التصنيفات: غير مصنف

اكتشاف سبب وراثي وراء مرض تضخم القلب

الأكبر لا يكون الأفضل دائماً، حتى عندما يتعلق الأمر بأجهزة الجسم الأكثر حيوية، حيث يمكن لتضخم عضلة القلب أو حدوث سماكة في جدرانها أن يجبر القلب على بذل جهد أكبر للعمل على ضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، وهذا يؤدي إلى إضعاف الجهاز حتى يتوقف عن العمل في نهاية المطاف.

على الرغم من الآثار الكارثية لتضخم الأجهزة، فإن الباحثين لم يستطيعوا الكشف عن دوائر الإشارات التي تتحكم بالنمو إلّا مؤخراً، ويعود الفضل بذلك في معظمه إلى جينات ذبابة الفاكهة المسماة ذبابة الفاكهة سوداء البطن، حيث قام علماء الأحياء على مر السنين بحذف وقمع عشرات الآلاف من الجينات في جينوم الذبابة، واستطاعوا بنجاح تسمية كل واحدة من تلك الجينات تبعاً للخصائص الغير عادية التي أظهرتها في الطفرات الناتجة، حيث أدى حذف أحد الجينات التي تدعى باسم جين (hippo) إلى إنتاج ذباب يمتلك أجهزة كبيرة بشكل غير عادي، وبالمثل، فإن إعطاب جين يسمى (Yorkie) أدى إلى إنتاج ذباب يمتلك لأجهزة صغيرة للغاية.

ولكن مؤخراً، أظهر باحثو جامعة ديوك أن هناك جين آخر يعرف باسم (Raf)، يمكن أن يكون بمثابة نوع من مفاتيح التشغيل لتنشيط عمل الجين (Yorkie) مما يجعل قلوب الذبابة تنمو وتكبر، وقد اكتشف الباحثون بأن هذه التضخم يحدث من خلال تضخم حجم خلايا القلب التي تكون موجودةً بالفعل، وليس عن طريق إضافة خلايا جديدة إليه.

إن الجينات البشرية متشابهة مع جينات ذبابة الفاكهة لدرجة تجعل من الدراسة التي يتم إجراؤها على الذبابة تكفي لإعطاء نظرة ثاقبة عن أحد أخطر الأمراض التي تصيب القلب البشر والتي تسمى بتضخم القلب، وهي حالة تنجم عن ارتفاع ضغط الدم أو نتيجة لبعض الحالات الوراثية مثل متلازمة نونان، وقد تم نشر هذه الدراسة في 3 شباط الجاري في مجلة (Science Signaling).

يشير (ماثيو ج. وولف)، وهو الدكتور المؤلف للدراسة وأستاذ مساعد في الطب في كلية الطب بجامعة ديوك، بأن هذه النتائج يمكن أن تساعد الباحثين على تكوين فهم أفضل لكيفية استجابة القلب البشري للمرض، ولكن يبقى السؤال، ما الذي يجعل خلايا عضلة قلب تختار بأن تضاعف من كتلتها بدلاً من أن تتكاثر وتنتج خلايا جديدة؟ وإذا ما تمكن العلماء من حل هذا اللغز، عندها قد يكون بإمكانهم إيجاد طرقة للتلاعب بالنظام وجعله يعمل على مساعدة القلب على الشفاء بعد الإصابة، فعندما يتضخم القلب، تصبح جدرانه ثخينة، وينخفض حجم الفراغ في داخله، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من قدرة القلب على ضخ الدم، وإذا ما ترك دون علاج، يمكن للتضخم أن يسبب فشل القلب، وهذا عادةً ما يكون قاتلاً.

قام (وولف) باختبار هذه الحالة من خلال تفعيل جين (Yorkie) في ذباب الفاكهة، فخلافاً لقلب الإنسان الذي يتكون من مجموعة معقدة من التجهيزات التي تضم أربع تجويفات، وأربعة صمامات، والعديد من الأوعية، فإن قلب ذبابة الفاكهة هو عبارة عن أنبوب خطي يتكون من طبقة واحدة من الخلايا لا يتعدى عددها 104 خلية قلبية، ومن خلال هذه التجربة كان (وولف) وزملاؤه قادرين على تصوير تضخم القلب النابض الصغير من خلال طريقة تسمى التصوير المقطعي البصري المتماسك (نوع من التصوير يشبه التخطيط بالموجات فوق الصوتية الذي يستخدم لتشخيص قصور القلب لدى البشر).

باستخدام هذه الطريقة، تمكّن الباحثون من ملاحظة أن جدران القلب لدى الذباب الذي حدثت فيه الطفرة كانت أكثر سماكةً من المعتاد، وهذا أدى بدوره إلى ترك مجال صغير جداً في الفراغ المركزي من القلب ليتمكن من خلاله من ضخ الدم، كما أن عضلات قلب الذباب أصبحت أيضاً أضعف وأقصر عمراً من الذباب العادي، وبعد إجراء التصوير قام الأطباء بإخراج قلوب الذباب –التي يصل حجم كل واحدة منهم لأصغر من رأس الدبوس- وأحصوا عدد الخلايا لتحديد ما إذا كان نمو القلب ناتجاً عن تضاعف عدد الخلايا أو تضخم حجمها، ولكن الأبحاث بينت أن أعداد الخلايا بقيت ذاتها، مما يشير إلى أن الخلايا      نمت لتصبح أكبر حجماً.

قرر (وولف) تهجين ذبابة فاكهة تحتوي على طفرات من جيني (Yorkie) و(Raf) ليرى كيف يمكن لهذين الجينين أن يرتبطا سوياً، فقام بتهجين ذبابه ذات جدران قلب رقيقة نتيجةً لتأثير الحذف الوراثي لجين (Yorkie)، مع ذبابه ذات جدران قلب سميكة ناجمة عن تنشيط الجين (Raf)، وبالنظر إلى النسل الناتج عن هذه الذبابات، كان (وولف) وفريقه قادرين على تحديد ما إذا كان هذان الجينان متصلان بمسار واحد للإشارة، أو إذا ما كانا يتصرفان بشكل مستقل في توصيل الأوامر إلى القلب فيما يخص موضوع تكبيره أو تصغيره، ولدهشتهم، بينت النتائج أن الجينات ألغت بعضها البعض، مما أسفر عن ظهور ذباب بقلوب ذات حجم طبيعي تماماً، وبعبارة أخرى، لم يتمكن جين (Raf) من تنشيط العضو لينمو حجمه أكبر بدون وجود جين (Yorkie) ليقوم بتشغيله.

تبعاً لـ (وولف) فإن هدفهم المقبل سيكون معرفة ما إذا كانت هذا الاتصالات سيثبت صحتها أيضاً في نماذج أخرى من الأمراض التي تصيب البشر، حيث أنه قام بالفعل بتجهيز عدد من الفئران المعدلة وراثياً للقيام بهذه التجربة، وهو يخطط للتلاعب بكل من جين (Yorkie) و(Raf) فيها لقياس تأثيراتها على قلب الفئران.

في النهاية يتابع (وولف) بالقول بأن هدف الباحثين الأساسي هو محاولة فهم كيفية تأثير هذا المسار على تضخم القلب، ليس فقط في إطار شروط معينة مثل متلازمة نونان، ولكن أيضاً في سياق حالات أكثر شمولية مثل ارتفاع ضغط الدم، كما أنهم يأملون بالوصول إلى طريقة جديدة لعلاج هذا المرض.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير