التصنيفات: الصحة الجيدة

العادة السرية لدى الرضع.. سلوك طبيعي يتشابه مع الصرع

“لم أكن أعلم ماذا يحدث لإبنتي ذات ال8 أشهر، فجأة كانت تنام على الأرض، وتضم أرجلها، ثم تبدأ في القيام بحركات غير مفهومة، ولا تتفاعل مع أي منبهات خارجية كمناداة اسمها، أو محاولات إفاقتها، كانت ردات فعلها عنيفة اتجاه الأخيرة”، هكذا أوضحت السيدة ” أ م” والتي رغبت في كتابة اسمها بتلك الطريقة خوفًا من الوصم الاجتماعي لابنتها

وتتابع: “ذهبت لطبيب أطفال، ولكن لم يشرح لنا تفاصيل الوضع التي تمر به ابنتي، مما أثار في نفسي خيفة، وفي النهاية قررنا إجراء فحص رسم للمخ للكشف عن أي إصابات كالصرع، ولكن كانت النتيجة في رسم المخ طبيعية ولا تدعوا للقلق”.

وتقول : “كانت فترة مريرة علينا، فلم نكن نعمل ماذا حل بابنتنا أنا وزوجي، وفي النهاية قررنا زيارة طبيب متخصص في المخ والأعصاب، الذي شرح لنا أن ابنتنا ليست مصابة بشيء، ولكن ما يحدث هو سلوك طبيعي يسمى بـ”استمناء الرضع”، أو “العادة السرية” عند الأطفال، وأوضحت الطبيبة أنه لا يمت بأي صلة بالشهوات الجنسية، ولكنه مجرد سلوك طبيعي نتج عن الملل”.

استمناء الرضع “العادة السرية”

وتؤكد والدة الطفلة “د” أنها كانت المرة الأولى التي تسمع فيها عن إمكانية حدوث هذا للرضع، ومن هنا نشير إلى أن مصطلح استمناء الأطفال الرضع ظهر في الوسط الطبي عام 1909 من قبل طبيب الأطفال الإنجليزي جورج فريدريك ستيل، وذلك بحسب ما جاء في الورقة البحثية المنشورة في دورية الطب السعودي المجلد الـ”30″ الجزء “6” بتاريخ نوفمبر – ديسمبر 2010.

تشابه الأعراض مع الصرع

وتشير الورقة البحثية إلى احتمالية حدوث خطأ أثناء تشخيص استمناء الرضع، أو ما يعرف بالعادة السرية لدى الرضع والأطفال الصغار وذلك لتشابه الأعراض مع أعراض بعض الأمراض العصبية الأخرى، وأمراض الجهاز الهضمي.

كما ذكرت ورقة بحثية نشرت في مجلة دورية عن طب الأطفال  بعنوان “اضطراب الإشباع: العادة السرية لدى الرضع والأطفال” أن الاستمناء الطفولي أحد أهم الاعتبارات في استبعاد أمراض الصرع لدى الأطفال والرضع، حيث تم الخلط بين سلوك الاستمناء وعدد من الأمراض الأخرى كأمراض الصرع والجاز العصبي، وأمراض آلام البطن، والتوتر، وفرط الحركة.

ومن جانبه قال سامر الخياط استشاري المخ والأعصاب أطفال، أن استمناء الرضع لا يعد مرضًا في حد ذاته، ولكن يمكن تعريفه بأنه سلوك غير مقبول، موضحًا أن هناك لبس وخطأ شائع في تشخيص الحالات المرتبطة باستمناء الرضع، فعادة ما يتم تشخيصهم بمرض الصرع أو الكهرباء في المخ.

وأضاف أن التشخيص ليس سهلًا على الأطباء غير المتخصصين في المخ والأعصاب، معللًا ذلك بقلة أعداد الإصابات باستمناء الأطفال، وكذلك تشابه أعراضه مع أعراض الصرع، موضحًا أن الفرق الجوهري يكمن في ردة فعل الرضيع العصبية عن طريق البكاء أو الصراخ في حالة مقاطعته، وذلك ما يميز حالات استمناء الرضع عن حالات الصرع.

أما الصرع: فيعرف بأنه حالة مرضية يفقد الإنسان فيها القدرة على التحكم بأي شيء، بجانب عدم قدرة المحيطين به على التحكم به أيضًا أو إيقاف ما يقوم به، وذلك بحسب ما أوضحه الخياط في حديثه.

 وتابع أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في حالات استمناء الرضع نفسها، ولكن في التشخيص الخاطئ لها، فهناك أطفال يخضعوا لعلاج الصرع عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى علاجهم بأثر رجعي.

بداية الأزمة

وبحسب ما جاء في ورقة “اضطراب الإشباع” أن هذا السلوك من الممكن أن يظهر من سن الثلاثة أشهر وحتى خمس سنوات ونصف، وهو من أنواع السلوك الطبيعي في حالة عدم وجود شكوك حول الاعتداء الجنسي على الأطفال.

وفي تصريحاته لموقع “نقطة” أوضح سامر الخياط أن استمناء الرضع من الممكن أن يبدأ من سن ال3 شهور، وينتشر بين الإناث بصورة أكبر من الصبيان فكل عشر حالات من الإناث يقابلها حالة واحدة من الذكور، مرجعًا السبب في ذلك لطبيعة جسد الأنثى، حيث أنها مجرد أن تضم أرجلها تصل لما تريد، مشددًا على أن ذلك السلوك لا يمت للشهوة الجنسية بأي صلة.

متابعًا أن الرضيع الذي يقوم بالاستمناء يرفض التفاعل مع محاولات إيقافه المختلفة، وعند إرغامه على التوقف والتدخل بصورة عنيفة يلاحظ إصابته بنوبة عصبية من البكاء والصراخ، أما في حالة عدم التدخل يصل الرضيع إلى المرحلة الأخيرة ويعرق بصورة شديدة ويسترخي، وأحيانًا ينام.

وأضاف من الممكن اعتبار استمناء الأطفال الرضع سلوك غير مقبول، ولا يتم إدخال أي أدوية إلا في حالتين فقط، الأطفال الكبار التي تتعدى أعمارهم الخمس سنوات، ويقومون بذلك السلوك بشكل متكرر، أو الأطفال المتأخرين ذهنيًا.

مؤكدًا أن العلاج في حالات الرضع عادة ما يكون عدم ترك الرضع يناموا بمفردهم أو على بطونهم، وإشغال وقتهم بالعديد من النشاطات المختلفة حتى لا يصابوا بالملل، وقراءة القصص قبل النوم إذا ما كانوا يقومون بها في تلك الفترة، التأكد من عدم وجود أي التهابات في منطقة الحفاض، بجانب التأكد من مناسبة مقاس الحفاض أيضًا، وكذلك النظافة الشخصية وخاصة لتلك المنطقة الحساسة.

مشيرًا إلى أنه في حالة الأطفال الكبار نسبيًا من الممكن التحدث لهم وتوضيح رفض ذلك السلوك ولكن بطريقة هادئة دون عصبية

وعلق الخياط على إجراء رسم المخ قائلًا :” من الخطأ إرسال المريض إلى فحص رسم المخ دون التأكد من الإصابة بالصرع أو الكهرباء في المخ، خاصة وأن تشخيص كل منهما يتم إكلينيكيًا ويجب أن يكون الطبيب المعالج مقتنع تمام الاقتناع من إصابة المريض بالصرع، وذلك لأنه من الممكن أن يكون هناك “لخبطة” في بنية الدماغ ولكن ليس صرعًا ولكنها طبيعة خلقة الله في هذا الإنسان.

أسباب سلوك الاستمناء لدى الرضع

وجاءت الورقة البحثية بعنوان “الاستمناء عند الرضع ومرحلة الطفولة: الهرمونات الجنسية والفحص السريري” لتستنتج أن هناك ارتباط بين استمناء الأطفال والرضع وانخفاض مستويات هرمون الإستراديول، مؤكدة أن تلك النتيجة تحتاج إلى مزيد من الدراسات.

ومن جانبه أوضح الخياط أن هذا السلوك يحدث لعدة أسباب منها؛ التهاب الحفاضات وضيقها والذي يثير المنطقة السفلية مما يضطر الطفلة إلى ضم أرجلها، وفي سن الجلوس يخطأ الأهل أحيانًا ويضعون الطفلة على قدمهم ويهزونها مما أيضًا يثير المنطقة السفلية.”

ويكمل الخياط أنه من ضمن أسباب استمناء الأطفال، جلوسهم على الكراسي المخصصة للطعام، والتي عادة ما تكون مدعومة بقاعدة بلاستيكية من الأمام لضمان أمان الطفل، ولكنها تثير منطقة الحفاض أيضًا خاصة مع الأطفال كثيري الحركة واللعب.

وسميت عادة لأن الطفل اعتاد القيام بتلك الحركة حيث تجعله يسترخي ويذهب للنوم مباشرة، موضحًا أنه أثناء قيام الرضيع بتلك الحركة لا يستطيع التركيز في ما يدور حوله، مما يجعل الأهالي وبعض الأطباء غير المتخصصين في تشخيص تلك الحالات بالصرع أو الكهرباء بالمخ.

الوصم الاجتماعي يخيف الأهالي

وعن إمكانية استمرار ذلك السلوك إلى بعد الثلاث سنوات، أشار الخياط إلى أن هناك قلة قليلة من الأطفال الذين تستمر معهم إلى فترة المراهقة والتي تكون مرحلة مرهقة في حياة الطفل والأهل معًا مهما اختلفت خلفياتهم الدينية والثقافية والعلمية، وينطبق ذلك أيضًا في الدول الأوربية.

وتؤكد ورقة “اضطراب الإشباع لدى الرضع” أن الآباء لا يفضلون مصطلح “الإشباع” أو “خلل الحركة الطفولي الحميد” على مصطلحي “الاستمناء” و”العادة السرية” نظرًا لوجود وصمة اجتماعية مرتبطة بهما.

ويتفق مع ما جاء في تلك الورقة الطبيب سامر الخياط موضحًا أنه كطبيب متخصص في المخ والأعصاب يلاقي صعوبة مع الأهالي في تقبل فكرة إصابة أبنائهم باستمناء الرضع؛ نظرًا للعادات والتقاليد والخلفيات الثقافية والدينية، موضحًا أن الاستنكار لا يوجد في مصر فقط، بل أيضًا في الدول الأوربية.

مشيرًا إلى أن هناك قلة من الأهالي يقابلون هذا السلوك بمواجهات خاطئة تربويًا وطبيًا، وعادة ما تكون ردات فعلهم عنيفة فيقومون بحلق شعر الطفل، أو حرقه، الأمر الذي من الممكن أن يزيد الأمور سوء، ولا يحل المشكلة الأساسية، بل من الممكن أن يصاب الأطفال بأمراض نفسية معقدة، مؤكدًا أن استمرار استمناء الأطفال إلى ما بعد سن العاشرة ينتقل الطفل إلى الطب النفسي، بجانب ضرورة التدخل العلاجي والدوائي.

علاقة الختان بالاستمناء

ونفى الخياط في حديثه وجود علاقة بين استمناء الرضع وإجراء علميات الختان وخاصة للإناث للحد منها، مؤكدًا أنه لا يوجد أي دليل أو مرجع علمي يدعم تلك النظرية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال القيام بتلك العملية والاعتداء على ما خلقه الله.

وختم حديثه قائلًا: “العلاج الوحيد لتلك الحالات هو تعديل السلوك بصورة غير مباشرة، وشد الانتباه لأشياء يحبها الصغار، وينتظرون حدوثها، بالإضافة إلى عدم تركهم وحدهم فترات طويلة حتى لا يصابوا بالملل فيتوجهون لذلك السلوك.

شارك
نشر المقال:
الزهراء عبد الوهاب