التصنيفات: الصحة الجيدة

الصداع النصفي ناتج عن أمراض الجهاز الهضمي

لفهم الصداع النصفي المعقد، يجب أولاً فهم مراحله الأولى، ففي فترة الـ 24 ساعة التي تسبق هجمة الألم، يختبر حوالي 70% من المصابين بالصداع النصفي مرحلة تسمى البادرة (المنذرة)، وهذه المرحلة تتمثل لدى البعض بحدوث تغيير في المزاج، مثل الشعور بالغضب أو القلق، أو بحدوث مشاكل هضمية مثل حدوث آلام أو إسهال أو إمساك، أو حتى قد يشعر بعضهم الآخر بالتعب أو بالحيوية البالغة، أعراض البادرة عادةً ما تكون نابعة عن المنطقة العميقة من الهيكل الدماغي، ويرجح أن تكون هذه المنطقة هي منطقة ما تحت المهاد، والبادرة غالباً تأتي بمثابة تحذير يشير إلى أن هناك هجمة صداع قادمة على الطريق.

بعد حدوث هذه الأعراض، يحدث نوع من الألم لدى 20 % من الذين يعانون من الصداع النصفي يسمى بالأورة، وهذه المرحلة هي المرحلة التي تسبق حصول الصداع مباشرة، وتتمثل أعراضها بتشويش بالرؤية أو بإحساس بالوخز في الرأس، وتستمر هذه الأعراض لمدة تتراوح من بضعة دقائق إلى ساعة، ثم يبدأ الألم الحقيقي، والذي يمكن أن يترافق مع حدوث غثيان وحساسية تجاه الضوء والرائحة، إلى جانب مجموعة من الأعراض الأخرى.

هذه الأعراض تدعو للحيرة بحق، كونه من غير المعلوم ما الذي يحفّز هذه الأعراض للظهور وما هو سبب انتهائها، خاصة وأن الصداع النصفي يدوم لفترات مختلفة تتراوح ما بين الأربع ساعات إلى 72 ساعة، إلّا أن هذه الأعراض التي تسبق الوجع الحقيقي تبدو أنها تتبع منهجاً منطقياً يمكن مراقبته، مما قد يدعو للتساؤل حول امكانية معالجتها، حيث أن الدماغ يصبح في بداية الأمر منفعلاً، ثم ملتهباً، وكذلك الأمر بالنسبة للخلايا العصبية، فهي تلعب دوراً أيضاً في إحداث الصداع النصفي، وذلك إلى جانب حدوث تغيرات في الأوعية الدموية وتدفق الدم إلى الدماغ، مما يؤدي في النهاية إلى الإفراج عن ببتيدات الالتهاب.

تبعاً لما سبق، فإن كل ما يلزم لعلاج الصداع النصفي هو إما إعطاء دواء يعمل على تهدئة الدماغ، مثل الأدوية التي يتم اعطاؤها لعلاج النوبات العصبية، أو استعمال أدوية مضادة للالتهاب، مثل مضادات الالتهابات الستيرويدية، وهذا اجراء سهل، لذا تم تجربة هذه النظرية على مرضى الصداع النصفي، حيث تم التأكد من أنهم يحصلون على القسط الكافي من النوم، وأنهم متحكمين بحالة الإجهاد والتوتر التي تصيبهم، وتم اعطائهم العناصر الغذائية اللازمة لهم، كما تم اعطائهم الأدوية التي يعتقد بأنها قد تكون مفيدة لحالتهم، وبالنتيجة تحسّن بعض المرضى، إلا أن آلامهم لم تتحسن تماماً، مما يعني وجود شيء ما قد تم إغفاله.

يعتقد البعض أن السبب الذي تم إغفاله هو المسبب الأساسي الذي يطلق آلام الصداع النصفي، وهو القناة الهضمية، فعادةً ما يعاني الأشخاص الطبيعيون من آلام بالمعدة مصاحبة لشعورهم بالقلق أو بالتوتر (مثل حالة تقديم الاختبارات أو الفحوص) وهذه الآلام تتوقف عند احساس الشخص بالارتياح أو عندما ينخفض مستوى التوتر لديه، ويلاحظ أن مرضى الصداع النصفي يعانون أيضاً من هذه الحالة، فعادةً ما يشير المرضى بأنهم يشعرون بوجود أعراض جسدية أخرى تترافق مع الأعراض العصبية التي تصيبهم  وهذه الأعراض مرتبطة بالجهاز الهضمي أو بالأمعاء.

أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة، أن الجهاز العصبي المعوي، وهو الجهاز العصبي الذي يرتبط بالجهاز الهضمي، يمكنه العمل من تلقاء ذاته أي بدون مساعدة من الدماغ، ولكن في الوقت ذاته، فإن الأمعاء والدماغ يتصلان ببعضهما في كثير من الأحيان، فالمعدة تنقبض في حالات ارتفاع مستوى المشاعر أو ارتفاع مستوى الإجهاد قبل أن يقوم الدماغ بمعالجة هذا الارتفاع، مما يشير إلى وجود ارتباط مستمر ما بين الجهاز الهضمي و الدماغ، وفي الواقع، يشير بعض مرضى الصداع النصفي أن وتيرة آلام الصداع لديهم قد تحسنت بعد إجرائهم لعملية استئصال المرارة، وعلى الرغم من أنه لا ينصح بإجراء جراحة لاستئصال المرارة لتحسين الصداع، إلا أن هذه الحقائق تطرح تساؤلاً محقاً حول مدى تأثير تعزيز صحة الجهاز الهضمي على الصداع النصفي .

إن ما يعزز النظرة السابقة هو أن الجهاز الهضمي هو المسؤول الأهم عن انتاج (السيروتونين)، وهو ناقل عصبي يلعب دوراً في الحالة المزاجية للإنسان، كما أنه يلعب دوراً مهماً في الصداع النصفي، حيث يعتقد أن زيادة مستويات (السيروتونين) له دور في حدوث الصداع النصفي، علماً أن أدوية (Triptan) وهي أهم الأدوية التي تقوم بكبح آلام الصداع النصفي تعمل على (السيروتونين)، حيث يقوم هذا الدواء بالعمل بشكل انتقائي على مجموعة معينة من مستقبلات السيروتونين، مما يؤدي إلى تقلص الاوعية الدموية المتواجدة في غلاف الدماغ، وبالتالي إلى تخفيف آلام الصداع النصفي، وبنظرة أكثر تفحصاً للقناة الهضمية نجد أنه يوجد فيها حوالي سبعة مستقبلات مختلفة تستجيب للسيروتونين، إن جميع ما تقدم يؤكد على وجود صلة ما بين آلام الجهاز الهضمي وآلام الصداع النصفي، خاصة وأن الكثير ممن يعانون من الصداع النصفي أشاروا إلى أنهم عانوا من مشاكل في الجهاز الهضمي قبل سنوات من بدء نوبات الصداع النصفي.

للوصول إلى نتائج أكثر اقناعاً حول العلاقة ما بين الجهاز الهضمي والصداع النصفي، تم إجراء دراسة حول مدى انتشار الحساسية الغذائية لدى 500 مريضاً يعانون من الصداع النصفي، وجاءت نتائج هذه الفحوصات مذهلة، حيث تبين أن 60% منهم يعاني حساسية تجاه منتجات الألبان، ونحو 50% يعاني حساسية تجاه الحبوب، و %35 يعاني حساسية تجاه البيض، مما يشير أيضاً إلى وجود ارتباط ما بين الجهاز الهضمي والصداع النصفي.

أخيراً، بربط المعطيات المذكورة سابقاً، يمكننا أن نقول بأن الجهاز الهضمي السليم ينتج كمية كافية من الناقلات العصبية التي تمنع حصول آلام الجهاز الهضمي، وتمنع آلام الصداع النصفي أيضاً، ويتوضح الرابط ما بين الجهاز الهضمي والدماغ بالقول بأن الجهاز الهضمي القوي والصحي ينتج دماغاً صحياً قوياً وسليماً.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير