التصنيفات: أخبار العلوم

ببغاوات المفاهيم والمصطلحات

تحتل المفاهيم والمصطلحات أهمية كبيرة وعالية فى بنيان النهضة والتقدم، لذا اهتم بتعريفها أهل العلم والمعرفة لكونها نواة لكل ذرة حكم أو قرار يجب أن يصدر فى شأن ما. فان استند الحكم فى الشئ على الفهم الخطأ للمصطلح كانت الطامة الكبرى التى سوف يترتب عليها هطول سيل من المخاطر التى لن تبقى رقبة على جسد، بل قد تؤدى الى تحول كل المكونات الحية والغير حية الى أشباح تتحرك فى ظلام كهوف الجهل الأسود. تستحضر المصطلحات بناءا على مفاهيمها الصحيحة لا بناءا على مفاهيم خاطئة قد تنبعث من مستنقعات الكراهية وصناديق أو أقفاص الحقد اللعين. ولكن آن لنا أن نستقى المفاهيم الصحيحة للمصطلحات المستخدمة؟ وهذه العقول قد تحولت الى عقول متجمدة فى شكلها بل وفارغة فى مضمونها لكونها لا تمتلك فكر صحيح كما أنها لا تمتلك ضميرا نشطا مستيقظا.  فاستخدام مفهوم خاطئ لمصطلح صحيح قد يحدث من حاقد يعلم المفهوم الصحيح للمصطلح ولكنه يلبس الحق بالباطل فى حركة شيطانية ملعونة امتزجت بنيران حقده القذر ودمامة غيرته المسمومة. ومن هذا المنطلق لن تجد أمامك غير نوعان من الببغاوات، أولها ببغاوات حقيقة وثانيها ببغاوات مستطنعة وهذا النوع أحقر وأقذر من النوع الأول. خيانة عظمى ترتكبها هذه الببغاوات فى حق أنفسها وفى حق أوطانها لأنها تدمر الأخضر واليابس بل وقد تمتد خيانتها لتنال من جهد علماء هذه المصطلحات من خلال بعثرت جهود وفكر هؤلاء العلماء بين دروب فضاء فكر ببغاوات سيطر عليها ظلام حقد ملعون قد سكب نيرانه السوداء على كافة البشر.

وعاء المصطلح

للمصطلح وعاء شفاف ونظيف، وعاء ينضح بما فيه من عدالة فى التكييف والوصف، وعاء سمى بالعقل السليم المحتوى على جواهر الفكر المعتدل الخالى من أى لون أو طعم أو رائحة لأى درجة من درجات الحقد. يخرج المصطلح أى مصطلح  من قلب عقول بذلت من الجهد الجهيد والوقت الثمين الكثير والكثير وسط تلاطم أفكار متعددة على مر السنين، غير أن ببغاوات الفحص والدرس لأمر ما يتجاهلون كل هذا بتحريفهم وتبديلهم لأى مفهوم صحيح للمصطلح الذى تطابق فى شكله مع هواهم ولكنه خالف هذه الأهواء فى مفهومه. ان تطابق الشكل والمجئ بمفاهيم مغلوطة وابتعادها كل البعد عن المفاهيم الصحيح بقصد مقصود وبسبق للاصرار والترصد، يعد من الجرائم الشنعاء التى تستحق أقصى درجات العقاب كما أنها لا تسقط بالتقادم لما فى ذلك من تدمير للمجتمع بأكمله.

قلب المصطلح

تقوم كافة مراحل تكوين المصطلح على الفكر أو التفكير الذى جاء فى وصفه بالموسوعة الحرة بأنه عبارة عن مجموعة من العمليات العقلية أو الذهنية التى تمكن البشر أو الانسان من نمذجة العالم المحيط به وبالتالى يتمكن من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته. فى حين عرف صاحب المعجم الوسط الفكر بأنه اعمال العقل فى المعلوم للوصول الى المجهول. ولنا أن نأخذ من صاحب الموسوعة الفلسفية تعريفه للفكر ونتعرف به على المصطلح فنقول قوله ” انه النتاج الأعلى للدماغ كمادة ذات تنظيم عضوى خاص، وهو العلملية الايجابية التى بواسطتها ينعكس العالم الموضوعى فى مفاهيم وأحكام ونظريات….”. فالفكر الذى هو النتاج الأعلى للعلماء يعتبر فى حد ذاته هو مطرقة العلم التى تخلص الأشياء كل الأشياء مما قد يتخللها من خبث، هذه المطرقة التى تؤدى بنا الى الكثير من المصطلحات المستندة على مفاهيم صحيحة. وكأن القلب السليم للمصطلح لن يكون الا فى الفكر النابع من العقل السليم والمؤدى بطبيعته الى المفهوم الصحيح له.

طبيعة ببغاوات المفهوم والمصطلح

 تشير كثير من الدراسات أن درجة ذكاء الببغاء لا تتعدى درجة ذكاء طفل فى الخامسة من عمره، ومن ثم فالببغاء غير قادر على مواكبة عصور التكنولوجيا المتقدمة، ولكننا وبكل أسف قد نجد هذه الببغائية عند من يعتبرون أنفسهم خبراء أو أصحاب فكر وثقافة فى حين أن الخبرة برئية منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، كما أن الفكر قد هرب مما يفعلون وازداد نزيف قلب الثقافة زاد من سوء فهمهم. فالصنف الأول من ببغاوات المفهوم والمصطلح، لا يمنعه من الوصول الى المفهوم الصحيح للمصطلح غير الغباء والتكبر والعناد. أما الصنف الثانى من ببغاوات المفهوم والمصطلح، هو الذى يبتعد وبقصد مسبق منه عن المفهوم الصحيح للمصطلح لا لشئ غير أنه قد أصبح جزءا لا يتجزأ من مستنقع الحقد والغيرة الذى شرب من مياهه القذرة واستنشق من رائحته العفنة وزاد من وزنه وتضخم شكله فى بيئته الملوثة. أما الصنف الثانى لم يجهل المفهوم الصحيح للمصطلح ولكنه يتجاهله بسوء نية مخطط لها سلفا ليحقق رغبة شريرة فى نفسه من خلال تضخيم ما هو بسيط حتى يبدو بشعا وغير مقبول فى نظر عامة القوم وأحيانا بعض المتخصصين الذين قد فقدوا الوعى والادراك. وعلى الرغم من أن نيران الحقد دائما ما تنطلق من أفواه ببغاوات الصنف الثانى الا أنهم كثيرا ما يسبحون فى بحور هواهم من خلال محابتهم لمن يتوافقون مع هذه الأهواء ومن ثم تتغير مبادئهم وتتغير مفاهيم المصطلحات عندهم لدرجة أنك تجد منهم الثناء على ما كانوا يجرمونه فى سابق عهدهم. خطورة ما بعدها خطورة تجدها فى الكيان الببغائى الذى يسعى لافساد الأرض وهلاك الزرع من خلال الخلط الغير محمود بين المصطلح الصحيح والمفهوم الخاطئ.

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz