بقلم: أ.د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر

   العلمية الحفزية كغيرها من العمليات الكيميائية تختزن بداخلها الكثير والكثير من الأسرار التى يجب البحث والتنقيب عنها وكشف النقاب عما تحتويه من معرفة علمية. فالعملية الحفزية تشمل كل من الحفاز والمواد المتفاعلة التى تتحول بدورها الى مواد ناتجة، عملية يعبر عنها بمعدل التفاعل أو معدل سرعة التفاعل الذى هو مقدار التغير فى  كميات أو تركيزات المتفاعلات أو النواتج فى وحدة الزمن. وهناك العديد من العوامل التى تؤثر فى سرعة التفاعل الكيميائى والتى منها وجود العامل المساعد أو الحفاز. الحفاز الذى هو عبارة مادة تغير فى سرعة التفاعل دون أن تشترك فيه. وفى الغالب نجد أن الحفاز يعمل على زيادة سرعة التفاعل، ولكن ماذا يعنى هذا؟ لن يعنى غير أن الحفاز يعمل على توفير كل من الجهد والمال ناهيك عن أن هناك بعض التفاعلات الكيميائية التى لايمكن أن تتم بدون وجود الحفاز أو قد تستغرق الكثير من الوقت لكى تتم وترى طريقها الى النور. ولكن مابين سهول وهضاب المتفاعلات والنواتج نجد الكثير من الجبال الشاهقة التى يجب أن يجتازها التفاعل الكيميائى كى تتحول المتفاعلات الى نواتج، وهذا لن يكون الا بمساعدة عامل من العوامل المؤثرة فى سرعة التفاعل والتى منها الحفاز. ولكى ندرك تضاريس التفاعل الكيميائى المحفز يجب علينا أن نكون أكثر ادراكا بجغرافية العملية الحفزية. هذه الجغرافيا الحفزية التى جاء تمثيلها فى الشكل البيانى لهذه الأطروحة والتى سوف نعبأها بالنظريات العلمية المقننة والموضحة لهذا التمثيل البيانى.

جغرافيا الحفز

بما أن الجغرافيا هى علم المعالم الذى يضم عدة أقسام هى الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية والجغرافيا السياسية وعلم الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية والاستشعارعن بعد. وكما أن الرحالة هم من أسسوا لهذا العلم من خلال  وصفهم وتسجيلهم لكل مشاهداتهم عن البلاد والأقاليم التي قاموا بزيارتها، فنحن هنا ومن خلال وصف وتسجيل وتصورات علماء الحفز عن العملية الحفزية للتفاعلات الكيميائية نستطيع أن نطلق فرعا جديدا من فروع الجغرافيا ألا وهو جغرافيا الحفز. جغرافيا الحفز التى يمكن تصنيفها تحت مايسمى بالجغرافيا الكمية أوالجغرافيا التطبيقية التى تتماشى والتطور العلمي الحديث المعتمد على التحليل والقياس والربط واستخدام النماذج والنظريات الحديثة.

خريطة تضاريس العملية الحفزية

تحتوى العملية الحفزية على عدة خطوات تبدأ بمرحلة امتزاز المتفاعلات على سطح الحفاز عند مستوى طاقة معين ثم يتبع هذه المرحلة، مرحلة ثانية يتم فيها تكسير الروابط الكيميائية بين جزيئات المتفاعلات عند مستوى طاقة مختلف ، كما يلى هذه المرحلة مرحلة ثالثة يتم فيها حدوث التفاعل بين جزيئات المتفاعلات المختلفة لتكوين مركب انتقالى ذو طاقة تنشيط أقل من طاقة التنشيط المقابلة فى حالة غياب الحفاز ولكنها فى الوقت ذاته تكون أعلى من طاقة المتفاعلات أوالنواتج. وعندئذ نجد المرحلة الرابعة التى تتكون فيها النواتج وعلى مستوى طاقة مختلف عن كل المستويات السابقة ثم تأتى المرحلة الأخيرة من الرحلة الحفزية والتى تنفصل فيها النواتج عن سطح الحفاز. تضاريس مختلفة الارتفاعات داخل منحنى الطاقة الذى نجد فيه طاقة المتفاعلات أكبر من طاقة النواتج كما فى التفاعل الطارد للحرارة والعكس صحيح بالنسبة للتفاعل الماص للحرارة. مع ملاحظة انخفاض طاقة تنشيط التفاعل من خلال وجود الحفاز وبالتالى تتحول المتفاعلات الى نواتج بعبورها لجبل الطاقة الأقل ارتفاعا.

تاريخ جغرافية الحفز

جغرافيا الحفز التى تصف مدى عبور المواد من حالة الى حالة داخل سهول وهضاب وجبال منحنى الطاقة ، تمتلك من التاريخ مايؤكد هذه الجغرافيا. ان جغرافيا الحفز المتمثلة فى دراسة الظواهر الفيزيائية للعملية الحفزية تمتلك من التاريخ مايأصلها ويؤكد جغرافيتها. تاريخ تمثل فى تدرج النظريات التى تناولت تفسير حركية التفاعل الكيميائى ابتداءا من نظرية ارهينيوس وانتهاءا بنظرية حالة الانتقال  التى تم تصوير تفاصيلها من خلال علم الفيمتوثانية للعالم المصرى الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل فى الكيمياء. نظرية أرهينيوس التى افترضت زيادة معدل سرعة التفاعل بزيادة درجة حرارة التفاعل من خلال مركب وسطى او انتقالى له طاقة أكبر (طاقة التفعيل أو التنشيط) من طاقة المتفاعلات أو النواتج، مركب وسطى لابد له أن يعبر جبل الطاقة كى ننتقل من المتفاعلات الى النواتج. حقبة تاريخية أخرى مرت بها جغرافيا الحفز جاءت بها نظرية الاصطدام التى افترضت أن التفاعل الكيميائى يحدث نتيجة التصادم بين جزيئات المتفاعلاتأ تصادم ينتج عنه طاقة كافية لتحويل هذه المتفاعلات الى الحالة الانتقالية ومن ثم تكوين النواتج. مرحلة تاريخية أخرى غمرتها نظرية حالة الانتقال التى اهتمت بدراسة التفاعل الكيميائى اعتمادا على قوانين الديناميكا الحرارية التى اشترطت أن تظل المركبات الوسطى أو الانتقالية لفترة معينة دون أن تصطدم بأى جسم آخر حتى لاتفقد جزء من طاقتها وبالتالى تعود مرة أخرى كمتفاعلات دون الوصول الى النواتج.

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz