أخبار العلوم

ما الذي يجب أن تعرفه عن تكنولوجيا الحديد

بقلم: أ. د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

[[ المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر ]]

عصب الحياة لن يخرج عن شئ مهم تدور حوله الحياة وجودا وعدما، ان غاب تشتت الأشياء هنا وهناك دون أى قيمة أو فائده، وعاد الكون الى حيث السكون الأزلى وأصبحت الأرض التى لن تكون أرضا غير صالحة للعمران. فيا هل ترى ما هو عصب الحياة؟ انه أهم عنصر فى الكون،انه عنصر الحديد، عنصر القوة والبأس الشديد بل المنافع الكثيرة لكل الكائنات الحية والغير الحية كما جاء فى قول الله عز وجل : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

حفظ وحماية المنظومة الأرضية 

  تعمير الأرض وعمرانها لن يكون بدون عنصر الحديد المتواجد على سطحها وفى باطنها بصوره المختلفة. بل كيف تعمر الأرض دون تماسك منظومتها؟ ولن تتماسك هذه المنظومة الأرضية بدون وجود المجال المغناطيسى الناشئ عن الكميات الهائلة من الحديد الذى أنزله الله عز وجل فى لب الأرض. مجال مغناطيسى شديد يمسك وبقوة كل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض. غلاف غازى للأرض يحميها بما عليها من كائنات من الأشعة والجسيمات الكونية بل ومن العديد من أشعة الشمس الضارة،‏ ناهيك عن ملايين الأطنان من النيازك‏. مجال مغناطيسى نظم وتحكم بقوة وحكمة متقنة من الله عز وجل فى الكثير من العمليات الأرضية البالغة الأهمية مثل دورة كل من الماء‏،‏ والأوكسجين‏، وثاني أكسيد الكربون‏، والأوزون وغيرها من العمليات الضرورية حتى تصبح الأرض صالحة للعمران.

تخزين وتحويل الطاقة

محورى تدور حوله الحياة، يسرى فى دمائنا فيمنحنا التوازن والاتزان، فنقصه يغرس الأمراض بأجسامنا، انه الحديد. فبالحديد تبنى الخلية الحية فى الكائن الحى نتيجة لاشتراك مركباته فى تكوين المادة الخضراء في النباتات‏ (الكلوروفيل‏‏ وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء)، التي تقوم بدورها بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات‏،‏ ولإنتاج كافة الأنسجة النباتية المختلفة من الأوراق الى الثمار. واذا بالحديد يسلك طريقه الى أنسجة ودماء الإنسان والحيوان من خلال الأنسجة النباتية المختلفة. كافة أنشطة الكائن الحى أثناء حياته تكون معتمدة اعتمادا كليا على الطاقة المختزنة فى جسمه والتى تنتج من تحويل الطاقة الشمسية الى روابط كيميائية تختزن هذه الطاقة بداخلها من خلال وسيلة وحيدة وفريدة تسمى عملية البناء أو التمثيل الضوئى. واذا بهذه الطاقة الكامنة فى جسم الكائن الحى والتى تعتبر القوة الدافعة لأنشطة الكائن الحى، تتحول الى صور الطاقة المختلفة والمعروفة بعد موت الكائن الحى وتحلله.

أكسير الحياة

اكسير الحياة يكمن وبقوة فى الحديد الذى يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية ‏-الصبغيات-‏ كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة. ولما لايكون الحديد هو أكسير الحياة؟ وهو مكونا هاما لهيموجلوبين الدم الذى هو المادة الأساسية في كريات الدم الحمراء. الحديد وبلا منافس أو منازع هو اكسير الحياة  الذى يحتاج الكائن الحى الى قدر محدد منه، ان نقص قليلا تعرض الى الكثير من الأمراض والتى منها فقر الدم. وفى حقيقة الأمر، يتمركز الدور المهم للحديد فى عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها‏. ونظرا لأهميته الشديدة كان لابد من وجوده فى كل من الكبد‏، والطحال، والكلى، والعضلات، والنخاع.

بؤرة الصناعات الحديثة

مر الحديد براحلته مرورا متأنيا على كافة الصناعات المدنية والعسكرية، فتكاد لاتقوم صناعة معدنية فى غيبة عنصر الحديد. فالحديد هو المشارك وبقوة بنسبة ما صغيرة كانت او كبيرة فى العديد من الصناعات المعدنية، فنجده فى كافة المبانى والكبارى والمركبات ….ألخ. كان ولازال الحديد هو بؤرة الصناعات المعدنية الحديثة لما له من بأس شديد قائمة على الصلادة وقوة الشدة وكذلك قابليته للسحب والطرق، ناهيك وجوده فى ثلاثة صور تآصلية جعلت من المفتاح لإنتاج سبائك صلب ذات خصائص محددة للأغراض المختلفة فنجده فى أدوات المائدة والمستشفيات ومعدات الصناعات الغذائية …. ألخ.  ونظرا للأهمية القصوى للحديد كمعدن حيوى، كان الاهتمام العلمى الشديد به من خلال وجود علم كيمياء التآكل ومعالجة الأسطح وغيره من العلوم الهندسية التى عملت على زيادة قيمته والمحافظة عليه من عبث الانسان والبيئة.

ساحر التكنولوجيا

مع التقدم التكنولوجى، كان لابد للحديد أن يدلو بدلوه ليؤثر فى هذا التقدم ويتأثر به.  واذا بالتكنولوجيا تأتى لنا بجسيمات الحديد النانومترية (النانوية) والتى هى مغناطيسية أيضا. جاءت لتفوق كل التوقعات فى كافة المجالات الحياتية، الطبية والصناعية والبيئية. فها هم مجموعة من العلماء بجامعة “ستانفورد” الأمريكية تمكنوا من الوصول الى عقار لعلاج فقر الدم والذى يحتوى على جزيئات الحديد النانوية التى قامت بدورها أيضا في تنشيط جهاز المناعة ومحاربة الخلايا السرطانية. كما توصل الكاتب فى رسالة الدكتوراة الخاصة به أبحاثه العلمية المتتالية الى الحصول على أنواع مختلفة من الفريتات والتى هى فى الأصل ماجنيتيت (أكسيد مزدوج للحديد مكون من أكسيد الحديديك وأكسيد الحديدوز) أستبدل فيه الحديد الثنائى التكافؤ (الحديدوز) بعنصر كيميائى أخر تنائى التكافؤ أيضا (كالنيكل والنحاس….ألخ)، علاوة على العديد من الأبحاث العلمية من الكثير من العلماء فى هذا الصدد. وكان لهذه الفريتات القائمة فى الأصل على عنصر الحديد العديد من التطبيقات الهامة والمؤثرة فى المجال البيئى كأكسدة غاز أول أكسيد الكربون كملوث للهواء والتخلص من العديد من العناصر الثقيلة كالكادميوم كملوث للمياة. كما أستخدمت هذه الفريتات فى التخلص من بعض ملوثات المياة من الصبغات من خلال عمليات الحفز الضوئى، علاوة على أنها مواد مقاومة للبكتريا. ولما كان ما تقدم من أهمية كبيرة للحديد كان قول الله تعالى: {هَـٰذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [لقمان:11.[

 

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz