أخبار العلوم

شجرة العائلة الفريتية

بقلم: أ.د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر

على مستوى الكائنات الحية، تتكون المجتمعات الكبيرة من قبائل تكونت من عائلات احتوت فيما بينها على أفراد. نفس التجمعات والتكوينات نجدها فى المكونات غير الحية كالمواد السيراميكية والتى منها الفريتات. عائلة الفريتات من العائلات التى يرجع تاريخها الى عصور بعيدة وسحيقة.

الفريتات

الفريتات عبارة عن مواد سيراميكية أو خزفية تتكون أساسا من الهيماتيت (أكسيد الحديد الثلاثى) مخلوطا مع أكسيد بعض الفلزات الأخرى الثنائية التكافؤ والتى قد يكون منها أكسيد الحديد الثنائى ومن ثم نجد فريتات الحديد (الماجنتيت) علاوة على فريتات بعض الفلزات الأخرى. لن تقوم قائمة للفريتات بدون وجود عنصر الحديد خصوصا الثلاثى التكافؤ، ولكن هذا لاينفى وجود الحديد الثنائى.

شجرة العائلة الفريتية

تمتلك شجرة العائلة الفريتية ثلاثة فروع رئيسية كبيرة لها  أشكال وتراكيب مختلفة، اثنان لهما بنية مكعبة وشكل له بنية سداسية. الفرع الأول للعائلة الفريتية، فريتات الاسبنيل (Spinel): هى مركبات فريتية ذات تركيب بللورى أو بنية مكعبة وصيغة بنائية عامة هى AB2O4  ( حيث أن كل من A &B  تمثل الأيونات الموجبة أو الكاتيونات فى المركب علما بأن B تكون كاتيونات الحديد الثلاثى فى حين (A)  من الممكن أن تكون كاتيونات الحديد الثنائى أو كاتيونات أى عنصر أخر بشرط أن يكون ثنائى التكافؤ ). ومن هنا يمكننا صياغة البنائية العامة للفريتات كالتالى    MFe2O4 حيث أن ((M من الممكن أن تكون عنصر ثنائى التكافؤ مثل الحديد أو الزنك أو الماغنسيوم ……ألخ. الفرع الثانى فى شجرة العائلة الفريتية، فريتات الجارنت (Garnet ): هى مركبات فريتية لها تركيب بلورى مكعب الشكل وصيغة بنائية عامة هى M3+Fe5O12  فى حين كان الفرع الثالث من الشجرة الفريتية، الفريتات السداسية التى كانت عبارة عن هى مركبات فريتية لها تركيب بلورى مكعب الشكل وصيغة بنائية عامة هى M2+Fe12O19.

فرع فريتات الاسبنيل

تكاد تكون فريتات الاسبنيل من أهم فروع شجرة عائلة الفريتات لما له من تطبيقات متعددة، فرع يحتوى على غصون ثلاث اختلفت فيما بينها فى توزيع كاتيوناتها بين المواقع الداخلية الوجودة داخل البنية المكعبة للتركيب البللورى لهذه الفريتات.  وفى حقيقة الأمر نجد أن وحدة الخلية فى الشبكة البلورية لفريتات الاسبنيل تحتوى على 32 أيون أكسجين، أيونات كبيرة نسبيا تعمل على تشكيل الشبكة المكعبة المتمركزة الأوجه. هذه الشبكة المكعبة الأوجه تحتوى على نوعان من المواقع الداخلية، مواقع رباعية وأخرى ثمانية. ولقد كان عدد المواقع الرباعية داخل الشبكة البلورية لفريتات الاسبنيل عبارة عن 64 موقعا ولقد احيط كل موقعا مشغولا بأربعة أيونات أكسجين فى حين كان عدد المواقع الثمانية 32 موقعا كما أحيط كل موقعا مشغولا من هذه المواقع بمقدار ستة أيونات أكسجين. كما أحتوت وحدة خلية فريتات الاسبنيل على ثمانية جزيئات من AB2O4 .

غصون فريتات الاسبنيل

غصون فريتات الاسبنيل عبرت عن أنواع ثلاث لهذا القسم من الفريتات التى اختلفت فيما بينها اختلافا كليا وجزئيا فى كافة خواصها الكيميائية والفيزيائية اعتمادا على اختلافها فى توزيع الكاتيونات مابين المواقع الداخلية داخل الشبكة البلورية المكعبة البنية لهذه الفريتات. غصون ثلاث فى فرع فريتات الاسبنيل، الغصن الأول هو فريتات الاسبنيل العادية الذى تحتوى مواقعه الرباعية على كاتيونات (A ) فقط فى حين تحتوى مواقعه الثمانية على كاتيونات (B) فقط أو بمعنى أخر نجد فى المواقع الرباعية كل أيونات الحديد الثلاثى وفى المواقع الثمانية أيونات الحديد الثنائى أو أيونات أى عنصر ثنائى أخر. أما الغصن الثانى من هذه الفريتات فهو فريتات الاسبينل المعكوس الذى تتوزع فيه كاتيونات (B ) بالتساوى بين المواقع الرباعية والثمانية فى حين تقبع كل كاتيونات (A ) فى المواقع الثمانية. غصن ثالث من غصون هذه الفريتات يسمى بفريتات الاسبنيل العشوائية أو المختلطة والتى تجد فيها التوزيع العشوائى لكاتيونات (  A&B) فى المواقع الرباعية والثمانية بمعنى وجود كاتيونات كل من (A&B ) فى هذه المواقع.

