أخبار العلوم

حول الآثار السلبية للإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية على صحتنا النفسية

هل يعتبر الضرر الناجم عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية أكبر من فوائده؟ وخصوصاً بين الأجيال الشابة؟ أصبحت الإجابة على هذا السؤال أمرًا ملحًا.

فبينما كان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية والسلوك مجالًا غامضًا في المراحل الأولى من ظهورها، إلا أن الطبيعة الحقيقية لتأثيرها لم تتضح إلا بعد انتشار المنصات الاجتماعية  في عالمنا، حيث أصبحت العقول والأيدي مقيدة بسلاسل غير مرئية لقطعة من التكنولوجيا بحجم الكف، وعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أن لديها قدرة هائلة على السيطرة على التوجهات، والنظرة الذاتية، وحتى أحلام البشر في بعض الأحيان. يأتي هنا السؤال الأهم، هل يسمح عالم الأجهزة والمنصات لنا بالاحتفاظ بطبيعتنا وهويتنا الحقيقية، أم يحولنا إلى نسخ رمزية تجوب هذا الفضاء الافتراضي؟

وجهي العملة

تقول الدكتورة إيرين فالنتين، أخصائية علم النفس السريري في سدرة للطب – عضو مؤسسة قطر -عن إيجابيات وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية: “وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية لها تأثيرات إيجابية وسلبية على صحتنا العقلية وسلوكنا ورفاهيتنا بشكل عام، وهناك الكثير من الأبحاث التي تدعم ذلك.”

وأردفت: “من ناحية، فهي تساعدنا على التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة الذين يفصل بيننا وبينهم مسافات، حيث تمكننا من مشاركة نجاحاتنا، وأفراحنا مع الآخرين، وتبقينا على إطلاع بخصوص القضايا الهامة بالنسبة لنا، كما أنها مصدر يمدنا بالأخبار والمعلومات، وتبقينا على اتصال بمجال عملنا وحتى تطلعنا على وسائل علاجية قد تكون غير متاحة عبر الوسائل التقليدية. إن امتلاك هاتف ذكي هو بمثابة امتلاك حاسوب في جيبنا، يتيح لنا التواصل والحصول على المعلومات بشكل أسهل وفي أي وقت”.

تتابع: “ولكن، كما هو الحال مع كل شيء، هناك وجهان لكل عملة، وهناك آثار سلبية للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي عندما يتعلق الأمر بسلوكنا. وتشمل الآثار السلبية المرتبطة بالإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي: الطبيعة الإدمانية التي تهيئ لنا أننا بحاجة للبقاء على اتصال دائم، وإرساء تقييمنا لذاتنا بناءً على التعليقات الواردة من خلال تلك الوسائط؛ واستخدام الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي كبديل للتفاعلات الإنسانية المباشرة أو لتجنب المشاعر السلبية. تتمثل إحدى المشكلات الأخرى في إحلال الهواتف الذكية محل الأنشطة الإنسانية الأخرى، وتعطيل الحياة الاجتماعية، إلى جانب تأثيرها على زيادة معدلات القلق لدى البعض”.

الاستنزاف العاطفي

أظهرت دراسات وإحصاءات مثيرة للاهتمام علاقة بين الاكتئاب والإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، بدءًا من المقارنات الاجتماعية التي تحدث في عقل المستخدم بشكل تلقائي بمجرد تصفحه لتلك المنصات، لتوليد شعور “الفومو” وهو الخوف من أن يفوتك شيء يحدث من حولك، للشعور بالوحدة، وعدم الكفاءة، وتدني احترام الذات الذي يمكن أن يسببه الإفراط في استخدام تلك المنصات.

تقول الدكتورة فالنتين: “ليس كل الأشخاص هم عرضة للوقوع في هذا الفخ، فهناك نطاق واسع لكيفية استخدام الأفراد لوسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لن يعاني الجميع من نفس التأثيرات السلبية”.

أضافت: “ولكن هناك فئات معينة، مثل المراهقين والأفراد المعرضين بالفعل لخطر العزلة أو الانعزال، والذين يعانون من القلق والتوتر، أو المصابين بالاكتئاب – وفي ذات الوقت لديهم إفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فهؤلاء سيعانون أكثر من غيرهم من الآثار السلبية لذلك الاستخدام غير الصحي على صحتهم النفسية”.

هناك جانب آخر في غاية الأهمية يرتبط بتأثير الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، ألا وهو الارتباك العاطفي الذي يخلفه التصفح السريع وغير الدقيق لكم هائل من المعلومات المتنوعة خلال ثوانٍ قليلة: على سبيل المثال، مشاهدة موقف طريف، ثم قراءة خبر عن أعداد الوفيات في كارثة ما، ثم إعلان عن بيع تذاكر لحفل قريب، ثم خبر آخر عن أحدث ما اكتشفه العلماء فيما يتعلق بطرق انتقال عدوى فيروس كورونا، وهكذا.

توضح الدكتورة فالنتين: “غالبًا ما يتسبب التصفح والانتقال بين كم كبير من الأخبار والمعلومات المتنوعة والمتناقضة في توليد شعور بالإرهاق الذهني، حيث لا يتاح لنا الوقت الكاف لاستيعاب وهضم المشاعر التي تخلفها كل من تلك المعلومات في نفسنا. وقد يؤدي هذا التدفق المستمر والتنوع في المحتوى أيضًا إلى جعل بعض الأشخاص يشعرون بالتشوش والتبلد العاطفي، حيث لا يمكنهم ببساطة استيعاب كل ما يشاهدونه وبالتالي يتوقفون عن محاولة الاستيعاب في حد ذاتها”.

خطر الإدمان

لا يحدث التأثير السلبي للإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين عشية وضحاها. بل هي عملية معقدة يمكن أن تتحول ببطء من مجرد عادة إلى إدمان. ويعتبر وعينا بمدى انخراطنا في هذا الفضاء الافتراضي، ومراقبة معدل استخدامنا والوقت الذي نقضيه على تلك المنصات الاجتماعية محورًا أساسيًا للحول دون حدوث ذلك.

تشرح الدكتورة فالنتين: “أثبت علميًا أن التحدث عن الذات ومشاركة الأخبار والمعلومات مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي “تضيء” أو تحفز مراكز المكافأة في المخ والمسارات الكيميائية، تمامًا مثلما يحدث في السلوك الإدماني”.

أضافت: “تمنحنا مراكز المكافأة في دماغنا شعورًا إيجابيًا، وتحثنا على فعل المزيد من ذلك الشيء الذي يشعرنا بالرضا والسعادة، لذلك نستمر في القيام به، ومن ثم نحتاج إلى تكراره للاستمرار في الشعور بالرضا. وتتمتع وسائل التواصل الاجتماعي بالقدرة على توجيه المستخدمين للسعي اللانهائي للحصول على التعليقات الإيجابية، من خلال نشر المزيد ومشاركة المزيد طوال الوقت، لجمهور لا حصر له”.

وتقول:” “أما في واقع حياتنا، ليس لدينا سوى شخص أو اثنين، أو مجموعة محدودة من الأشخاص الذي يمكنهم إعطاءنا تعليقات إيجابية أو مجاملتنا في أية وقت، بينما يسعى الأفراد إلى الحصول على المزيد والمزيد من ردود الفعل الإيجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمنحهم شعورًا إيجابيًا حيال أنفسهم، وهو نوع من الإدمان على الصعيد البيولوجي والعاطفي”.

وسائل التواصل والمراهقة

تعد مرحلة المراهقة من أكثر المراحل حساسيةً وتعقيدًا في حياة الفرد، حيث لا تزال شخصية وهوية المراهق في طور التكوين في هذه المرحلة، بينما يقوم باستكشاف العالم من حوله وكذلك ما يختزله من أفكار ومشاعر. وفي ظل تلك الحقبة التي اجتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي والبدائل الإعلامية أصبح الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لهم.

أوضحت الدكتورة فالنتين قائلة: “تمثل سنوات المراهقة مرحلة استكشاف وتعريف الذات، وتعتبر نقطة تحول في الحياة لكثير من الناس، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المراهقين اليوم يؤثر بالتأكيد على تلك المرحلة من تطورهم، مرة أخرى بشكل إيجابي وسلبي”.

تضيف:” تكشف الأبحاث عن العديد من السلبيات المرتبطة باستخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل مقارنة الذات مع الآخرين، وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، أو الشعور بأنه ليس جيدًا بما فيه الكفاية،

كما أن استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي يؤثر بشكل كبير على النوم، وهو أمر ضروري وحيوي في سن المراهقة”.

وتوضح الدكتورة فالنتين:” من جانب النمو والتطور، فإن سنوات المراهقة تمثل فترة البحث عن الهوية. وتسمح وسائل التواصل الاجتماعي الآن للمراهقين بتصفح شبكة لا نهائية تضيف لاستكشافهم وبحثهم، ولكن قد يكون ذلك المحتوى الذي يبحثون خلاله غير جيد أو غير مفيد بالنسبة لهم. وبينما يحاول المراهقون أن يتعرفوا بل ويعبروا عن شخصياتهم وذواتهم الأصيلة، فقد يقارنون أنفسهم بصور غير واقعية – بل بالفعل مزيفة – لأشخاص آخرين. وبينما يحاولون السيطرة على حياتهم، وفهم الدور المطلوب منهم تأديته كمراهقين مقبلين على مرحلة الشباب، قد يكونون مرتبكين ومشوشين جراء ما يجدونه على الإنترنت”.

وأضافت: “وتعتبر أحد أكثر الأمور إثارة للقلق اليوم فيما يتعلق بالمراهقين ووسائل التواصل الاجتماعي، هو أنهم غالبًا ما يتخذون الكثير من القرارات السريعة وغير العقلانية، ويعود ذلك لطبيعة بيولوجيا أجسامهم ودماغهم في هذه المرحلة من حياتهم. وهو أمر معروف. ولكن اتخاذهم تلك القرارات السريعة والمتهورة أحيانًا ومشاركتها عبر الإنترنت يمكن تضخيمه بشكل كبير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويصبح من الصعب سحب أو استعادة ما قاموا بنشره أو قوله بسبب الطبيعة الدائمة للإنترنت. وهو الأمر الذي يمثل صعوبة يواجهها هذا الجيل من المراهقين اليوم، لم يتعرض لها أي جيل آخر من قبل”.

كيف يمكن تقديم المساعدة؟

وفقًا للدكتورة فالنتين، يلعب الوالدين دورًا رئيسيًا في مراقبة وإدارة استخدام أبنائهم لوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، لتقليل أي آثار ضارة على صحتهم الجسدية والعاطفية والعقلية.

حيث تقول: “أولًا وقبل كل شيء، يجب أن يكون للوالدين رأي وحكم في استخدام أبنائهم للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، فمن غير المتوقع أن يتخذ المراهقون قرارات سليمة وصحية طوال الوقت فيما يتعلق باستخدام هواتفهم الذكية والمنصات الاجتماعية، بل هم في حاجة لوالديهم لمساعدتهم على اتخاذ هذه القرارات، وكذلك هو الدور الأساسي للوالدين؛ فالمراهقون بحاجة لوالديهم كي يرشدونهم ويمنحوهم خبرتهم عن العالم، ويشمل ذلك استخدام الأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي”.

واختتمت قائلة: “يجب على الوالدين وضع قواعد وحدود لاستخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي من قبل أبنائهم، ومناقشتهم في المحتوى المناسب وغير المناسب لتصفحه ومشاركته، وإرساء ضوابط يجب اتباعها مهما كان مدى ثقتهم في أبنائهم، والتحدث معهم بانتظام حول ما يشاهدونه ويفعلونه عبر الإنترنت، وعليهم هم أنفسهم أن يكونوا قدوة يحتذى بها في كيفية استخدامهم لهواتفهم ووسائل التواصل الاجتماعي”.

الدكتورة إيرين فالنتاين ، أخصائية علم النفس السريري في سدرة للطب – عضو مؤسسة قطر

الدكتورة إيرين فالنتاين

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير