صحيح، والجدير بالذكر أن تناول السمك من قبل الأم الحامل يعد أمراً مهماً للغاية، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يكون أحد والديهم أو أخوتهم يعانون من عسر القراءة، كون عسر القراءة هو من الأعراض الوراثية.

تشير التوصيات الحالية إلى أنه يجب استهلاك حوالي 220 مليلي غرام يومياً من حمض الـ((DHA، والجدير بالذكر أنه منذ ظهور الوجبات الجاهزة المعالجة انخفضت الكمية التي يستهلكها الإنسان من السمك بشكل كبير، حيث أظهرت مؤسسة التغذية البريطانية أن حوالي 80٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنين إلى 16 سنة في المملكة المتحدة، يتناولون كميات أقل من حصتين من السمك أسبوعياً.

أخيراً، يشير بعض الباحثين إلى أن القراءة هي عبارة عن عملية لا يمكن أن تتأثر بعوامل مثل التغذية، وان عسر القراءة لا يمكن أن يكون سببه المستوى المنخفض من مادة معينة أو نوعية أغشية الخلايا العصبية، كما أن علماء النفس الأكاديميين لا يزالون يعتقدون بأن المشكلة في الحقيقة لغوية ولا تكمن في المعالجة السمعية، حيث أنهم يعتقدون أن الأطفال المصابين بعسر في القراءة لديهم مشكلة مع اللغة بحد ذاتها.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير