التصنيفات: إعلام

تأثير ال”سي إن إن” ما بين النظرية والواقع

تعتبر نظرية تأثير ال”سي إن إن” (“The CNN Factor”) من أهم نظريات الإعلام والعلوم السياسية, وهي تتطرق إلى الدور الذي يلعبه الإعلام في الحياة السياسية. بحسب هذه النظرية فإن للإعلام قدرة كبيرة للتأثير على صناعة القرارات وتحديد الأجندات السياسية للحكومات.

وقد جاءت التسمية بعد حرب تحرير الكويت في عام 1991, حي نقلت قناة ال”سي إن إن” تطورات الحرب ببثٍ حيٍ ومباشر, وبحسب هذه النظرية فإن الكثير من القرارات قد نتجت عن الصورة الإعلامية التي كانت تبث في تلك الفترة في قناة ال”سي إن إن” بشكل خاص, والقنوات العالمية الأخرى بشكل عام.

لقد أحدثت ثورة الفضائيات والأقمار الصناعية تغييراً كبيراُ في الإعلام, حيث أصبح يعتمد على العالمية, الفورية والاستمرارية في نقل الأحداث. إن ثورة الاتصالات التي شهدها العقد الماضي, البث التلفزيوني الحي, الإعلام الجديد والسرعة في إيصال المعلومة إلى كل مكان في العالم بشكل فوري, وضعت السياسيين أمام بيئة جديدة تتطلب ردود فعل سريعة وفورية, وهكذا أصبح السياسيون أكثر عرضة للنقد الجمهوري.

إن ذلك العصر الذي كانت تدار فيه أمور الدولة والسياسة خلف الأبواب المغلقة قد ولى منذ زمن, وأصبحنا اليوم نشهد سياسة تصنع على الهواء وأمام الجمهور, فلم يعد السياسي يملك ذلك الوقت للتفكير ملياً بتصريحاته وقراراته, ذلك أن طبيعة الإعلام الذي نشهده يملي عليهم إعطاء ردود فعل فورية, فالإعلام يلاحق صناع القرار, ينقل صور حية من قلب الأحداث ويثير مشاعر الجمهور لتشكل ضغط الرأي العام, الذي يطلب من السياسيين والحكومات اتخاذ القرارات والإدلاء بالتصريحات, ومن الممكن أن ينتج عن ذلك أخطاء فادحة, وتصريحات عفوية وغير متوقعة, كذلك الذي كان مؤخراً للرئيس الأمريكي باراك أباما عقب اختيار الفيفا لدولة قطر لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022, بدلاُ عن الولايات المتحدة, حيث قال بأنه “قرار خاطئ من  قبل الفيفا”, ومن الواضح أن مثل تلك الإجابة لم تكن دبلوماسية ومدروسة بل كانت عفوية إلى حد كبير.

بالمقابل فإن هنالك من يرون أن فكرة الإعلام الحر والمستقل ما هي إلا وهم, أراد لنا أصحاب النفوذ السياسي والرأسمالي تصديقه بهدف السيطرة على المادة الإعلامية المقدمة, قي الوقت الذي تقدم فيه هذه المادة على أنها حرة ومستقلة, والأمثلة على ذلك عديدة. على سبيل المثال دور الإعلام في الخروج لحرب العراق عام 2003, فقد انحازت الوسائل الإعلامية الأمريكية بشكل شبه كامل لسياسات الولايات المتحدة, ليُغَيَب الصوت المعارض لهذه الحرب وليطغى الصوت الذي رأى بأن هذه الحرب هي الضمان الوحيد لأمن الولايات المتحدة, والأداة المشروعة لتحرير الشعب العراقي من الظلم والاستبداد, وبهذا الشكل تم توظيف الإعلام في خدمة التوجهات السياسية للنخب الحاكمة.

هكذا نرى أن هذه النظرية عاجزة عن تفسير العديد من الظواهر الإعلامية والسياسية, ففي بعض الأحيان التغطية الإعلامية تكون منحازة منذ البداية للأجندات السياسية للحكومات, وفي أحيان أخرى فأن التغطية الإعلامية الواسعة والمستقلة لحد ما, لا تؤدي بالحكومات للاستجابة للأجندة الإعلامية المطروحة. هذا ما يؤكد بأن العلاقة بين الإعلام والسياسة هي أكثر تعقيداً من أن يتم شرحها والوقوف عند كل تعقيداتها من خلال نظرية واحدة.

شارك
نشر المقال:
سجود سليمان