التصنيفات: الصحة الجيدة

إجهاد الطفولة قد يؤثر في الإصابة بالأمراض المزمنة عند الكبر

قد لا نكون قادرين على تذكر جميع الأحداث المؤلمة التي مرت معنا في طفولتنا، لكن الاضطرابات العاطفية التي عانينا منها في طفولتنا – سواء أكان ذلك جراء فقدان أحد أفراد الأسرة، أو الإجهاد المزمن الناجم عن انعدام الاستقرار الاقتصادي، أو التفاعلات الاجتماعية التي تؤدي إلى ذرف الدموع أو الإحساس بالقلق – قد يكون لها أثر مديد على صحتنا.

في الواقع، أشارت دراسة جديدة تم نشرها في مجلة (the American College of Cardiology) إلى أن الاضطراب العاطفي في مرحلة الطفولة – حتى في غياب التوتر العالي خلال سنوات الكبر – يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب واضطرابات التمثيل الغذائي مثل مرض السكري في سن البلوغ.

تبعاً لـ(آشلي وينينغ)، وهي مؤلفة الدراسة وزميلة ما بعد الدكتوراه في مجال البحوث في العلوم الاجتماعية والسلوكية في كلية TH تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد، فإن الباحثين كانوا يعلمون بأن مرحلة الطفولة مهمة للغاية لتأسيس مسارات سليمة بالنسبة للصحة والحياة النفسية.

لتقييم العلاقة بين الإجهاد في مرحلة الطفولة وخطر الإصابة بالأمراض، قامت (وينينغ) وزملاؤها بتحليل بيانات تعود لدراسة طويلة الأمد يعود تاريخها لعام 1958، وهي دراسة قامت بتوثيق النظام الغذائي والعادات الصحية والعاطفية لآلاف الأطفال البريطانيين الذين ولدوا خلال نفس الأسبوع من ذلك العام.

بمجرد دخلول الأطفال إلى المدارس، تحولت الصفوف الدراسية لتصبح مختبرات للمراقبة، وقد ساهم المعلمون بجمع الكثير من المعلومات – تقييم العلامات والأعراض التي تشير لتعرض الطفل للضغوط أو التوتر- حيث كان المعلمون يجيبون على أسئلة مثل “هل كان هذا الطفل يبكي أو يبدو حزيناً؟”.

قام المعلمون بتقييم كل طفل في سن الـ7 و 11 ومرة أخرى في سن الـ16، وبعد ذلك، وعندما أصبح المشاركون كباراً بما فيه الكفاية، بدؤوا يجيبون عن الاستبيانات التي تسأل عن مقدار تعرضهم للإجهاد في حياتهم بأنفسهم في سن 23، 33، و 42.

عندما بلغ المشاركون سن الـ45، خضعوا لتقييم طبي حيوي لقياس علاماتهم في مجال الصحة الأيضية وصحة القلب والأوعية الدموية – وكذلك الوظائف المناعية.

باستخدام هذه البيانات التي تم أخذها من 6714 مشاركاً، قامت (وينيغ) وزملاؤها بتحليل العلاقة بين التعرض للتوتر وخطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، وكانت النتائج غير مفاجئة، فقد تبين بأن أولئك الذين كانوا يعانون من التوتر المستمر – سواء في  مرحلة الطفولة أو البلوغ – كانوا هم الأعلى إحتمالاً للإصابة بالأمراض.

لكن الأمر المفاجئ الذي أظهرته الدراسة، هو أن البالغين الذين كان لديهم مستويات ضعيفة من التوتر أثناء فترة البلوغ، كانوا أيضاً معرضين للإصابة بالأمراض المزمنة أكثر من غيرهم إذا ما كانوا قد شهدوا مستويات عالية من التوتر خلال مرحلة طفولتهم.

أشار (أريك براذر)، وهو طبيب نفساني في قسم الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إلى أن الدراسة كانت مثيرة حقاً للاهتمام، وذلك لأنها تبين بأن التجارب الحياتية المبكرة يمكن أن تكون مؤشراً مهماً لخطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وعلى الرغم من أن الدراسة تمكنت من قياس العلاقة فقط، وليس السببية، فإنها تتوافق مع النتائج الأخرى، كما أن العدد الكبير من الأشخاص الذين تتبعتهم هذه الدراسة لعقود عديدة تجعل نتائجها جديرة بالاهتمام.

بضيف (براذر)، الذي يدرس أيضاً الروابط بين علم النفس والمناعة، بأن الآليات التي تؤثر من خلالها الخبرات المبكرة في الحياة على الصحة معقدة وغير مفهومة بشكل كامل حتى الآن، ولكن هناك بالتأكيد أدلة متزايدة على أن هذا الأمر مرتبط ببعض الأمور البيولوجية، وبعبارة أخرى، فإنه عندما يتعرض الأشخاص للتوتر والإجهاد في وقت مبكر من حياتهم، فإن هناك تغيراً يحدث في بنيتهم البيولوجية، فمثلاً، يمكن للإجهاد أن يؤثر على كيفية تشغيل الجينات أو إيقاف تشغيلها، أو قد قد تساعد على التأسيس لبعض الآثار الفيزيولوجية الأخرى.

نهاية يمكن القول بأنه لا يزال هناك الكثير لنتعلمه، حيث يبدو بأن العقل والجسم أكثر ارتباطاً مما كنا نعتقده سابقاً بكثير.