عش الشبكة الفريتية

عش الشبكة الفريتية، عش فطرى جميل تتجلى فيه قدرة الخالق سبحانه وتعالى فى أشكال هندسية منتظمة ومنظمة. فنجد أن محيط المواقع الرباعية أقل من محيط المواقع الثمانية، ومن ثم نجد الايونات التى أنصاف اقطارها الأيونية يتراوح مجالها مابين 58 الى 67 من المئة أنجستروم تتجه نحو المواقع الرباعية فى حين تتجه الأيونات التى أنصاف اقطارها الأيونية يتراوح مجالها مابين 70 الى 75 من المئة أنجستروم الى المواقع الثمانية. لهذا العش الفطرى خواصه ومميزاته، ولكن بطبيعة الحال يمكننا تغيير هذه الخواص الى حيث ما نريد من خلال احداث بعض التشوهات الهيكلية المفيدة فى هذا العش الجميل لتعظيم الفائدة من خاصية ما نسعى اليها لتحقيق غرض ما. مواصفات هذا العش تتغير بتغير التوزيع الكاتيونى بين المواقع الداخلية للشبكة البلورية لكافة أنواع الفريتات، تغيير هذا التوزيع يتأثر بعوامل كثيرة ومتعددة والتى منها على سبيل المثال لا الحصر طرق تصنيع الفريتات أو السيرة الذاتية للمعالجة الحرارية لهذه الفريتات أو تاريخ وطبيعة المواد الأولية المشتركة فى صناعة الفريتات.

تاريخ العائلة الفريتية

بدون تاريخ لن تجد أى حاضر أو مستقبل، فالأصول الممتدة عبر العصور المختلفة تلقى بظلال الحضارة على قيمة كافة المكونات والكائنات. فتاريخ الفريتات يبدأ من القدم مع بدايات اكتشاف المغناطيس والمغناطيسية، حيث تروى الأساطير أن راعى أغنام اسمه ماغنس لاحظ أن طرف عصاه المصنوع من مادة حديدية انجذب نحو بعض الحجارة  وأن بعضها الصغير الحجم قد تعلق في حذائه. لم يقف الراعى مكتوف الأيدى أمام هذه الملاحظة بل دفعه فضوله الى حفر الأرض للعثور على مصدر الجذب، فوجد صخورا سوداء سميت فيما بعد بصخور الماجنتيت التى هى مادة المغناطيس الطبيعى أو مايسمى بأكسيد الحديد الأسود أو أكسيد الحديد المغناطيسى (Fe3O4)  كما سميت هذه الحجارة باسم «الحجارة المغناطيسية»، نسبة الى هذا الراعى المكتشف.  ويعد حجر المغناطيس واحداً من اثنين من المعادن التي يتم العثور عليه ممغنطه بشكل طبيعي؛ ويتمثل المعدن الآخر في البيروتيت، وهو معدن مغناطيسي ضعيف. فريتات طبيعية جذبت انتباه الباحثين والمتخصصين لما لها من تطبيقات عديدة ومتعددة، انتباه بحثى أدى الى التنقيب عن هذه المواد والسعى وراء الحصول عليها صناعيا مع محاولة التحكم فى خواصها لتعظيم الاستفادة من هذه المواد.

العائلة الفريتية وعلوم الصدارة

لعلوم الصدارة تأثير كبير فى كافة مناحى الحياة، ولعل أبرز ما يأتي في علوم الصدارة أو العلوم المستقبلية الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية والروبوتيتات والنانو وتخزين الطاقة وتحلية ومعالجة المياة. علوم مستقبلية اخترقت الفريتات جبالها وشعابها لما لها من قيمة اقتصادية كبيرة كانت ترجمة حقيقية، على سند من الواقع والقوانين العلمية، لما يسمى باقتصاد المعرفة. تطبيقات تكنولوجية مهمة للفريتات تصدرت المشهد فى صناعة الاتصالات والمجسات الغازية وقلوب الذاكرة ومحولات القدرة الكهربية والمولدات وتطبيقات المايكرويف وخاصة فى منطقة الترددات العالية وفى صناعة الحفازات….ألخ. فريتات مرنة أو ناعمة (كفريتات المنجنيز) أدلت بدلوها فى محيط علوم الصدارة لما لها من نفاذية مغناطيسية عالية وارتفاع التشبع المغناطيسى علاوة على وجود فريتات صلبة امتلكت خواص مغناطيسية مغايرة للفريتات المرنة .

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz