التصنيفات: علماء عرب من قطر

فاطمة كافود طبيبة بعقلية هندسية .. تسعى لتحسين جودة الحياة

تسعى لأن يصل الطب في دقته العلاجية إلى دقة الحسابات الهندسية، وتؤكد على أهميّة المشاركة المجتمعية في الأبحاث الجينية طويلة المدى لاستخلاص نتائج يمكنها تحسين جودة الحياة.

بهذا التعريف المختصر، لرحلة طويلة بدأت الدكتورة فاطمة كافود، مديرة المختبر في قطر بيوبنك، عضو مؤسسة قطر حديثها عن نفسها لتصف رحلتها المعرفية الممتدة لأكثر من عشرة أعوام في مجال الطب.

بدأت رحلتها المهنية كطبيبة تقنية في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان التابع لمؤسسة حمد الطبية. الفترة التي وضعتها وجها إلى وجه أمام التحديات التي يواجهها الأطباء والمرضى على حد سواء في مراحل تجربة العلاج الكيميائي على مرضى السرطان.

شاهدت الدكتورة فاطمة خلال عملها سلسلة من الاختبارات على مدى تقبّل جسم المريض واستجابته للعلاج، ثم زيادة الجرعة تدريجيًا، أو تغيير نوع الدواء حتى يتم التوصل إلى العلاج المناسب لكل مريض. فكانت التجربة هي الأساس لاختبار موت الخلايا السرطانية بواسطة العلاجات المختلفة.

تقول الدكتورة فاطمة: “كانت معاناة المرضى تسبب لي الألم. وتمنيت أن يصل الطب في مرحلة ما إلى الدقة التي تتمتع بها الهندسة في علاج المرضى، حيث يقوم الطبيب بإجراء حسابات دقيقة كالتي يجريها المهندس قبل الشروع في بناء الشيء أو تركيبه، لتمكّنه من تحديد خطة علاجية خاصة لكل مريض، بدلاً من تعريضهم لتجارب مؤلمة ونتائج غير مؤكدة. هذا بالإضافة إلى تفادي تبديد الموارد الاقتصادية الذي ينتج عن استهلاك أدوية قد يكون لا طائل منها في علاج المريض. ومن هنا بدأ تطلّعي للعمل في مجال الطب الدقيق”.

هذا الهدف السامي، كان دافعًا أساسيًا شحذ همتها، ودفعها للانضمام إلى قطر بيوبنك التابع لمؤسسة قطر في عام 2013.

يُعد قطر مركز بيوبنك بمثابة البنية التحتية للأبحاث الخاصة بالطب الدقيق، حيث يقوم بجمع المعلومات الحيوية للأفراد المشاركين في برنامجه، وتتمثل في بيناتهم الجينية، والمعلومات المتعلقة بأنماط حياتهم المختلفة من حيث البيئة والنشاط البدني، والعينات وتاريخ مرضهم السابق.

كما يقوم بمهمة تشفير البيانات للحفاظ على سريتها التامة. وتستفيد من قاعدة بيانات قطر بيوبنك مؤسسات البحوث الطبية، أو البيئية، أو الجامعات وكذلك المؤسسات المعنية بالتخطيط، لأن المعلومات التي يتيحها تساعد على التخطيط المستقبلي من حيث معرفة نسبة الأمراض المزمنة، ونواقص التغذية، والمشكلات البيئية التي تؤثر على صحة الأفراد. 

تقول الدكتورة فاطمة: “تحمست للمشروع كونه خطوة هامة في بداية مسيرة الطب الدقيق في قطر. وبدأنا نستقبل المشاركين في المرحلة التجريبية، الذي وصل عددهم الآن إلى 35 ألف مشارك”.

أردفت: “تساعد البيانات التي يجمعها قطر بيوبنك الباحثين والعلماء في مجال الطب الدقيق على فهم مسببات الأمراض وطرق العلاج الأنسب للأفراد وطرق الوقاية منها. ويقوم البنك بإضافة البيانات بصفة مستمرة لذات العينة من الأفراد من خلال زيارات المتابعة، لمعرفة أهم التغيّرات الصحية التي طرأت عليهم وتحليلها وفقًا لمختلف العوامل.

وأوضحت الدكتورة فاطمة أن أبرز التحديات التي يواجهها مجال الطب الدقيق تتمثل في الحاجة لكم هائل من المعلومات والبيانات الخاصة بالأفراد. وفي هذا السياق أكدت على أهمية الوعي المجتمعي بقيمة البحث الجيني وعلاقته بالطب الدقيق على المدى البعيد قائلة: “بدون مشاركة المجتمع لن يتسنى لنا الحصول على معلومات توضح الفروق بين الأفراد وتمكّننا من بناء النتائج على أساسها”.

تضيف: “تتسم المجتمعات العربية في الغالب بتوقّع النتائج المباشرة أو على المدى القصير، بينما يحتاج الطب الدقيق إلى تجميع البيانات الخاصة بالأفراد على مدار حياتهم لمعرفة الأمراض التي تعرضوا لها منذ الولادة وحتى الوفاة، وبحث مسبباتها وما هي الفروق الفردية لبناء النتائج الدقيقة لمساعدتنا في علاج الأفراد في المستقبل، فإن لم تتحقق الاستفادة المباشرة لعينة الأفراد التي خضعت للفحوصات، فحتمًا سيستفيد أبنائهم وأحفادهم مستقبلاً بالوقاية من الأمراض وبمعرفة العلاجات المناسبة لهم”.

أوضحت الدكتورة فاطمة أن للمشاركين في برنامج قطر بيوبنك الخيار في معرفة نتائج فحوصاتهم أم لا. ولكنها تعتقد أن تلك المعلومات تساعد الأفراد على معرفة احتمالية إصابتهم بأمراض معينة في مرحلة ما أو اكتشاف الأمراض في مراحلها الأولى، ومن ثم تتيح لهم فرصة تفادي الإصابة بهذا المرض سواء عن طريق تعديل النظام الغذائي أو النشاط البدني أو تفادي عوامل بيئية معينة. كما يتيح للأفراد ممن لديهم قابلية للإصابة بأمراض معينة فرصة المتابعة بشكل مكثف ودوري لكشف التغيرات الطارئة والتعامل معها أول بأول، وإيقاف الأمراض إن وجدت.

وأشارت الدكتورة فاطمة إلى اعتقاد البعض بأن مجرد وجود رابط جيني لمرض ما يعني أن المرض مرتبط إلى الأبد بالعائلة وبالتالي قد يؤثر ذلك على مشاركتهم في الفحوصات الجينية، وهو أمر خاطئ، حيث تقول: ” يعلم كافة المتخصصين في مجال الطب أن الأمراض مركبة، فقد يكون الفرد حاملاً لعوامل جينية مسببة لمرض ما ولكنها غير كافية وحدها كمسبب للمرض، فهناك العديد من العوامل البيئية والخارجية مثل نمط الحياة والتغذية التي تؤثر على إصابة الأفراد بأمراض مثل السكري والقلب إلى جانب العامل الجيني”.

تضيف: “من خلال الفحوصات الدقيقة والتعرف على العوامل الجينية والخارجية يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية وتفادي الأمراض. والدليل على ذلك، أن هناك أشخاص حاملين لنفس الجينات يصابون بأمراض في مراحل عمرية مختلفة تمامًا، أو قد يصاب أحد الأخوات الحاملين لذات العامل الوراثي دون الآخر”.

في سياق الحديث عن أهمية تطوير البحث العلمي في الوطن العربي، تقول الدكتورة فاطمة: ” تؤثر العلوم على اقتصاد الدولة بطريقتين، حيث تحد الإنجازات العلمية من تبديد الموارد، وتختصر عملية المحاولة والخطأ للوصول للنتائج المرجوة، ومن ثم يتم توجيه الإنفاق بالطرق الصحيحة، ويتحقق الاستغلال الأمثل للموارد البيئية والمالية”.

وتعتقد الدكتورة فاطمة أن غياب السياسات الموحدة فيما يتعلق بالتعاون البحثي يُعد أحد أكبر معوقات التعاون بين علماء الوطن العربي، بالإضافة إلى ضرورة توفير قاعدة بيانية شاملة تضم كافة المعلومات الخاصة بالعلماء في المنطقة وتخصصاتهم، والأجهزة والخبرات المتاحة في المراكز العلمية المختلفة، حتى يتسنى للعلماء التواصل والتعاون على موضوعات البحث المماثلة.

تخرجت الدكتورة القطرية، فاطمة كافود من قسم العلوم الحيوية الطبية، كلية العلوم الصحية من جامعة قطر عام 2003. وحصلت على شهادة من الجمعية الأميركية لبيولوجيا الخلية تؤهلها للعمل كطبيبة تقنية. ثم أقدمت على دراسة الدكتوراه في جامعة قطر، وتناولت المرحلة الأخيرة من مشروعها البحثي مجال الطب الدقيق.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير