التصنيفات: إعلام

حرب العوالم : كيف يؤثر الاعلام على الناس؟

في الثلاثين من شهر أكتوبر تشرين الأول من عام 1938 اجتاحت حالة من الهلع كلاً من ولايتي نيويورك ونيوجيرسي الأمريكتيين، وقد أدت إلى هروب الكثيرين من منازلهم، السبب؟ غزو كائنات الفضاء للعالم.

في عشية عيد القديسين قام المخرج والمذيع الأميركي جورج أورسون ويلز بتقديم تمثيلية إذاعية في إذاعة ال-CBS مقتبسة عن رواية “حرب العوالم” لهربرت جورج ويلز، والتي تصف في سياقٍ من الخيال العلمي غزو كوكب الأرض من قبل كائنات فضائية.

لقد كان للأسلوب الإخباري الذي قدمت فيه التمثيلية أثر كبير على المستمعين، فقد قام أورسون ويلز بقطع بثِ برنامجٍ موسيقي لتقديم تقرير إخباري حول الغزو الفضائي مرفقاً بتمثيل صوتي لبعض الأشخاص يصفون فيه ما “يحدث”، وبمؤثرات صوتية لإضفاء جوٍّ من التشويق. لم يكن الهدف من هذا إثارة الفزع بين الناس، بل حتى إنه قد كان هنالك تنويه بين الحين والآخر إلى أن ما يذاع هو مجرد تمثيلية، إلا أن الكثيرين لم يعيروا هذا التنويه انتباهاً، وبفضل الأداء المقنع لويلز صدقوا أن الغزو قد حدث فعلاً، مما دفعهم إلى ترك منازلهم! بل أن الكثيرين قد حاولوا الانتحار هلعاً !

نتيجةً لهذه الحادثة سارع الكثيرون للجزم بقوة الإعلام ومدى تأثيره على المتلقي. ولكن بحثاً أجري لفهم ما حدث يشير إلى ما هو أكثر تعقيداً من هذا. لقد أشارت التقديرات إلى أنه من بين الستة ملايين الذين استمعوا للبرنامج 1.7 مليون خُيل لهم أنهم يستمعون لنشرة إخبارية، ومن بين هؤلاء 1.2 مليون أصيبوا بحالة من الهلع.

هذا ما دفع البروفسور هوارد كانتل وآخرون (1940) لإجراء مقابلات مع 135 شخصاً في ولاية نيوجرسي لبحت ردود الفعل المختلفة وأسبابها. وقد كان هذا ما توصلوا إليه:

من أهم الأسباب التي دفعت الناس لتصديق أمر الغزو كان مدى إيمانهم بهذا الجهاز الإعلامي صاحب التأثير السحري على الناس في تلك الفترة.

كان للمهنية التي قُدِم فيها الخبر أثرٌ كبير على المتلقين.

إن عدم الثقة والميل الوراثي للإصابة بالهلع لدى بعض الناس كان المسبب الرئيسي في تصديق الخبر.

كان أولئك الذين لم يصدقوا الخبر على مستوى علمي عالٍ.

إن هذه النتائج تشير إلى أنه لا يمكن تلخيص تأثير الإعلام بالقول بأنه كبير أو ضئيل، إنما هو متعلقٌ بعوامل عديدة، منها المميزات الشخصية للمتلقي، الظروف الحياتية والعوامل المحيطة به. فلهذه العوامل تأثير كبير على مدى استيعاب الأفكار واتخاذ القرارات وردود الأفعال.

في النهاية يمكن القول أنه في تلك الليلة قد حدث غزوٌ فعلاً ولكنه ليس غزواً فضائياً، إنما غزو من نوع آخر:غزوٌ إعلامي. حتى وإن تفاوتت قوة تأثيره بين شخص وآخر فإنه لا شك أشد خطورةً من غزو المريخيين أنفسهم، فهذا النوع من الغزو لا يبدو جلياً لمعظم الناس، فلا يحاربونه ولا ينتقدونه أو حتى يتفادونه.

المصدر:

Cantril, H., Gaudet, H., & Herzog, H. (1940). The invasion from Mars: a study in the psychology of panic. Princeton University Press: Princeton, NJ.

شارك
نشر المقال:
سجود سليمان