يمكن أن ندرب عقولنا لتتعامل مع الإجهاد

غالباً ما يُنظر إلى التوتر على أنه مجرم الثقافة المعاصرة، الوسواس المزعج الذي يبقينا مقيدين بالسلاسل إلى مكاتبنا خلال النهار، ومستيقظين طوال الليل، ويضع صحتنا في خطر كبير.

لكن (إيان روبرتسون)، وهو عالم الأعصاب الإدراكية في كلية ترينيتي في دبلن، يشير إلى أنه في حين أن كثرة الإجهاد يمكن أن تنهكنا، إلّا أن كمية معتدلة منه يمكن أن تكون جيدة للغاية بالنسبة للعقل.

السبب وراء ذلك هو أن الإجهاد يساهم في إفراز مادة كيميائية في الدماغ تسمى النورادرينالين، عند إفراز هذه المادة بكميات كبيرة أو قليلة جداً لا يكون عمل الدماغ في أفضل حالاته، ولكن هناك نقطة في المنتصف تماماً، إذا ما استطاع الدماغ الوصول إليها وكانت مستويات هذه المادة في معدلها المعتدل، يمكن للنورادرينالين عندها أن يكون أفضل مادة محفزة للدماغ.

أساساَ، يساعد النورادرينالين المناطق المختلفة من الدماغ لتتواصل بسلاسة، ويساعد أيضاً في إجراء اتصالات عصبية جديدة، وطالما الأمر ليس مرهقاً جداً، يمكننا أن نبني من خلال هذه المادة وظائف دماغية أقوى، وإذا كان لدينا وظائف دماغية أقوى، عندها سنكون أكثر سعادة وأقل قلقاً وأقل الاكتئاباً، كما وسنكون أكثر ذكاءً.

لا يمكن للجميع التعامل بشكل جيد مع التوتر وتسخير إمكاناته الإنتاجية لصالحهم، فالبعض يصابون بالقلق بشكل مفرط ويجدون التوتر عبئاً لا يمكن التغلب عليه، وليس نوعاً من المنشطات، ومع ذلك، يقول (روبرتسون) بأن هناك تقنيات متميزة يمكننا أن نتعلمها من أجل إعادة صياغة فهمنا للإجهاد، حيث يمكننا تغيير كيمياء الدماغ بقدر ما يمكن لأي دواء مضاد للاكتئاب أو مضاد للقلق أن يفعل، ولكن علينا أن نتعلم بعض العادات للقيام بذلك.

تدريب الدماغ ليزدهر في المواقف العصيبة

العامل الأول الأكثر أهمية الذي يحدد النهج الذي نتبعه مع الإجهاد هو ما إذا كنا نمتلك عقلية  “ثابتة” أو “متطورة”، ويستند هذا الأمر لعمل عالمة النفس من ستانفورد (كارول دويك)، التي تقول بإن قدرتنا على الاعتقاد بأنه يمكننا أن نتغير تسمح لنا بالقيام بذلك، وعلى النقيض، فإن أولئك الذين يمتلكون عقلية “ثابتة” يكونون أكثر احتمالاً بكثير لأن يظلوا عالقين في أماكنهم.

في حالة التعامل مع التوتر، فإن الشخص الذي يمتلك عقلية ثابتة قد يعتقد بأنه قد ورث موقفه القلق هذا من أحد الوالديه، وهكذا لا يوجد شيء يمكنه القيام به حيال ذلك، وبأن هذا هو “قدره”، لذلك وتبعاً لـ(روبرتسون)، فإنه من المهم أن نعرف مصدر معتقدات الشخص عن عواطفه.

أما بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون بأن لديهم القدرة على تغيير نهجهم تجاه التوتر، فيشير (روبرتسون) إلى أن الأعراض ذاتها من جفاف الفم إلى تسارع ضربات القلب، تنطبق على كل من الخوف والإثارة، وقد وجدت الدراسات أنه عندما يتم وضع الأشخاص في حالة متوترة، مثل غناء الكاريوكي أو الإجابة على أسئلة في الرياضيات أمام لجنة متخصصة، فإن أداءهم يتحسن بشكل كبير إذا أخبروا أنفسهم بأنهم يشعرون بالحماسة على عكس ما إذا حاولوا تهدئة أنفسهم.

في هذا الإطار، يشير (روبرتسون) بأنه من المفيد التعامل مع التوتر على اعتباره نوع من تحدي وليس نوع من التهديد، حيث أن القيام بهذا التغيير العقلي يقلل من التوتر ويحسن الأداء، وأخيراً، كل ما عليك فعله هو الاستمرار بالإدعاء بذلك حتى يصبح الأمر حقيقياً، فإذا اعتمدت مظهر الثقة والإيجابية، يمكنك خداع عقلك لخلق ذلك الرابط العقلي بينه وبين هذا الموقف الخارجي الوهمي.

الإجهاد يعمل بشكل مماثل للنظام المناعي

يمكن أن يكون هناك جانب سلبي للتجنب المستمر للتوتر، وخصوصاً في وقت مبكر من الحياة، حيث أنه وتبعاً لـ(روبرتسون)، فإن نظام الاستجابة للإجهاد يعمل مثل الجهاز المناعي، فهو يصبح أقوى إذا سنحت له الفرصة ليتدرب قليلاً، لذلك، فمن المهم تعريض الأطفال لقدر معين من الشدائد بحيث يصبح كل من جسمهم وعقلهم أكثر قوة ومرونة، فعلى الرغم من أن تعريض الأطفال للكثير من التوتر يمكن أن يكون ضاراً لهم، ولكن (روبرتسون) يضيف، بأن هناك مقداراً معيناً من التوتر الذي يمكن للشخص أن يتعرض له، ولاسيما في العقدين الأولين من حياته، يمكن أن يساهم في جعله أكثر قوة من الناحية العاطفية.

وقد وجدت الدراسات أن الأطفال الذين تم تبنيهم في سن مبكرة (الأمر الذي يتم تصنيفه على أنه نوع من ضغوط الحياة المعتدلة في سن مبكر، مقارنة مع الأطفال الذين يقضون عدة سنوات في دور الرعاية قبل أن يتم تبنيهم) يكبرون مع مستويات أقل من هرمون التوتر الكورتيزول الذي يتم إطلاقه أثناء المواقف العصيبة، وذلك مقارنة مع الأطفال الذين كانوا قد مروا بضغوط قليلة جداً، وبالمثل، فإن أولئك الذين اختبروا الضغوط عانوا من نسبة أقل من الاعتلالات الفيزيائية مثل آلام الظهر المزمنة من أولئك الذين عاشوا حياة سهلة.

من هذا نستنتج بأن تعلم التعامل مع المواقف العصيبة في سن مبكرة يمكن أن يكون مفيداً للغاية، وفي الوقت الذي لا يرغب أحد فيه بأن يظل مطارداً باستمرار من قبل الإجهاد، فإن التعرض للقليل منه يمكن أن يكون حافز قوياً لعقولنا.

يشير (روبرتسون)، بأن العديد من الكوميديين والفنانين يشعرون بالقلق، إن لم يشعروا بذلك المقدار القليل من التوتر، قبل البدء بتقديم عروضهم، فتبعاً لـ(تايجر وودز)، فهو إن لم يشعر بالقلق قبل مباراته، فإنه يعلم بأن أداءه سيكون سيئاً جداً.

 

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير