مع عطر نسمات الفجر المبللة بندى الصبح الجميل، ينسلخ نهار يوم جديد من جوف ليل طويل تكاد تنقشع ستائر ظلمته لتمتلئ الدنيا بنور السعى المحمود. لحظة فارقة هى لحظة ميلاد فجر يوم جديد، حيث يبدأ نشاط الغالبية العظمى من الكائنات الحية ومن ثم ديناميكية المكونات غير الحية. مع الفجر تنتهى أشياء لتبدأ أخرى بين أمواج مستمرة من حيوات لا يعلم نهايتها الا الله عز وجل. وبحلول الفجر تنطلق جوقة الفجر التى هى فى الأصل أصوات الطيور أو أصوات العصافير المسماه بزقزقة أو غناء أو تغريد العصافير، حيث تزداد قوة هذه الزقزقة فى الصباح الباكر وتقل فى وقت متأخر بعد الظهر.
كما تغلب جوقة الفجر من شهر مارس الى شهر يوليو، حيث تكون أصوات العصافير حاضرة بشكل خاص اعتمادا على أنه خلال هذه الفترة يكون الطقس سابحا فى أنهار الدفئ مع توافر الكثير من ضوء النهار علاوة على توافر الكثير من الطعام الذى يمكن العثور عليه، الأمر الذى يؤدى بدوره الى تكاثر الطيور المغردة. انه نسيج أمن وأمان وطمأنينة تغزلها جوقة الفجر مع تغريد ذكور العصافير حتى لا تشعر إناثها بالوحدة خلال فترة التكاثر ولا تعبأ بأى شئ غير رعاية صغارها. كما أن جوقة الفجر تعتبر نوع من أنواع استعلام وتعرف الطيور على أخبار الفصيل المحيط بها حتى تستطيع الاجتماع، ولا تبتعد عن بعضها. كما تعتبر جوقة الفجر تعبيرا عن الاعجاب بالذات، حيث تكون هذه الطيور أو العصافير معجبة جدا بصوتها الجميل وتستمتع به في الصباح الباكر.
ومما لا شك فيه أن الطيور تغرّد وتزقزق وتتنادى فيما بينها نهاراً، ويستثنى من ذلك طيور الليل مثل البوم والسبد (ملهي الرعيان)، في حين تغرّد أخرى ليلاً ونهاراً، مثل أبو الحن والعندليب، والعصفور الساخر في القارة الأميركية. ويبلغ عدد أنواع الطيور فى العالم 9600 نوع، يغرد نصف هذا العدد ويبث نغمات صوته بسرعة شديدة بين ثنايا طبقات الهواء التى تكون أقل كثافة فى الصباح الباكر. ومع ذروة الصيف عند الساعة الرابعة صباحا تقريبا تبدأ جوقة الفجر، التى دائما ما تسبق شروق الشمس وتزداد حدتها بعد نصف ساعة من هذا الشروق، حيث يطالعنا طائر الشحرور ذا الصوت المرتفع وكذلك طائر أبو الحناء وعصفور النمنمة بأصواتها المرتفعة أيضا. كما نجد طائر القبرة الذى يفضل التغريد وهو يحلق فى الهواء فى حين تغرد معظم الطيور وهى واقفة على أغصان الأشجار.
ولكن هل من دلالة لجوقة الفجر؟ بل هل من محاكاة لهذه الجوقة؟. أعتقد أن هذه الجوقة تحمل الكثير والكثير من الدلالات التى يجب التركيز فى تفاصيل معانيها، بل ولابد من محاكاتها بعد الفهم والوعى والادراك لمعناها الحقيقى، حيث جاءت لنا بجماعة الطيور التى تقوم معا بأداء غِناء موزون.