التصنيفات: غير مصنف

أبو العلاء المعرّي .. عدو المرأة

يبدو أن عوامل كثيـرة ساهمـت في فلسفة المعرّي في الحيـاة .. ولا يمكن تجاهل عماه .. كونه من الأسباب الرئيسية لذلك .. فنراه كثير الشك ، يسيء الظن بما حوله ، ولا يثق بأحد ، كل شيء في الحياة قابلٌ للنقد والتشكيك .. وتلك النظـرة التشـاؤمية الطاغية على كثيـر من أبيــاته وعلى أسلوب حياته  ..! وتعزى تلك النظـرة التشاؤمية عند إبي العلاء لسوء الأحوال في عصـره ، ولنقصٍ كان يراه في نفسه ، وربما كره أبو العلاء الحياة الدنيا ، وتمنى لو يموت لينتقل للحياة الأخرى ، وتنتهي معاناته في الحياة ، ويتخلص من نظرات الناس له ومن حظه السيء حيث يقول :

رَبِّ مَتى أَرحَلُ عَن هَذِهِ ال *** دُنيا فَإِنّي قَد أَطَلتُ المُقام
لَم أَدرِ ما نَجمي وَلَكِنَّهُ *** في النَحسِ مُذ كانَ جَرى وَاِستَقام

لم يكن المعرّي يريد من فلسفته سوى معـرفة الحق والوصـول إليه ، فـنراه يبحث وينقّب عنه ، وكثيـرا ما كان يغيـّرآراءه أو يناقض نفسه ، فقد كانت فلسفتة متقلبة غير ثابـتة ..

فنـراه في بعض الأحيـان يدعو الناس للتخلي عن الأديان وترك التمسك بها ، وعدم الإعتراف بوجودها ويدعو للأخذ بما يقوله العقـل والعقـل فقط .. فكل ما وراء العقـل خداع .. فـ يقول :

دينٌ وكفرٌ وأنْبَاءٌ تُقَّصُ وفر *** قانٌ يَنُصُّ وتوراةٌ وإنجيلُ
في كل جيلٍ أباطيلٌ يُدانُ بها *** فهل تَفَرّ>َ يوماً بالهدى جيلُ

وفي مواضـع أخـرى يصـرخ في شـعره منادياً للتمسـك بالديـن فهو الحق المبين :

نبَذتُمُ الأَديانَ مِن خَلفِكُم *** وَلَيسَ في الحِكَمةِ أَن تُنبَذا
لا قاضِيَ المِصرِ أَطَعتُم وَلا *** الحَبرَ* وَلا القَسُّ* وَلا الموبَذا*

أما نقد المعرّي للمجتمع فـ كان كثيـر جداً ، فهو يعيب على الناس بعض أخلاقهم ولا يفرّق في النقد بين أحـد ، سواء كان عربياً أم أعجمياً .. وكان يسخر من طباع بعض الرجـال  ومن حبهم لذواتهم ، وحتى طلب الشكـر على ما قاموا به لأن عمل الخير يجب أن لا يطلب الشكـر عليه .. ويكـره من الناس من يدعو لفعل الخيـر وترك الشر وينسى نفسه فيقول :

عَلَيكَ بِفِعلِ الخَيرِ لَولَم يَكُن لَهُ *** مِنَ الفَضلِ إِلّا حُسنُهُ في المَسامِعِ

ويربط المعرّي سوء الخلق وحسنه بالدين ، ويتعجّب كيف يكون الإنسان صاحب دين ، وخلقه سيء ..! :

وَإِذا تَساوت في القَبيحِ فِعالُنا *** فَمَنِ التَّقيُّ وَأَيُّنا الزِّنديقُ؟..

ولو جئنا لنعرف رأي المعرّي بالمرأة لاستغرب كثير ، فالمعرّي يكره المرأة كرهاً كبيراً ، ونقدها في أبيات كثيـرة من شـعره ، ، كان لاذعاً وخشنا في كلامه عن المـرأة ، فقد كان يراها سبب بلاء المجتمع ونكبته ، وكما نعرف عن إبي العلاء كرهه للحياة وتمنيه لهذا العالم الفناء والموت ، وكرهه للمرأة جزء من ذلك ، لأن المرأة هي من تنجب وتكثر النسـل ، وتزيد في العالم البؤساء التعساء ، فلولاها لانتهى العالم ولتحقق ما أراد المعرّي .

وكان لا يرى المرأة إلا ظالمة ، تجيد الكيد والتملق والتلاعب بالعواطف والمشـاعر كاذبة في كل أحوالها ، حتى وصـل به الأمـر لترك إلقاء التحية على المرأة فـ يقول :

وَلا تُرجِع بِإيماءِ سَلاماً *** عَلى بيضٍ أَشَرنَ مُسَلِّماتِ
أُلاتُ الظَلمِ جِئنَ بِشَرِّ ظُلمٍ *** وَقَد واجَهنَنا مُتَظَلِّماتِ

وينتفض المعرّي صارخاً في وجه من انتظـر يوم زفافه لعروسه ، بأن عروسه ليست سوى أفعى خبيثة ، لن تنجب له سوى التعساء الأشقياء والأعداء :

عَروسُكَ أَفعى فَهَب قُربَها *** وَخَف مِن سَليلِكَ فَهُوَ الحَنَش

ويبدو أن تلك الشمس التي أشرقت بولادة ذلك الشاعر العظيم والفيلسوف الرائع ، كانت قد أزمعت على الغروب ، فقد توفي أبو العلاء المعرّي بعد أن مرض مرضاً ألزمه الفراش ، ويبدو أن أبا العلاء الذي كره الدنيا وما فيها وتمنى يوماً الموت والراحة ، قد حزن لفراقها ، وهذا حال جميع البشـر ورغبتهم بالبقاء ، فـ توفي أبو العلاء عن عمر ملؤه العلم والعطاء والإبداع وقد بلغ من العمـر ستاً وثمانين سنة 449 هـ . ودفن في معرّة النعمان وقد أوصى بأن يكتب على قبره :

هذا ما جنــاه أبي عليّ *** وما جنيتُ على أحــد 

شارك
نشر المقال:
رحمة الراوي