التصنيفات: الصحة الجيدة

الأورثوروكسيا: عندما يتحول السعي لتناول طعام صحي إلى هاجس

بعد معاناة استمرت لأكثر من ثلاثة سنوات مع آلام البطن المزمنة، ومشاكل الجهاز الهضمي الذي ترك (اشلي بيلي) ابنة الـ 28 عاماً، والتي تعمل في مجال تطوير البرمجيات في بولدر بولاية كولورادو، في حالة من الاكتئاب، قررت البحث عما إذا كان “الأكل النظيف” يمكن أن يساعدها بأن تشعر بالقليل من التحسن، وبعد أن علمت أن بعض الأشخاص لا يمكنهم تحمل منتجات الألبان، قررت الامتناع عن تناول الحليب والجبن، وهذا جعلها في الواقع تشعر بالتحسن  والارتياح بعد أن اختفت حرقة المعدة التي كانت تعاني منها.

ولكن ما بدأ باعتباره محاولة للتخلص من بعض الأعراض المزعجة، سرعان ما تحول إلى هاجس يشغل تفكير (اشلي)، حيث أصبحت تشعر بالقلق حول كل شيء تأكله، لدرجة أصبح فيها تناول الطعام في الخارج نوعاً من العقاب بالنسبة لها، لأنها لم تكن تستطيع السيطرة على كيفية إعداد الطعام، أو معرفة إن كانت المكونات المستخدمة عضوية أم لا، وهذا ما جعلها تنهار نفسياً وجسدياً، حيث أدى ذلك لإصابتها بإضطرابات غذائية.

إذا ما اتبع شخص ما نمط معين من الأكل، كاتباع الحميات النباتية، التي تعتمد على المنتجات العضوية، فإن ذلك يتطلب منه الإنتباه والإلتزام الشديدين من أجل الالتزام بالحمية، وهذا ما جعل خبراء الصحة العقلية يعبرون عن قلقهم تجاه الأشخاص الذين يتحكمون بشدة بنظامهم الغذائي، حيث أن اتباع مثل هذا النظام الغذائي الصارم سرعان ما سيتطور إلى حالة من التطرف أو الهوس،  وهذا قد يهدد صحتهم وحتى علاقاتهم بالأشخاص الآخرين من حولهم.

إنطلاقاً من هذا المبدأ، تم إطلاق تسمية “الأورثوريكسيا” على الأشخاص الذين يتم تشخيصهم بهذه الحالة، أي الاضطراب في تناول الطعام، والمرتبط برغبة الأشخاص في تناول الأغذية النظيفة أو الصحية فقط، كما أن الأشخاص الذين يتم تشخيصهم بأنهم يعانون من هذه الحالة، عادةً ما يكونون ملتزمين أكثر من اللازم بتحضير الأغذية الصحية، ويتجنبون تماماً تناول أي نوع من المأكولات التي قد يشكون بكونها “غير صحية”، ويكونون على أتم الاستعداد لإنفاق الكثير من الوقت والمال للبحث عن “أكثر الأطعمة نقاءً”.

ويوضح (توماس دن)، وهو بروفيسور في علم النفس في جامعة شمال كولورادو والمؤلف المشارك في هذا البحث الذي تم نشره مؤخراً في مجلة علم النفس الجسدي، أن هذه الحالة تختلف عن رغبة الأشخاص بالمحافظة على لياقتهم الجسدية، حيث يكون فيها الأشخاص في الواقع يحاولون أن يحصلوا على حياة صحية بقدر الإمكان.

على الرغم من أن هذه الحالة ما تزال قيد الدراسة، ولا أحد يعلم مدى انتشارها، إلّا أنه وبحسب علماء النفس، فإن الانطوائية، والإضطراب بالتقيد بتناول الأغذية، هو من أقرب الأعراض التي قد تدل على “الاورثوروكسيا”، ولكن لا بد من الإنتباه إلى أنه يوجد خط فاصل بين الحرص حول ما يأكله الشخص وبين الإصابة بالهوس حول الموضوع.

تبعاً (لسوندرا كرونبرج)، مديرة الغذاء في المنظمة التعاونية لعلاج الاضطرابات الغذائية، فإن تشخيص حالة الإصابة “بالاورثوروكسيا” لدى الأشخاص، يعتمد على مدى تأثير تقيد الشخص بالنظام الغذائي على نوعية حياته وعلاقاته الاجتماعية والوظيفية، حيث يصبح إلتزام الأشخاص المصابين “الاورثوروكسيا” بمبدأهم أشبه بالتعصب الديني، ويتحول التقيد بالأطعمة الصحية إلى موقف بدلاً من أن يكون مجرد تفضيل، ويصبح الشخص غير قادراعلى تناول الطعام في الخارج مع أصدقائه، ولا يمكنه الذهاب إلى الحفلات من دون إحضار الطعام الخاص به أينما ذهب.

بينما قد يكون الأشخاص الذين يهتمون بتناول الأطعمة الصحية يفضلون الأطعمة الطازجة، ولكنهم لن ينهاروا إذا ما تناولوا حفنة من رقائق التورتيا في حفلة ما على سبيل المثال .

إذا ما خرجت رغبة الشخص في تناول الاغذية الصحية النظيفة عن السيطرة، فقد يحتاج إلى مراجعة طبيب استشاري أو أخصائي تغذية، وفيما يلي أبرز السلوكيات الغذائية السلبية التي تستدعي الحاجة إلى استشارة طبية:

  • تناول غذاء غير متكامل بسبب المخاوف من كون بقية الأطعمة “غير نظيفة”.
  • انشغال الشخص بالتفكير أن عدم نظافة الأغذية أو الأطعمة غير الصحية سيؤثر على صحته العاطفية والبدنية.
  • تجنب تناول الأطعمة الغير صحية بسبب احتوائها على مكونات مثل الدهون والمواد الحافظة والمنتجات الحيوانية.
  • قضاء معظم الوقت في إعداد وقراءة الأبحاث التي تتحدث عن الأغذية “النقية”.
  • إنفاق الكثير من الأموال للحصول على “الأطعمة النقية”.
  • الشعور بالذنب عند تناول أطعمة يعتقد بأنها غير نظيفة أو غير نقية.
  • التعصب تجاه المعتقدات التي تخص تناول الأطعمة الصحية.

إذا كنت من الأشخاص الذين لديهم أياً من هذه الأعراض، حاول أولاً الحصول على المساعدة الطبية، حيث أن استعادة التوازن ليس بالأمر السهل، ولكن بعض هذه النصائح قد تساعد في التخفيف من المشاكل التي قد تتعرض لها جرّاء هذه الحالة:

  • التوقف عن محاولة وصف الأطعمة بأنها “جيدة” أو “سيئة”، وقم بزيارة خبير التغذية لتتعرف تماماً على طبيعة كل نوع من المأكولات لتفادي النصائح الصحية المتضاربة من حولك.
  • السعي إلى إيجاد حل وسطي، فحتى ولو كنت عالقاً في مكان لا يوجد فيه “أي شيء للأكل”، حاول إيجاد وسيلة لتعتني بنفسك، حتى ولو كان ذلك يعني تناول سلطة سريعة التحضير.
  • قم بزيارة طبيب نفسي للتعامل مع المشاكل العاطفية التي قد تنتج عن اضطرابات الطعام، مثل سوء تقدير الذات أو الشعور بالحاجة للسيطرة على النفس.
شارك
نشر المقال:
فريق التحرير