الصحة الجيدة

كل ما تريد معرفته عن القاتل المجهول: الغلوتين

هناك خطر يوجد في محلات السوبر ماركت لدينا، وهو ليس بأقل خطوة من أسلحة الدمار الشامل الغذائية، إنه سلاح الإسهال، واسمه الغلوتين.

الغلوتين هو مزيج البروتينات التي توجد في الغالب في القمح، ولكنه يوجد أيضاً في الشعير والشوفان، وهي الحبوب التي تصنع منها العديد من أنواع الخبز والباستا والشعيرية ورقائق الفطور، وحتى البيرة، وهذا يمكن أن يشكل معضلة لعدة ملايين من الأشخاص الذين يعانون من أمراض الاضطرابات الهضمية، واضطراب المناعة الذاتية التي يجعل فيها الغلوتين الجسم يهاجم الأمعاء الدقيقة، كما أن عدة ملايين من الأشخاص (ما يصل الى 5% من السكان) يعانون من “حساسية الغلوتين غير السيلياكية”، حيث يحفز فيها الغلوتين حدوث أعراض تشبه الاضطرابات الهضمية التي تحفزها حساسية القمح السيلياكية مثل آلام المعدة والإسهال والاكتئاب.

بالنسبة لكلا الحالتين، يعتبر الغلوتين بمثابة قنبلة موقوتة للأمعاء، أما بالنسبة لبقيتنا، فإنه لا يسبب أي ضرر، ولكن مع ذلك، فإن ما يقارب من ثلث السكان يرفضون تناول الغلوتين، وهذا التجنب بالنسبة للبعض هو نوع من صرعات الموضة، في حين أن الآخرين يعتقدون بأن هذا سيساعدهم على خسارة الوزن، ولكن أياً كان الدافع، فإن الملايين يكافحون من أجل تفادي تناول الغلوتين في منتجاتهم الغذائية اليومية، حيث أن الأطعمة غير الغلوتينية، لا تحتوي عادة على مذاق يذكر، وذلك لأن الغلوتين يعتبر واحداً من أهم مكونات الخبز وهو الذي يعطيه ملمسه المطاطي، والخبز بدونه يصبح كثيفاً وذو مذاق فظيع.

في الآونة الأخيرة، قام العلماء الإيطاليون بابتكار عملية جديدة تستخدم البكتيريا الماصة للغلوتين لتجريد القمح من كل الغلوتين الموجود فيه، والسماح لهم بصنع خبز قائم على القمح الخالي من الغلوتين، ذو الملمس الرقيق والطعم اللذيذ، وهذه العملية قد توفر خياراً سهل الاتباع للمرضى الذين يعانون من حساسية القمح السيلياكية وغير السيلياكية فضلاً عن العدد الذي لا يحصى من الأشخاص الآخرين الذين لا يفضلون تناول الغلوتين وحسب.

ما هو الغلوتين؟

الغلوتين هو مجموعة من البروتينات المرنة، والتي عندما ترتبط معاً، تشكل تركيبة قابلة للتمدد -تماماً كما تفعل البروتينات في الأوتار أو في حرير العنكبوت- وعندما يتم مزج الغلوتين مع الماء وعجنه فإن البروتينات في الغلوتين تعطي العجين ذات المرونة.

يستخدم الخبازون الغلوتين باعتباره سقالات للخبز، كما أنهم يضيفون الخميرة -وهي كائن وحيد الخلية- إلى دقيق القمح لتستهلك السكر فيه عن طريق التخمير، مما يؤدي إلى ظهور فقاعات من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا يجعل العجين يلتقط فقاعات الغاز ويرتفع معها، ويخلق شبكة من الجيوب الهوائية المدعمة بالهياكل الدبقة القابلة للتمدد، وعند التسخين، فإن بروتينات الغلوتين تثبت في مكانها، وتتحول قابليتها للتمدد إلى هشاشة، وإذا ماحاولت قطع رغيف من خبز القمح يمكنك بسهولة أن ترى الفقاعات ودعامات الغلوتين المدعمة لها.

كيف يجعلنا الغلوتين مرضى؟

بالنسبة لمعظمنا، فإن الغلوتين لا يسبب أي مشكلة تذكر، ولكن بالنسبة للذين يعانون من اضطرابات هضمية، فإن الغلوتين يحفز جهاز المناعة لمهاجمة الزغب المعوية، تلك النتوءات التي تبدو على شكل إصبع صغير وتبطن جدار الأمعاء الدقيقة، وهذا يسبب مجموعة من الأعراض المعِدية المعوية مثل الانتفاخ والإسهال، وهذا الضرر يمكن أن يضر بقدرة الجسم على امتصاص الفيتامينات الأساسية والبروتينات والسكريات، والمواد المغذية الأخرى، وهذا يمكن أن يؤدي إلى آثار طويلة الأجل بما في ذلك سرطان الأمعاء ومرض السكري.

قد تكون حساسية القمح غير السيلياكية أقل شهرة بين الأشخاص من حساسية القمح العادية، فبعض الأشخاص يعانون ببساطة من حساسية للقمح دون أي سبب يذكر، وقد أثبت الباحثون بأن الأشخاص يمكن أن يعانوا من رد فعل تحسسي يؤدي إلى اضطرابات هضمية من القمح، حتى وإن جاءت اختباراتهم لتكون سلبية لمرض حساسية القمح السيلياكية، (أي بعبارة أخرى، فإن هذا المرض ليس في رؤوسهم، بل هو في بطونهم)، وبهذه الدراسة لم يلق الباحثون اللوم بشكل خاص على الغلوتين لتسببه بهذه الاضطرابات، ولكن مع ذلك فقد استمروا بتسميته “حساسية الغلوتين غير السيلياكية” على أي حال.

لماذا لا نستهلك خبزاً يحتوي على نسبة أقل من القمح ؟

يمكن لهؤلاء الأشخاص تناول الخبز الذي يحتوي على نسبة قليلة من القمح، وهم يفعلون ذلك، لكن هذا النوع من الخبز يكون كثيفاً بشكل فظيع، فهو يشبه تناول قطعة كعك جافة، وذلك لأن الخَبز بدون هيكل داعم دبق يشبه بناء منزل من الطوب دون ملاط، لذلك فإن أفضل وصفة للخبر الخالي من الغلوتين تتطلب التركيبة الصحيحة من بديل الطحين الخالي من القمح للتعويض عن النكهة، وشيئاً لربط المكونات معاً لإعطاء الملمس الصحيح.

بعض الشركات تصنع رغيف خبز نباتي خال من الغلوتين باستخدام الدخن والأرز والسورغم أو مجموعات أخرى من الدقيق والحبوب لتحل محل النكهة التي يعطيها القمح، أما الدعم فيأتي من صمغ زنثان، وهو منتج غذائي مضاف تنتجه بكتيريا المستصفرة المرجية يعمل على لصق الطحين، وبهذا يصبح العجين أشبه بالزبدة، ولكن يكون بحاجة لأن يوضع في وعاء أثناء الخبز ليحافظ على شكله.

هل يزداد عدد الأشخاص اليوم الذين يعانون من حساسية الغلوتين؟

يبدو بأن معدلات الاضطرابات المتعلقة بالقمح ترتفع بالفعل، ولكن العلماء ليسوا متأكدين من السبب، فتبعاً للدكتور (أليسيو فاسانو)، مدير مركز بحوث الاضطرابات الهضمية وعلاجها في مستشفى ماساشوستس، فقد يكون السبب راجعاً لتغيير النظام الغذائي واعتمادنا على المزيد من الأطعمة المصنعة، ولذلك فقد لا تكون أجسامنا والبكتيريا التي تعيش في القناة الهضمية قد حصلت على الوقت الكافي للتكيف مع تغييرات النظام الغذائي الحديث نسبياً.

ولكن من جهة ثانية، فإن الانتباه الحديث للغلوتين، وللذين يعانون من الاضطرابات الهضمية، جعل الكثير من الأشخاص يزيلونه من قوائم تسوقهم، حيث أن 30% من الأسر الأميركية تحاول أن تتبع نظاماً خالياً من الغلوتين، ولكن من الواضح أن هؤلاء الـ30%  ليسوا مصابين بالاضطرابات الهضمية.

ماذا عن البكتيريا الماصة للغلوتين ؟ وهل تعمل؟

بحسب العلماء الإيطاليين، فإن البكتيريا التي تتغذى على الغلوتين والتي يتم إضافتها لتصنيع الخبر الخالي من الغلوتين، تترك بقية العناصر الغذائية سليمة، كما أنهم يضيفون بأن خبزهم يمتلك لمذاق وملمس مماثل لخبز العجين المخمر، على الرغم من أنه يحتوي على حفنة إضافية من المكونات الزائدة أكثر مما يحتوي عليه الخبز العادي للتعويض عن فقدان الهيكل الناتج عن إزالة الغلوتين، وقد قام الفريق بنشر دراسته الأخيرة في مجلة (Food Science).

ولكن من ناحية أخرى، فإن بعض الباحثين لا يزالون متشككين من أن الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات الهضمية سيكون بمقدورهم تناول هذا النوع الجديد من الخبز، ويشيرون بأنه لا بد من إجراء المزيد من التجارب قبل اتخاذ القرار.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير