أخبار العلوم

التناحر الالكترونى والأبنية التساهمية

بقلم: أ.د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر

   تبحث الأشياء كل الأشياء عما يناسبها ويتناسب مع قدراتها، وأهم ما تصبو اليه كل الأشياء حية كانت أم غير حية هو تكوينها وهندستها البنائية. فالانسان يشيد مكان مسكنه من الكوخ الى القصر محاولا أن يصل الى أفضل شكل معمارى يضفى عليه الراحة والاستقرار كى ينطلق وبقوة نحو ركب التطور محافظا على حضارته التى يعتز بها جيلا بعد جيل. هكذا هى الذرات التى هى وحدة بناء المواد تسعى دائما الى ترتيب نفسها بطرق معينة ومن خلال روابط محددة بهدف الاتحاد والتماسك لتشييد أكواخها وقصورها العظيمة من جزيئات المواد. ترتب الذرات ترتيبا فراغيا بالنسبة لبعضها البعض فى الجزئ بابعاد وزوايا مختلفة ومتعددة تفرز هياكل متناهية الدقة لها صفات وخواص فيزيائية وكيميائية وحيوية مميزة. هياكل هندسية كثيرة للمواد الأيونية والتساهمية والمختلطة جاءت من خلال الشكل الفراغى لها، شكلا فراغيا حددت ملامحه قوى التناحر بين الكترونات الذرات المتحدة داخل االمدار الجزيئى المحتوى على الكثافة الالكترونية. تناحر الكترونى أحكم قبضته على قيم الزوايا بين الروابط المتكونة فى جزئ المادة ومن ثم هندسة تشييد المادة. ومن هنا سوف ننطلق بمركبتنا نحو جزيئات المركبات التساهمية، لنجلس على بساط سحرها ونتأمل فى جمال وروعة بلوراتها لا لشئ غير البحث وراء القوة الجبارة التى أثارة براكينها فجعلتها تلفظ ما بداخلها من جزيئات هندسية مختلفة.

التناحر الالكترونى   

قد يكون التناحر من أجل سلطة أو مال أو الى غير ذلك، وفى هذا النوع من التناجر قد تسفك الدماء وتهتك الأعراض فى صراع قد يبدو حقا ولكن باطنه يكاد ينفجر بكل ما فيه من باطل، وكأنه حق أريد به باطل. تناحر الظلم والظلمات الذى يهدم القصور ويجفف البحار ويحرق الأشجار بما عليها من طيور، تناحر ظالم قابله على الجانب الأخر تناحر البناء والتنمية كما هو الحال فى التناحر الالكترونى الساعى الى بناء الجزئ ومن ثم بللورات المواد ذات الأشكال المختلفة والصفات والخواص المتخصصة. تناحر الكترونى ينشأ من قوى التنافر الكائنة بين الكترونات الترابط بين الذرات اعتمادا على التشابه فى الشحنة السالبة لكل الكترون. تناحر فرض سلطته على قيم الزوايا الموجودة بين روابط الجزئ المولود من رحم عملية تماسك واتحاد الذرات، انه تناحر حميد ومحمود يلقى بظلاله الفنية على الشكل العام لهندسة بلورة جزئ المادة. ولكن يبقى السؤال حائرا، هل التناحر بين الالكترونات الحرة على الذرة المركزية فى الجزئ أم بين الالكترونات المرتبطة والمقيدة فى الروابط المتكونة، أم بين كل هذه الالكترونات سواء كانت حرة أو مرتبطة؟. سوف يتضح كل هذا فى ابداعات التناحر الالكترونى ومن خلال نظرية تنافر أزواج الكترونات التكافؤ.

ابداعات التناحر الالكترونى

تتجلى ابداعات التناحر الالكترونى فى البنيان التساهمى للمركبات التساهمية.  ابداعات ظهرت فى القصور التساهمية الرائعة التى  امتلكت أبدع وأجمل صور التشييد المعمارى. ابداعات تجلى بريقها فى علم هندسة الأبينية التساهمية أو المركبات التساهمية الذى جاءنا من بطون أمهات علم الكيمياء الفراغية القائم على فراغية الشكل البنائى المستند على ابداعات التناحر الالكترونى. نظرية تنافر أزواج الكترونات التكافؤ أدلت بدلوها لتوضح وتفسر حقيقة ابداعات الأشكال المختلفة للمركبات التساهمية.  جاءت هذه النظرية لتنص على  ” أن أزواج الالكترونات ( الحرة والمرتبطة) المتواجدة فى أوربيتالات الذرة المركزية للجزئ التساهمى تتوزع فى الفراغ حول هذه الذرة بحيث يكون التنافر بينها  أقل مايمكن لتكوين الشكل الأكثر ثباتا للجزئ ” . وبناء عليه ظهرت سمفونية الاشكال المختلفة للمركبات التساهمية والتى منها الشكل الرباعى الأوجة لجزئ غاز الميثان والهرم الثلاثى القاعدة  لغاز الأمونيا والمثلث المستوى لثلاثى فلوريد البورون. اختلفت الأشكال الفراغية للمركبات التساهمية طبقا لاختلاف الزويا بين الروابط الموجودة بداخلها اعتمادا على قوى التنافر بين أزواج الكتروناتها سواء كانت حرة او مرتبطة.

مفتاح الابداع الهندسى للأبنية التساهمية

تعددت الأشكال الهندسية للمركبات التساهمية بقوة قانون التنافر بين أزواج الالكترونات حول الذرة المركزية للشكل الهندسى. ولكن ماهى الأزواج الالكترونية المفتاحية للابداع الهندسى فى الأبنية التساهمية؟ انها أزواج الالكترونات الحرة المتواجدة فى مدارات الزرة المركزية. فكما أوضحت النظرية سالفة الذكر أن أزواج الالكترونات الحرة هى التى تتحكم فى قيم الزوايا بين الروابط فى الجزئ التساهمى لأن زوج الالكترونات الحر يكون مرتبطا من جهة بنواة الذرة الأم أو  المركزية للجزئ ، ويكون منتشرا فراغيا من الجهة الأخرى. فى حين أن الزوج الالكترونى المرتبط داخل الرابطة التساهمية يكون مرتبا من جهتيه بنواتى الذراتى المرتبطين ومن ثم يكون تأثيره اقل من الزوج الالكترونى الحر. ومن هذا المنطلق، سوف تؤدى الزيادة فى عدد أزواج الالكترونات الحرة حول  الذرة المركزية للجزئ الى زيادة قوى التنافر بينها ، ويكون ذلك على حساب نقص مقدار الزوايا بين الروابط التساهمية فى الجزئ. هذا يؤكد على أن عدد أزواج الالكترونات الحرة حول الذرة المركزية للجزئى التساهمى يتناسب طرديا مع قوى التنافر بينها وعكسيا مع قيم الزوايا بين الروابط الموجودة بهذا الجزئ. تناحر الكترونى أو تنافر الكترونى  اختلفت قوته باختلاف الأزواج الالكترونية الحرة والمرتبط فكانت كالتالى: قوة التنافر بين زوج حر وزوج أخر حر تكون أكبر من هذه القوة بين زوج حر وزوج أخر مرتبط والتى تكون بدورها اكبر من قوة التنافر بين زوج مرتبط وزوج اخر مرتبط.

 

 

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz