أخبار العلوم

السيرة الذاتية للمواد

 بقلم: أ.د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر

السيرة الذاتية (بيان الحالة) جاءت بعد عراك فكرى شديد تمخض عن سلسلة طويلة من الانجازات التى شابها بعض الاخفاقات فى تحديد ماهية الأشياء. وثيقة السيرة الذاتية للشئ هى موجز يصف هذا الشئ فى بنود محددة تعطينا صورة مختصرة عما نبحث عنه. فكما أن للشخص سيرة ذاتية نتعرف فيها على خبرات هذا الشخص ومن ثم امكانية الاستفاده منه وتوظيف ما يتقنه من أعمال نحو انجازات أفضل وأشمل، فالمواد هى الأخرى تمتلك سيرة ذاتية تجبرك على الرجوع اليها عند التعامل مع هذه المواد.

مواصفات السيرة الذاتية للمواد

للكثير من المواد أسم علمى وأخر تجارى لابد من صياغته فى صدارة السيرة الذاتية للمواد ولكل منها دلالة لايعلمها غير المتخصصين وأهل الخبرة. فوثيقة المواد هى عنوان حقيقتها ونبراث وجودها فمنها وبها تستطيع التعرف على الملامح التاريخية للمواد كمكان المنشأ وكيف نشأت أو صنعت. كما تحتوى وثيقة المواد على الصفات والخصائص الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية للمواد. توافر هذه الوثيقة للمواد بيد كل من الطالب والعالم والصانع يعد ضرورة لايمكن الاستغناء عنها لأنها تعتبر بمثابة المصباح الذى يضئ لنا كهوف وسهول وجبال مسيرة المواد. وان فرض جدلا أنك غير قادر على امتلاك هذا المصباح، فلن تزداد الا تخبطا فى ظلمات الجهل التى لن تخرج منها الا مصابا بل وأكثر من ذلك فقد تفقد حياتك!! نعم قد تفقد حياتك؟. ولم لا وهذا حمض الكبريتيك المركز الذى ان ذهبت لتخفيفه والحصول على الحمض المخفف منه دون أن يكون لديك السيرة الذاتية له لتعرضت لخطورة شديدة ان لم تكن تعرف أنه يجب عليك اضافة كمية معينة من الحمض المركز الى الماء للحصول على الحمض المخفف وأن العكس غير صحيح. علاوة على أنك ان لم تكن تعرف ماهو ماء النار أو حمض النيتريك لما علمت أن هذا الماء له القدرة على اذابة الكثير من المعادن كالفضة، ولن يرقى الى علمك أن الذهب لايذوب فيه ولكنه يذوب فى الماء الملكى. سيرة ذاتية لماء النار والماء الملكى وثقها الخيميائى العظيم جابر بن حيان من خلال مزج الشب أو زيت الزاج، أو الاثنين معاً وذلك مع ملح النتر، ثم بالتقطير، ثم بجمع البخار وتكثيفه تحصل على ماء النار.

تطور السيرة الذاتية للمواد

مابين الماضى والحاضر فروق كثيرة ومتعددة  امتزجت بتراث الخبرات المتتالية والمتزايدة لتأتى بتطور وثيقة السيرة الذاتية للمواد. فمع كل تطور تكنولوجى ومزيد من المعلومات تكون الوثيقة كاشفة لأدق تفاصيل خصائص المواد، لدرجة أننا وجدنا فى الوثيقة نقطة انصهار  وكذلك غليان المادة بالاضافة الى كثافتها ورائحتها ومظهرها. ولم ينتهى الأمر عند هذا الحد بل وجدنا الخصائص الحرارية والشكلية للمادة. وكلما زاد التطور زاد التطوير والتحديث فى السيرة الذاتية للمواد، وأصبحت كافة المعلومات الخاصة بالمواد فى متناول من يرغب فى التعامل معها صناعيا أو بيئيا أو حتى بيولوجيا.

استراتيجية الصناعة والبحث العلمى

لايمكن للاستراتيجية الصناعية والعلمية أن تبتعد كثيرا عن وثيقة السيرة الذاتية للمواد لكونها حجر الزاوية أو النواة القائم عليها تطوير الكيان الصناعى والعلمى. فالوثيقة العلمية لمشروع علمى معين تعتمد اعتمادا كليا وجزئيا على الرجوع الى السيرة الذاتية للمواد التى تحت الدراسة، وكأنها مصدر مهم لابد من وجوده فى المدى القصير لوضع خطط أو طرق لتحقيق هدف معين على المدى البعيد. هبوط اضطرارى على سطح السيرة الذاتية للمواد لابد من اللجوء اليه لبناء مجموعة السياسات والأساليب والخطط والمناهج المتبعة من أجل تحقيق الأهداف المنشودة في صناعة ما فى أقل وقت ممكن وبأقل جهد مبذول. فصناعة الحفازات المسيطرة على الكثير من العمليات الحفزية لابد لها من الرجوع وقبل كل شئ الى السيرة الذاتية للمواد التى سوف تشترك فى انتاج الحفازات علاوة على السيرة الذاتية للمواد المراد تحفيزها. وثيقة السيرة الذاتية للمواد ونمو الفكرة العلمية وبناء المنتج الصناعى كيانات لايمكن افتراقها على الاطلاق.

السيرة الذاتية للمواد وعلوم المستقبل

 علوم المستقبل كعلم النانو من العلوم التى لاتستطيع الاستغناء عن السيرة الذاتية للمواد فبها ومنها يغوص الباحث العلمى فى بحور هذه العلوم، فهى مؤشره نحو الوصول الى الخواص المتميزة والغير تقليدية للمواد. فنجد جداول وأنهار السير الذاتية للمواد تلقى بمياهها فى محيط  موسوعة حرة لهذه السير الذاتية لينهل منها كل علم من علوم المستقبل والصدارة. ويبقى السؤال قائما، ماذا لو لم تكن هذه الموسوعة الحرة متوفرة لدى الباحثين؟ بكل بساطة، ما كنا وصلنا الى ما نحن فيه من تطور وكان استهلاك المزيد من الوقت والجهد والمال فى سبيل تجميع المعلومات المثبتة على وجه الدقة هو مصيرنا المحتوم. ولكن السيرة الذاتية للمواد تجعلك تبدأ من حيث انتهى الأخرون على سند حقيقى من الواقع والقانون المنظم لهذه المواد.

 

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz