أخبار العلوم

مثيرات الاستجابة .. هل هناك كبسة في أدمغتنا تجعلنا نخضع لأوامر أي شخص يضغط عليها؟

يملك كل منّا داخل دماغه حزمة من الأعصاب تكون أكثر حساسية, أسهل استثارة, وأقوى انفعالًا, تُعتبر بمثابة مخازن للمشاعر التي لم نعبر عنها. ولكن كيف؟ لنفهم ذلك علينا أولًا أن نلقي نظرة على آلية استجابتنا للمواقف.

الاستجابة الشرطية لبافلوف

تنصّ نظرية الارتباط الشرطي لبافلوف أن لكل حافز استجابة, يمكن لمُؤثّر معيّن أن يحثّ استجابة ثابتة, ومتوقعة باستخدام مجهود بسيط.

عُرف بافلوف بتجاربه على الكلاب, وفي أحد تجاربه كان يضع الطعام أمام الكلب, يسيل لُعاب الكلب كاستجابة طبيعية لوجود الطعام, وبالمناسبة تُعرف هذه بالاستجابة غير الشرطية, فهي استجابة طبيعية موجودة غريزيًّا لدى الكلب, بل ولدى كل الكلاب.

أعاد بافلوف التجربة مرارا ولكنه كان يقوم برنّ جرس في كل مرة يقدم فيها الطعام, فيسيل لعاب الكلب كالعادة, بعد ذلك بدأ يستخدم الجرس منفردًا دون تقديم الطعام.. وللمفاجأة فإن لعاب الكلب لم يزل يسيل.. من هُنا صار رنّ الجرس (حافز شرطي) مقترنًا بسيلان اللعاب (استجابة شرطية).

تستجيب أدمغتنا بالطريقة نفسها, أي حافز يؤثّر على الدماغ, يُرتّب الدماغ لإحداث استجابة معيّنة ويحقّق النتيجة المنشودة من خلال حثّ الإنسان على القيام بسلوك معيّن.

تعجّ طفولتنا بالكثير من المواقف التي أردنا أن نستجيب لها بطريقة معينة, لكن نقص الخبرة والقوة منعنا من ذلك, وفشل سلوكنا في أن يتفق مع الاستجابة التي رتّب لها الدماغ. تمضي المواقف لكن آثارها تبقى, وتُخزّن في خلايانا العصبية في صورة شعور بالذنب -للعجز عن الاستجابة- أو مخاوف, أو نقاط ضعف.

وكما خلط الكلب بين وجود الطعام وصوت الجرس, فإن أي مؤثّر مشابه للحافز الذي استثار نتيجة غير محقّقة في طفولتنا سيدفعنا إلى نفس الاستجابة التي طالما أردنا تحقيقها, الآن وقد توافرت لدينا القوة لفعل ذلك.

كيف نفهم مثيرات الاستجابة

لفهم الموضوع دعنا نحكي قصة قصيرة, “جين” فتاة صغيرة اصطحبها أبوها في رحلة بالسيارة وأثناء توقّف السيارة في إحدى الإشارات سألها أبوها الذي كان مهووسًا بفكرة الموت “ماذا لو أُصبت بنوبةٍ قلبية الآن؟ بالطبع لن يمكنكِ إنقاذي وسأموت”

مثّلت كلمات الأب حافزًا دخل إلى مسمع الطفلة ذات الثمانيةِ أعوام, أراد الدماغ الاستجابة وإنقاذ الأب, فقرر أن يحفز سلوكًا معيّنًا لكن للأسف طفلة في عمرٍ كهذا تجهل آلية هذا السلوك, خُزّنت تلك الخبرات والمشاعر المكبوتة في عقل الطفلة ثم انتهى الموقف.

كَبُرت “جين” ولحظّها تزوجت من شخص كان يبتزّها عاطفيًّا, ويهددها بالانتحار إن لم تمتثل لأوامره, أمرًا كهذا قد يبدو مضحكًا لبعضنا, لكن ليس ل”جين” التي تشابه تهديد زوجها بالانتحار بحديث أبيها عن إنقاذها له, في هذه اللحظة انفجرت المشاعر المكبوتة المتولدة نتيجة لموقف أبيها, وصارت “جين” تستجيب للتهديدات لمنع زوجها من الانتحار, فقط لأنّ تجربة أبيها زرعت في تفكيرها أنها المسئولة عن حيوات الناس.

تسمّى بمثيرات الاستجابة, ولو أردنا الدقة فهي عبارة عن مشاعر نقية تتأهب للخروج استجابة لموقفٍ مشابه للموقف الذي تكونت لأجله, أو استجابةً لأي مُؤثّر يذكّرنا بهذا الموقف.

تمثّل مثيرات الاستجابة نقاط ضعفٍ لدينا, لا نقدر على رفض أمرٍ طلبته مثيرات الاستجابة منّا.

يلاحظها المقربون, ولو كان بعضهم من الاستغلاليين فسنضمن سلسلة من الإذعان إليهم وتنفيذ مطالبهم.  

نظنّ أن الحل هو في الهروب منها لكن هذا لن يجدي, ولابد من تكوين سلسلة من الآليات الدفاعية.

تتمثّل الآليات في (الاحتياج لرضا الآخرين عنّا, الاحتياج للطمأنينة, والخوف من الغضب).

قد تبدو هذه الآليات من الوهلة الأولى مُعينًا لمثيرات الاستجابة لتحقيق الإذعان للآخرين, وهو صحيح في حالة الاستخدام المفرط لها لكن الاستخدام المعتدل سيُساهم في تقويم تلك المثيرات وتدريج تقبلّنا لها.

في النهاية لا بأس إذا تذكّرنا مواقف لسنا راضين عن تصرفنا فيها, لازال بمقدورنا تعديل الأمر شريطة ألّا يستنزف ذلك مخزون مشاعرنا ولا ندع شيئًا كجلد الذات يقود مواقفنا.

المصادر

https://www.psychologistworld.com/behavior/stimulus-response-theory

كتاب الابتزاز العاطفي – سوزان فوروارد

شارك
نشر المقال:
أسماء علي