التصنيفات: متفرقات

تحسين قدرات الطفل اللغوية

تعتبر التربية فنٌ وعلم في ذات الوقت، ولعلّها من أهَم المهام وأخطرها التي يتوجب على الوالِدَين القيام بها، ومع أنها مسؤوليّة كبيرة على كلا الوالِدَين لما فيها من صعوبات وتعقيدات ومشاكل إلاّ أنها متعة حين يشعران أنّهما يربيان أولادهما ويغدقان عليهم من العطف والحنان والرعاية ما يجعلهم ينطلقون في الحياة بثقة وثبات وصلابة إرادة، وللقيام بهذه المهمة فإن هناك العديد من الأساليب وأهمها هو توفير مناخ عاطفي شامل في المنزل.

في الأشهر الأولى من حياة الطفل تكون جميع وظائفه الحيوية منفتحة ومتأهبة لاستقبال أي معلومة من أي مكان، وهنا يقع على عاتق الأهل الاهتمام بأطفالهم والقيام بجميع التدابير والتدريبات اللازمة لتسهيل حياتهم في المستقبل ومن ضمن هذه التدريبات قيام الآباء بتدريب أطفالهم على التكلم، فخلال الأشهر الأولى من الحياة يبدأ الطفل بالتعرف على الأصوات التي تتكون منها اللغة ويقوم بتمييزها عن جميع الأصوات الأخرى في العالم، ولذلك يمكن خلال هذه الفترة تدريب الطفل على التعرف بشكل أكثر فعالية على الأصوات التي تكوّن اللغة، وذلك للإسراع من تطوير خرائط الدماغ التي تعتبر بالغة الأهمية لاكتساب اللغة.

وجدت الدراسات الحديثة أنه عندما يتم تعليم الأطفال الذين يبلغون من العمر أربعة أشهر للإصغاء للأنماط الصوتية الغير لغوية والتي تزداد تعقيداً بشكل تدريجي، فإنهم عند بلوغهم سن السبعة أشهر يكونون أسرع وأكثر دقة في الكشف عن الأصوات المهمة في تكوين اللغة من الأطفال الذين لم يصغوا لهذه الأنماط الصوتية.

يقوم الأطفال بشكل مستمر بمسح البيئة المحيطة بهم بهدف التعرف على الأصوات التي قد تكون أصواتاً لغوية، حيث أنهم يقومون خلال الفترة العمرية التي تمتد ما بين 4 – 7 أشهر بشكل أساسي بإعداد الخرائط الصوتية التي تكون أساساً لغوياً للطفل في المستقبل، وما يجب القيام به هو إرشاد أدمغة الأطفال بلطف للتركيز على المدخلات الحسية الأكثر وضوحاً لتشكيل هذه الخرائط.

يمكن تعريف هذه الخرائط الصوتية على أنها تجمعات للخلايا الدماغية المترابطة التي يقوم دماغ الطفل الرضيع بتكوينها لتمكينه من فك الشيفرة اللغوية بسرعة وتلقائية، والبناء الجيد لهذه الخرائط يجعل إمكانية معالجة اللغة لدى الأطفال الرضع أكثر سرعة وأكثر دقة، ويعتبر العمر الممتد ما بين 4 – 7 أشهر هو العمر الأمثل لتلقي تدريب الخرائط الصوتية، وفي حال تم تدريب الطفل بشكل ملائم، فإن ذلك سيؤدي إلى تكوين شبكة الخرائط الصوتية لديه في وقت مبكر، مما سيمكنه من بناء أفضل شبكة سمعية ممكنة لدماغه، وهذا سيوفر له أساساً قوية للغة – أو اللغات – التي سيتعلمها في المستقبل، وتدريب الأطفال على تكوين الخرائط الصوتية يجعل ردود أفعال الأطفال الرضع تجاه الأصوات اللغوية أكثر تلقائية، تماماً كما تكون ردات فعل أحدنا عند قيادته للسيارة بعد مدة طويلة من الممارسة تلقائية، فنحن مثلاً لا نفكر بتفاصيل القيادة، حيث لا نبذل جهداً لتذكر الضغط على دواسة البنزين للسير بالسيارة كما نقوم باستخدام إشارة الإنعطاف بشكل تلقائي دون التفكير بها، والهدف من تدريب الطفل لتشكيل الخريطة الصوتية بعمر مبكر، هو جعل الطفل يتعامل مع الأصوات اللغوية بسرعة وتلقائية.

إحدى الطرق التي قام العلماء باستعمالها لتسريع وتحسين بناء الخرائط الصوتية لدى الأطفال الرضع، تمثلت بعرض أنماط صوتية مختلفة ومتفاوتة على الأطفال، وتم إعطاء الأطفال مكافأة عندما أظهروا استجابة للتغيرات المتفاوتة والسريعة التي تحصل في الأنماط الصوتية، وتمثلت المكافأة بعرض فيلم يحتوي على ألوان زاهية، وكان التغيير في الأنماط الصوتية سريعاً، حيث أن التغيير قد لا يستغرق أكثر من عشر من الميلي ثانية فقط، وتزاد التجربة تعقيداً مع التقدم في التدريب، ومن خلال هذه اللعبة البسيطة يمكننا مساعدة الطفل على التركيز بشدة على الأصوات التي توجد في بيئته والتي من الممكن أن تحمل معلومات هامة عن اللغة التي يجب أن يتعلمها.

من المتوقع أن يكون لهذه التجربة فوائدها على المدى الطويل، حيث أظهر التخطيط الدماغي الكهربائي للأطفال الرضع أن أدمغتهم أصبحت تعالج الأنماط الصوتية بكفاءة متزايدة في عمر السبعة أشهر بعد فترة تدريبية امتدت على ستة أسابيع فقط، وستتم متابعة الأطفال حتى يصلوا إلى عمر الـ 18 شهراً، لمعرفة إن كان الأطفال سيحافظون على تلك القدرة بدون أي تدريبات إضافية.

أخيراً، لا يجب الاعتقاد أن تطوير الخريطة الصوتية لدى الأطفال ستصنع منهم عباقرة في المستقبل، كون مستوى الذكاء مرتبط بعوامل متنوعة مختلفة عن تنمية المقدرات اللغوية، ولتقريب الصورة يمكننا تشبيه الأمر برغبة شخص ما بأن يصبح طويل القامة، فاذا اخذنا بعين الاعتبار أن طول القامة تؤثر فيه مجموعة من المؤثرات الوراثية، وإذا كانت مورثات الشخص تحدد مقدار طوله ما بين 5,6 إلى 5,9 قدم،  فقد يصل هذا الشخص إلى طول 5,9 قدم، بعد تناول الكمية والنوعية المناسبة من الغذاء، والتواجد في البيئة المناسبة، والقيام بالتمارين الصحيحة، ولكنه لن يصل أبداً إلى طول 6 أقدام، وذات المبدأ ينطبق هنا.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير