التصنيفات: علماء عرب من قطر

دروس من زمن كورونا: د. أسماء آل ثاني تبحث عن الأوبئة المحتملة في المستقبل

مع بدء تفشي جائحة كوفيد-19، اجتاحت العالم موجة من عدم اليقين، تاركةً المجتمع الطبي والصيدلاني يكابد في محاولة لفهم ومكافحة هذا الفيروس الجديد الذي لم يكن معروفًا من قبل في تاريخ البشرية. حينها، وجد العالم نفسه يعبرُ أرضًا مجهولة، وألقيت على كاهل المتخصصين في العلوم الطبية مهمة شاقة تتمثل في تطوير علاجات فعالة وسط تحديات غير مسبوقة.

اليوم، بعد أن خَبِرنا مدى عمق التأثير الذي حملته هذه الجائحة، تحول تركيزنا إلى التعلم من هذه التجربة الاستثنائية. وبات خبراء العلوم الطبية يعملون بلا كلل للخروج بحلول واستراتيجيات مبتكرة لمواجهة أية سيناريوهات مستقبلية قد تتضمن ظهور فيروسات غامضة، وهدفهم الأسمى هو رفد العالم بأدوات أفضل واستعداد أمثل، مما يمكّننا من الاستجابة لأي أوبئة مستقبلية بفعالية أكبر، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إنقاذ المزيد من الأرواح وحماية الرفاه العالمي في نهاية المطاف.

العالمة القطرية الدكتورة أسماء آل ثاني تتحدث عن كشف أسرار الفيروسات ورفع مكانة قطر العلمية في مجال علم الفيروسات

تسعى الدكتورة أسماء آل ثاني من خلال عملها إلى دراسة مثل هكذا فيروسات غامضة، والتي يمكن أن تسبب أضرارًا واسعة النطاق. وتشغل الدكتورة أسماء منصب المدير التنفيذي لمعهد قطر للطب الدقيق، ونائب الرئيس للعلوم الطبية والصحية بجامعة قطر، وأستاذ علم الفيروسات في قسم العلوم الطبية الحيوية بالجامعة، ومدير مركز البحوث الطبية الحيوية، وأستاذ مساعد في وايل كورنيل للطب – قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر وأستاذ مساعد في جامعة حمد بن خليفة.

تعد الدكتورة أسماء خبيرة في علم الفيروسات والأمراض المعدية، وهي مستشار المختبر الوطني المرجعي في وزارة الصحة العامة. وقد بدأ شغفها بعلم الأحياء الدقيقة، خلال دراستها الجامعية في تخصص العلوم الحيوية الطبية في جامعة قطر، فتعمقت في عالم الفيروسات وافتُتنت بمدى تعقيده، مما أثار اهتمامها بالتشخيص الجزيئي والتسلسل الجيني. وتصف الدكتورة أسماء تجربتها: “لقد شدّني عالم الفيروسات الخفي وقدرة التشخيص الجزيئي على إماطة اللثام عن أسراره”. 

بعد حصولها على درجة الدراسات العليا من جامعة لندن للصحة وطب المناطق الحارة في المملكة المتحدة، تحول تركيزها إلى علم الفيروسات الطبي، حيث استكشفت الجوانب الجزيئية والمناعية للفيروسات المستجدة. وتبيّن: “أتاحت لي دراسة علم الفيروسات الطبي التعمق في تعقيدات الفيروسات وتأثيراتها على جسم الإنسان”.

عاملان رئيسيان كانا الدافع وراء رحلة الدكتورة أسماء في علم الفيروسات، الأول هو شغفها بالكشف عن أسرار الفيروسات من خلال التشخيص الجزيئي المتقدم، حيث قادها التسلسل الجيني إلى التركيز على الفيروس المخلوي التنفسي، وهو فيروس غامض يؤثر بشكل متفاوت على الأطفال في جميع أنحاء العالم. وسعى بحثُها إلى إلقاء الضوء على تباين سلالة هذا الفيروس ومسبباته المرضية؛ أي إلى أي مدى يمكن للفيروسات أو البكتيريا أن تتحور، ومدى شدة المرض الذي تسببه.

توضح الدكتورة أسماء: “فهم التركيب الجيني لفيروسات مثل الفيروس المخلوي التنفسي يمكن أن يساعدنا في وضع استراتيجيات أفضل لإدارة تفشي المرض وحماية الفئات السكانية الأكثر عرضة للخطر”.

أما السبب الثاني، فهو حس الدكتورة أسماء العميق بالمسؤولية تجاه وطنها قطر خلال جائحة كوفيد-19. وانطلاقًا من إدراكها لقلة علماء الفيروسات المحليين والبحوث المخصصة لدراسة الفيروسات، لذلك عقدت العزم على إنشاء مرافق متخصصة في أبحاث علم الفيروسات للمساهمة في تعزيز الرعاية الصحية، وخلق الفرص للأجيال القادمة، ورفع مكانة قطر العلمية. وحول هذا تقول: “أردت إحداث تغيير في قطاع الرعاية الصحية في بلدي وتعزيز التقدم العلمي على نطاق عالمي”.

يفتح علم الفيروسات الطبي آفاقًا واسعة أمام قطر والمنطقة العربية. إذ، ومن خلال دراسة الفاشيات الفيروسية، وفهم الاتجاهات الوبائية، وتطوير اللقاحات، ورفع الاستعداد في مجال الصحة العامة، يمكن لعلم الفيروسات أن يحسّن مخرّجات الصحة العامة إلى حد كبير، ويعزز جهود مكافحة الأمراض المعدية. وترى الدكتورة أسماء أن الاستثمار في الخطوط البحثية طويلة الأجل والبنية التحتية المتينة لعلم الفيروسات، سيمكّن قطر والمنطقة من تقديم إسهامات هامة لمكافحة الأمراض المعدية على مستوى العالم.

وإدراكًا منها أهمية التعاون وتبادل المعرفة، تدعم الدكتورة أسماء إطلاق المبادرات التي تجمع العلماء العرب معًا لتعزيز التواصل فيما بينهم وسد الفجوات المعرفية، من منطلق أن برامج التبادل البحثي، والمؤتمرات الإقليمية، والمنصات الرقمية تلعب أدوارًا محورية في تشجيع الدراسات الرائدة في علم الفيروسات وتعزيز المجتمع العلمي في المنطقة العربية. الأمر الذي تشدد عليه الدكتورة أسماء بالقول: “التعاون أمرٌ جوهري لتطوير المعرفة العلمية ومواجهة التحديات الصحية العالمية”.

تتطلع الدكتورة أسماء إلى مجتمع علمي مزدهر في قطر، قادر على تحويل الاكتشافات البحثية إلى تطبيقات عملية وتسويقها بالطريقة الأمثل، فهي ترى أن دولة قطر تمتلك كل المقومات التي تمكّنها من ترسيخ موقعها كمركز للابتكار، ورائدة عالمية في التقدم العلمي من خلال تعزيز الثقافة التعاونية وتعزيز شبكات البحث.

وتختم الدكتورة أسماء آل ثاني مؤكدة أن “البيئة التعاونية تنمّي الإبداع، وتحفّز التميّز العلمي. ومن خلال جهودنا الجماعية، يمكننا إحداث تأثير إيجابي مستدام على الصحة والرفاه العالميين”.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير