التصنيفات: غير مصنف

مستويات هرمون الأوكسيتوسين تتأثر بعلاقة الأم ببناتها

إن تطور الحياة الحديثة، وغلاء مصاريف المعيشة، فرض على الأمهات مجارة رجالهن في العمل خارج المنزل، مما قد يفرض عليهن مسؤوليات جسيمة، خاصة وأن واجباتهن المنزلية قد تكون أكثر إرهاقاً من واجباتهن تجاه العمل، وقد تشعر الأم في كثير من الأحيان بأن الوقت يمر ما بين العمل والمنزل وما بين ذهاب الأطفال للمدرسة وما بين القيام بالأعمال المختلفة، لذلك فيجب عليها التفكير جدياً في تخصيص بعض الوقت لتقضيه مع طفلها وباقي أفراد العائلة، حيث أن قضاء الأم لعشرين دقيقة فقط مع أطفالها يومياً سيجعلها أكثر صحة وسعادة، كما أن أي أم ستود بالتأكيد أن تكون على علم بكل جوانب حياة طفلها والأحداث التي تجري فيها، على الرغم من أن هذا الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، فأي أب أو أم يريدون أن يكبر أطفالهم وهم على دراية بأن أهلهم قد بذلوا كل ما في وسعهم لإسعادهم، على الرغم من أنه في بعض الأحيان قد يكون كل ما يريده الطفل هو تمضية بعض الوقت مع والده أو والدته.

إن الطفل دائماً ما يحاول التعرف على قدراته وقيمته عند الآخرين، ولذلك فإنه عندما يرى أن والدته أو أفراد عائلته يريدون الجلوس معه، فإن هذا الأمر يجعله يشعر بأنه ذكى وبأنه ممتع ومحبوب من كل من حوله، كما يمكن للأم أن تزيد من ثقة طفلها بنفسه من خلال جلسات العائلة، فالطفل الذي ليس متعوداً على قضاء الوقت مع أهله سيشعر مع مرور الوقت بأنه منبوذ وغير محبوب، وهذا سيؤدي إلى انفصاله عن عائلته، وفقدانه للقيم العائلية السامية، ناهيك عن النتائج الوخيمة التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال نتيجة لغياب الرقابة الأبوية على تصرفاتهم، مما قد ينحدر بهم لارتكاب أفعال سيندمون عليها هم وعائلاتهم.

ولكن الأمر المثير للاهتمام أن الدراسات الحديثة بينت أن آثار انعدام الروابط العائلية، لا تقتصر فقط على النواحي النفسية، بل تمتد لتشمل النواحي الفيزيولوجية، حيث بينت دراسة أسترالية حديثة أن النساء اللواتي كانت لديهن صعوبة في إنشاء روابط مع أمهاتهن، كنّ أكثر عرضة للمعاناة من انخفاض مستويات هرمون الأوكسيتوسين بعد الولادة، وهذا الأمر يؤثر بدوره على ارتباطهم بأولادهن، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الربط بين الأوكسيتوسين، والارتباط والقلق من الانفصال، وهي حالة يقوم فيها الأشخاص بالاطمئنان بشكل مستمر على أحبائهم خشية من أن يصيبهم مكروه ما.

الهرمون البيبتيدي أو الاكسيتوسين (Oxytocin) هو هرمون يفرز بشكل جزئي من العصبونات في منطقة الوطاء (hypothalamus)، وينقل من الوطاء إلى الجزء الخلفي من الغدة النخامية عن طريق العصبونات، ويستخدم عند حاجة الجسم اليه، ولهذا الهرمون أهمية خاصة في عملية الولادة كونه يساعد على تقلص عضلات جدار الرحم وحدوث الطلق، كما أن لهذا الهرمون أهمية خاصة في علاقة الأم بطفلها، بحيث يقوم بتوليد شعور جميل لدى الام وفي بعض الأحيان شعور قوي بالرغبة في إرضاع الطفل، لذا فإن لهذا الهرمون أثر جيد في علاقة الأم بطفلها، وتشير الأبحاث أنه يتم إفراز هذا الهرمون في حالات الحب، كما ظهر من خلال التجارب بأن ارتفاع نسبة هذا الهرمون في الدم يزيد من قدرتهم على الثقة بالأخرين.

قام فريق البحث بهذه الدراسة بأخذ عينات دم من أكثر من 100 امرأة حامل، وقد أظهرت نتائج التحليل أن النساء اللواتي كانت علاقتهن بأمهاتهن مضطربة، أظهرن عجزاً واضحاً في إفراز هرمون الأوكسيتوسين، وذلك مقارنةً مع النساء اللواتي كانت علاقاتهن جيدة مع أمهاتهن أثناء الطفولة.

أظهرت نتائج البحث أن علاقة الفتاة بأبويها خلال الفترة التي تتكون فيها شخصيتها، تكون حاسمة في نقل ردات فعلها إلى هرمون الأوكسيتوسين، حيث أن إصابة النساء بقلق الانفصال عن أحبائهن أثناء فترة الحمل، هي بمثابة علامة مميزة لتحديد النساء اللواتي كنّ يعانين من عدم وجود الأمان في الروابط الأسرية، لذلك يجب التركيز على هذه القضايا باعتبارها عنصراً أساسياً في إدارة القلق أو الاكتئاب، حيث من الممكن عندها حل هذه المشكلات عن طريق التدخل المبكر باستخدام العلاجات النفسية إلى جانب العلاج بالأوكسيتوسين.

بحسب الباحثين فإن المرحلة التالية في هذا البحث ستكون بمتابعة أطفال النساء اللواتي شاركن بالدراسة، لمعرفة تأثير هذه العوامل على علاقاتهم وسلوكياتهم، حيث أوضحت الدراسات التي تم إجراؤها على الحيوانات، أن نقص الأوكسيتوسين كان له صلة وثيقة جداً مع عدم ارتباط الحيوانات بذريتها.

الجدير بالذكر بأن البحوث السابقة أشارت إلى إمكانية استخدام الأوكسيتوسين لتحسين العلاقات البشرية، حيث تم اقتراح استخدام هذا الهرمون لعلاج مرض التوحد، والذي يعاني المصابين به من صعوبات في تشكيل العلاقات الاجتماعية، إضافةً إلى أن بعض التجارب استخدمت العلاج بالأوكسيتوسين على الأزواج الذين يتجادلون بشكل مستمر لمعرفة فيما إذا كان يمكن لهذا الدواء أن يحسن من علاقتهم ببعضهم.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير