التصنيفات: الصحة الجيدة

فلافانول الكاكاو يوقف تراجع القدرات الذهنية

تعرّف الذاكرة من الناحية العلمية على أنها القدرة العقلية للكائن الحي على الحفاظ وتخزين واستدعاء المعلومات، ولكن عندما يتقدم الإنسان في السن، قد يشعر بأن ذاكرته قد أصبحت أضعف وبأنها تفقد تدريجياً قدرتها على تخزين المعلومات، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يحدث بصورة طبيعية لدى معظم الأشخاص، إلّا أن الجميع يسعى لإيجاد حل لهذه المشكلة واستعادة قدراتهم العقلية التي كانوا يمتلكونها أيام شبابهم.

ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الدراسات المختلفة التي تعالج هذا الموضوع، وكان أغلبها يبحث عن الحل الأمثل في الأطعمة الغذائية التي نتناولها يومياً كون الدماغ يمكن أن يتأثر بنوعية الأطعمة التي يتناولها الشخص، ومن هذه الدراسات كانت الدراسة التي قدمها علماء المركز الطبي لجامعة كولومبيا (CUMC)، حيث بينت هذه الدراسة الجديدة أن تناول المغذيات الغنية بفلافانول الكاكاو- وهي مادة طبيعية موجودة في بذور الكاكاو- يمكن أن يكون كفيلاً بالحد من تراجع الذاكرة الناتج عن تقدم العمر لدى كبار السن الأصحاء، حيث تقدم هذه الدراسة أول دليل مباشر على أن أحد العوامل التي تؤثر على تراجع الذاكرة المرتبط بالعمر عند البشر، هو حدوث تغيّرات في منطقة محددة من الدماغ، ولكن ما يدعو للتفاؤل هو أن هذا النوع من التراجع يمكن معالجته عن طريق التدخل الغذائي.

عادةً ما يظهر على الأشخاص بعض علامات التراجع في القدرات المعرفية مع تقدمهم في السن، بما في ذلك قدرات التعلم وتذكر الأشياء مثل الأسماء الجديدة أو أماكن وقوف سيارتهم أو المكان الذي وضعوا فيه مفاتيحهم، وعادةً ما يبدأ هذه التراجع اعتباراً من سن البلوغ، ولكن نتائجه لا تظهر قبل سن الخمسين أو الستين، والجدير بالذكر أن تراجع الذاكرة المرتبط بالعمر يختلف عن ضعف الذاكرة الذي يحدث مع مرض الزهايمر والذي يدمر الخلايا العصبية في أجزاء مختلفة من الدماغ، بما في ذلك دوائر الذاكرة.

أظهرت الدراسات السابقة أن تراجع الذاكرة المرتبط بالعمر مرتبط بالتغيّرات التي تحدث في جزء معين من الدماغ، وهو التلفيف المسنن، لكن الأدلة السابقة كانت قد أظهرت رابطاً تلازمياً فقط وليس سببياً، أي أن الدراسات السابقة أوضحت أن تراجع الذاكرة يتلازم مع التغيرات التي تحدث بالدماغ، ولكن لا يوجد في الدراسات ما يشير إلى أن هذه التغيرات هي ما يؤدي إلى تراجع الذاكرة.

لمعرفة ما إذا كان التلفيف المسنن هو سبب تراجع الذاكرة المرتبط بالعمر لدى البشر، قام الدكتور (سكوت أ. سمول)، وهو أحد كبار المؤلفين للدراسة بالتعاون مع زملائه باختبار ما إذا كانت المركبات التي تسمى بفلافانول الكاكاو قادرة على تحسين وظيفة هذه المنطقة في الدماغ وتحسين الذاكرة، والجدير بالذكر أنه قد تم سابقاً اكتشاف أن الفلافانول المستخرج من حبوب الكاكاو هو في الحقيقة فعال في تحسين الاتصالات العصبية في التلفيف المسنن عند الفئران.

للقيام بهذا الاختبار تم إعداد شراب من أنواع محددة من حبوب نبتة الكاكاو النيئة التي تحتوي على مادة الفلافانول المضادة للأكسدة، وتم تقديمها لـ 37 متطوعاً سليماً تتراوح أعمارهم بين 50 و 69 عاماً، ليتم توزيعهم بعد ذلك بصورة عشوائية إلى فريقين، أحد الفريقين قام أفراده بتناول شراب غني بمادة الفلافانول بوتيرة يومية مكثفة وعلى مدى ثلاثة أشهر، – ما يقارب (900 ميليغرام)، فيما شرب أفراد الفريق الثاني مشروب ذو نسب ضعيفة من هذه المادة – حوالي (10 ميليغرامات) – يومياً أيضاً ولمدة ثلاثة أشهر، والجدير بالذكر أن العلماء كانوا قد قاموا بإجراء تصوير دماغي واختبارات للذاكرة لكل المشاركين قبل وبعد الدراسة، حيث تضمنت فحوصات التصوير الدماغي قياس لكمية الدم الواصلة للتلفيف المسنن، وقياس معدل عملية الأيض، كما كانت اختبارات الذاكرة تتضمن تذكراً لأشكال معينة على مدى 20 دقيقة مصممة خصيصاً لتقييم الذاكرة التي يسيطر عليها التلفيف المسنن.

أظهرت النتائج وجود ارتفاع في ضخ الدم إلى أجزاء من منطقة التلفيف المسنن في الدماغ لدى من تناولوا كميات كبيرة من الفلافانول، وتبين أن هذهأنأن الأجزاء تؤدي وظائف متصلة بالذاكرة وتتراجع كفاءتها مع مرور السنين، كما أكد الدكتور (سمول)، أن المشاركين “الذين كانت لديهم ذاكرة ستينية قبل البدء بالدراسة، أصبحت لديهم ذاكرة ثلاثينية أو أربعينية بعدها” لكن الباحث دعا إلى عدم التسرع في استخلاص النتائج وإلى التعمق في الأبحاث المتصلة بهذا الموضوع.

الجدير بالذكر أن مادة الفلافانول توجد أيضاً في أوراق الشاي وبعض الفواكه والخضروات، ولكن نسبتها تختلف من مادة إلى أخرى، كما وأنها ليست ذات المادة المستخدمة في الشوكولا، وإضافةً إلى ذلك فإن هذه المادة قد تساعد في تحسين صحة القلب والأوعية الدموية.

أخيراً تجدر الإشارة إلى أن دراسات سابقة كانت قد أظهرت أن قيام الشباب بممارسة تمارين الذاكرة يمكن أن يحسّن من وظائف الذاكرة التي ترتبط بالتلفيف المسنن، لذلك فإن هذه الدراسة لم تستطع تحديد فيما إذا كان ممارسة هذا النوع من التمارين هو ما أدى إلى تعزيز نشاط التلفيف المسنن لدى المشاركين في الدراسة وبالتالي إلى تحسن ذاكرتهم، أم أن الفلافانول هو الذي قام بهذا المفعول السحري، وتبقى الإجابة رهناً بالأبحاث المقبلة التي يجب أن تتم بهذا الموضوع.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير