بقلم: أ.د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علوم المواد والنانوتكنولوجى

المركز القومى للبحوث – الدقى – مصر

 

تدمع الحياة، ولن تكون دموعها الا فى وجود الكائن الحى. صدى دموع تخترق نسيج الحياة تذرفها أعضاء الكائن الحى لنستبين منها قدرة الله فى مخلوقاته. دموع مادية تراها بعينك وأخرى معنوية قد تستشعرها بوجدانك. دموع ترقرقت فى عين الانسان أو الحيوان وأخرى أكتست وتحلت بها النباتات. ودموع أخرى لاتراها بعينك المجردة ولكنها غرست سهامها فى مركز قلب الكائن الحى، انها دموع القلب. يبكى القلب ويذرف دموعا من نار غير مرئية تحرق الكيان وتضفى الحزن على بريق العيون التى تذرف دموعا مرئية ملتهبة تشق مجرى لها فوق صحراء الوجه العبوس الحزين. وكأن دموع القلب جاءت من تكاثف بخار الروح المتألمة الحزينة على سطح الحياة الباردة.  تنوعت دموع الحياة واختلفت باختلاف مصادرها، ولنقف معا وقفة سريعة مع دموع النبات ونخص دموع الأوراق أو ما يطلق عليه بالادماع. يبكى الانسان أو الحيوان بكاءا ماديا من خلال دموع عينيه فى حين يبكى النبات بثغوره أو ما نطلق عليه المسام. ولكن دموع النبات مختلفة فى نوعها ومحتوياتها. فللنبات دموع نقية ماؤها عذب تسمى ماء النتح أما الدموع التى تحتوى على بعض الأملاح فتسمى بماء الادماع. وكأن الفرق بين النتح والادماع كبير!!! ولما لا؟ والمحتوى مختلف بل والعوامل المؤدية لكل منهما مختلفة. ولما كان فى كلمة الادماع من وقع وتأثير وأثر فى النفس عند سماعها وخصوصا عندما نسمع ادماع النبات، كان لنا هذه الوقفة السريعة حول ادماع النبات.

الادماع النباتى

فى أواخر فصل الربيع وبداية فصل الصيف يكون ماء الادماع أكثر ظهورا وملاحظة للعين المجردة. ماء الادماع أو ما يسمى بعرق النبات يقف شامخا فوق نصل الأوراق النباتية غير عابئا بحدة نصلها. وقد يظن البعض أن ماء الادماع هو مايراه من قطرات الندى، ولكن الفرق شاسع وكبير. فقطرات الندى الجميلة ذات الشكل الكروى الرائع جاءت نتيجة عملية معقدة من تكاثف بخار الماء الموجود فى الغلاف الجوى على سطح أوراق النبات والتى حرارتها (باردة) أقل بكثير من درجة حرارة بخار الماء. قطرات ندى تتصارع فى التراكم على اوراق النبات فى الساعات الأخيرة من الليل وحتى بزوع أشعة الشمس الذهبية. ظواهر طبيعية تقف أمامك علها تقرع عليك باب قلبك المغلق أو تزيل أى صدأ قد يتراكم على بنيان عقلك الغافل.

متطلبات الادماع النباتى

للجاذبية الأرضية تأثير كبير وعظيم على كل الأشياء، وكل ما يحدث عكس هذه الجاذبية لابد أن يكون له متطلبات خاصة وهذا ما نجده فى عمليه الادماع النباتى ومالها من متطلبات خاصة. ولكن قبل كل هذا، هل ظاهرة الادماع موجودة أو تحدث مع كل النباتات؟ بالطبع لا لما لها من متطلبات خاصة تستوجب السير عكس الجاذبية الأرضية. فالاشجار العالية لاتمتلك القوة أو القدرة على دفع ماء الادماع الى الأعلى عكس الجاذبية الأرضية وصولا الى الأوراق. فالادماع لايحدث الا فى النباتات العشبية والنباتات الغير طويلة والتى لايتعدها طولها الثلاثة أمتار من خلال الأوعية الخشبية الصغيرة القطر.  تصعد المياة المختلطة بالاملاح من التربة الى الجذر ثم الساق عبر الأوعية الخشبية وتنتهى بالأوراق. تغذية طبيعية للنباتات من أسفل الى أعلى تمد أجزاء النبات بالغذاء المطلوب. تنتهى رحلة التغذية بالتخلص من الماء الزائد والمختلط بالاملاح الزائدة أيضا فى صورة براقة من الدموع المتلألئة التى تتكور على نصل الورقة أو عند ثغورها فى عملية ادماع ابدع خطواتها رب كل الأشياء عز وجل. وعندما يكف النبات عن البكاء تجف الدموع، ويتبخر مابها من ماء تاركا بعض ماكان يحمله من أملاح على سطح الورقة النباتية لترى بقع بيضاء تكسو أماكن متفرقة من الورقة. فالادماع هو دموع حياة النباتات وكأن فى البكاء حياة. بكاء الحياة الذى تسمع صراخه فى بكاء طفل أو حيوان تلامست أنفاسه وللمرة الأولى مع هواء هذا الكون العظيم ، بكاء الحياة الذى يجعل النفس تستريح وتلقى مابها من هموم. وكأن فى الدموع حياة لكل من الانسان والنبات والحيوان، انها قدرة الخالق فيما خلق. كائنات حية المحت لنا بدموعها فلم ندرك بل وأفصحت لنا فى أكثر من مقام ولم نعى، حتى جاءنا العلماء الأجلاء ورثة الأنبياء ونبهوا علينا دون تلميح وبتوضيح كامل وجود كل هذه المعجزات عل النفس تعود  الى فطرتها التى خلقها الله عليها وهى فطرة العبادة والبكاء لله وحده.

 

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz