بقلم أ.د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

المركز القومى للبحوث- القاهرة- مصر

التضحية ونيران حب الذات فى صراع لاينتهى بدوام الحياة، صراع غالبا ما تنتصر فيه الأنا وحبها لنفسها وتغليب كل أو بعض مصالحها على مصالح الأخرين. وفى أحيانا قد اتتعدى أصابع اليد الواحدة، تعلو فيها  أمواج التضحية وتندثر الذاتية بكل أحقادها وشرورها. فالتضحية هى بذل الغالى والنفيس من أجل هدف ما يضفى بدوره العظمة والعزة للتضحية عندما تكون من أجل مصلحة عامة أو فداء للوطن أو تغليبا وتنفيذا لأمر من أوامر الله عز وجل. وللتضحية نواميس وآليات من المفترض أن لا يختلف عليها أى أحد كان ولكنها وبكل أسف قد يختلف عليها باختلاف الأشخاص. وتتجلى عظمة التضحية فى أروع صورها عندما جاءنا القرأن الكريم بقوله عز وجل” وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ” سورة الحشر-الأية 9″.

صراع محمود بين حب الذات والتضحية عندما يكون لصالح التضحية والعكس صحيح فى كل الدروب والأزمنة. وفى الصراع المحمود وتغليب جانب التضحية كانت رؤية عالم النفس «إدلر» الذى رأى أن «التضحية سلوك ينبع من أسلوب الحياة، حيث تبلغ الذات فيه أعلى مراتب الإنسانية، لتكون ذاتا فعالة خلاقة لأن تتخطى عقبات الحياة وظروفها». ومن هذة الرؤية يمكننا أن نقول ” أن التضحية الكيميائية هى سلوك ومنحى ضرورى من أساليب الحياة الصناعية والاقتصادية، حيث يبلغ العنصر الكيميائى فيه أعلى مراتب التضحية والتى قد تصل الى عدم وجوده وانعدامه حرصا منه على بقاء عنصر أخر”. تضحية ذاتية فعالة وخلاقة تعزز من حماية وبقاء عنصر ما ليتخطى عقاب الحياة وظروفها كما هو الحال فى القطب المضحى من أجل قطب أخر وجد فى بيئة عدوانية ألا وهى بيئة الصدأ أو التآكل.

القطب المضحى

هو هذا الفلز الذى يضحى بحياته من أجل فلز أخر، فلز يتأكل بمرور الزمن عند توصيله بفلز أخر أقل منه نشاطا وجبت حمايته من الصدأ نظرا لقيمته الاقتصادية. قطب يضحى بنفسه، لأن قدره فرض عليه أن يكون أكثر نشاطا فكأنه الأب الذى أكتملت صفاته بالبذل والعطاء وتبوء منبر الأنود أو المصعد الذى تتصاعد منه الألكترونات نحو الفلز المراد حمايته والذى تمركز فى وضع الكاثود أو المهبط الذى هبطت عليه الالكترونات.  قطب مضحى أو غطاء أنودى كان هو حجر الزاوية فى الحماية الأنودية للكثير من الفلزات من الهجوم المغولى أو الطغيان التتارى لطوفان الصدأ.

 التطبيقات التكنولوجية للقطب المضحى

دائما وأبدا ما تكون التضحية من أجل الحفاظ على الأخرين، فرجل الأمن قد يضحى بحياته من أجل أمن الأخرين والأب قد يضحى بكل شئ من أجل رفعة وأمن وحياة أولاده. وهاهو القطب المضحى كقطب الخارصين أو الماغنسيوم الذى يضحى بنفسه من أجل حماية الحديد الذى هو عمود خيمة الكثير من الصناعات الاستراتيجية. فالمواسير الحديدية المدفونة فى التربة وهياكل السفن دائمة الاتصال بالماء المالح والتى تكون أكثر تعاركا مع الصدأ ومن ثم التآكل والانهيار، لابد من حمايتها من خلال جعلها كاثودا بتوصيلها بفلز أكثر نشاطا من الحديد مثل الخارصين أو الماغنسيوم الذى يعمل كأنود فى انطلاق واضح لركب الحماية الأنودية.

 

 

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz