التصنيفات: الصحة الجيدة

لماذا نحتاج للدماغ

الدماغ البشري هو عضو بشري يوجد ضمن الجمجمة، وهو العضو الذي يتحكم بالجهاز العصبي المركزي للإنسان، عن طريق الأعصاب القحفية والنخاع الشوكي، والجهاز العصبي المحيطي، وبهذا يكون عملياً هو المنظم لجميع فعاليات الإنسان تقريباً، تشريحيا يتم تقسيم الدماغ إلى ثلاثة أجزاء : الدماغ الأمامي، الدماغ المتوسط والدماغ الخلفي، الدماغ الأمامي يتحكم بالوظائف الإرداية العليا (التفكير الاستنتاج التجريد)، في حين يتدخل الدماغ المتوسط والخلفي في الوظائف التلقائية أو اللاشعورية.

ولكن بالرغم من أن الدماغ يتحكم بجميع العمليات البشرية، يتبادر إلى أذهاننا أحياناً تساؤل مفاده، لماذا يعتبر الدماغ بهذه الأهمية، وما هي حاجتنا إلى الدماغ ؟

قد يبدو هذا السؤال في البداية سخيفاً، حيث أن الجواب الأكثر بديهية في هذه الحالة هو أن الإنسان يموت بدون الدماغ، وهذا أمر صحيح تماماً، ويمكننا تبين صحة هذا الأمر من خلال المصطلح الطبي الذي يسمى (الموت الدماغي) والذي يعني توقف الدماغ عن العمل، والذي يطابق مصطلح الموت بشكل عام، حيث يكون الشخص ميتاً دماغياً عندما يكون هناك نقص في الاستجابات الانعكاسية التي يسيطر عليها جذع الدماغ، حيث يعد جذع الدماغ الهيكل الأساسي الجوهري في الدماغ الذي يتحكم في الوظائف الحيوية.

بجميع الأحوال فإن إبقاء البشر على قيد الحياة ليست المهمة الوحيدة للدماغ، فهذه الأمر ينطبق أيضاً على العديد من الأجهزة المهمة الأخرى في جسم الإنسان مثل القلب والكبد والرئتين، حيث تقوم جميع هذه الأعضاء بإبقاء الانسان على قيد الحياة، ولكن كل تلك الأعضاء يمكن زرعها بنجاح في حين أن زرع الدماغ ليس فقط غير ممكن، بل وغير مرغوب فيه أيضاً.

ولكن هل فعلاً السبب الأساسي لحاجة البشر للدماغ هو لأنه يبقيهم على قيد الحياة ؟

 في الحقيقة فإن الحاجة للدماغ ليست نابعة من احتياج الجسم له للبقاء على قيد الحياة، فلو كان الأمر كذلك فكيف نفسر بقاء الكثير من الحيوانات التي لا تمتلك دماغاً على قيد الحياة ؟ هذه الحيوانات قد يكون لديها أجهزة عصبية بسيطة تقوم بتنظيم أجهزة جسمها وتحل مكان الدماغ، كما أن هناك بعض الكائنات الحية التي تخلق وهي تمتلك أدمغة ولكنها تقوم بالتخلص منها فيما بعد، وأكبر مثال على ذلك هو حيوان بخاخ البحر الذي يبدأ حياته كمخلوق مثل الشرغوف، ويسبح في جميع أنحاء المحيطات بحثاً عن الصخرة المناسبة التي سيتعلق عليها، وفي هذه الفترة يكون جسمه يحتوي على جهاز عصبي بسيط مهمته تنسيق حركاته، كما يستطيع هذا الحيوان الرؤية عن طريق العين البدائية التي يمتلكها، ولكن عندما يصل في نهاية المطاف إلى ضالته ويثبّت نفسه على الصخرة، فإنه لا يعود بحاجة للتحرك، لذلك فإنه يقوم بهضم الجهازه العصبي لأنه لا يعود بحاجة إليه، ومن هنا نستنتج أن الحاجة إلى الدماغ لا تنبع من استمرار الحياة الحيوية.

إن الهدف الرئيسي من إمتلاك الكائنات للدماغ هو التحرك في أنحاء البيئة التي تعيش فيها بطريقة ذات معنى، حتى أنه يمكن القول أن القسم الأكبر من الدماغ مكرس لتأمين الحركة الملائمة للكائنات، فإذا اعتبرنا أن اللبنة الأساسية للدماغ هي الخلايا العصبية، فإننا قد نتفاجئ إذا علمنا أن غالبية الخلايا العصبية لا توجد داخل القشرة الدماغية، علماً أن داخل القشرة الدماغية هي المنطقة المسؤولة عن عمليات التفكير المتقدمة، وعلى عكس المتوقع فإن 80% من الخلايا العصبية توجد في المخيخ، والمخيخ هو ليس الجزء المسؤول عن عمليات التفكير بتاتاً، بل إنه الهيكل المنتفخ الذي يوجد في قاعدة الدماغ من الجهة الخلفية والذي يتحكم في حركاتنا فقط.

أغلب الأشخاص يعتقدون بأن الحيوانات التي تمتلك عقول كبيرة الحجم تكون أكثر ذكاء من غيرها من المخلوقات، وذلك لامتلاكها لعدد أكبر من الخلايا الدماغية، وهذا الافتراض صحيح إلى حد ما، ولكن عدد الخلايا العصبية ليس هو ما يحدد مدى ذكاء الكائن الحي، بل ما يحدد مستوى الذكاء هو عدد الموصلات بين الخلايا العصبية، فكلما كان عدد الموصلات بين الخلايا العصبية أكبر، كلما كانت نسبة الذكاء أكبر، لذلك فإن “القشرة الرابطة” وهي الطبقة الخارجية السميكة من الدماغ التي تقوم بتخزين المعلومات وتجهيزها للمعالجة من خلال شبكات مترابطة، هي سر القدرة الدماغية للكائنات على معالجة المعلومات، والجدير بالذكر أن الخلايا العصبية لديها ما يصل إلى 10,000 رابط عصبي، واذا افترضنا أن كل رابط عصبي مسؤول عن نمط من أنماط النشاط العصبي، فإن هذا يعني أن عدد الأنماط المختلفة المحتملة للنشاط العصبي بمجمله هي جملة لانهائية، فمثلاً في حال امتلك كائن ما 500 خلية عصبية فقط، وتمتلك كل منها 10.000 رابط عصبي، فإن هذه الخلايا قادرة على إجراء أنماط مختلفة من النشاطات العصبية قد يصل عددها ليساوي العدد المحتمل للذرات في الكون.

أخيراً، فإن الدماغ البشري مصنوع بمجمله من الروابط بين الخلايا العصبية، والهدف من إجراء كل هذه الإتصالات هو تخزين أنماط النشاط العصبي التي تعتبر أساس جميع الأحاسيس والتصورات والإدراك والعديد من وظائف الدماغ الهامة الأخرى التي نملكها، ومع ذلك، يجب علينا أن نتذكر أن كل هذه القدرات تخدم وظيفة أساسية وهي الحركة، فبدون القدرة على التحرك سنكون تحت رحمة البيئة تماماً، وهو ما يدفعنا إلى تطوير أدمغتنا للعمل على العالم، ففي النهاية لا تقوم الطبيعة الأم باختيار الأفكار فالعمل هو ما يحدد سير الأمور على أرض الواقع.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير