أخبار العلوم

وميض الحقيقة و ظلمة الواقع

تناثرت ظلمة الواقع فى كل مكان، لم يعد هنا أو هناك أى وميض أمل للتغلب على هذه الظلمة الطاحنة لكل حقيقة بازغة نحو واقع أفضل ومستقبل منشود. تصارعت القلوب قبل العقول على بناء صروح عملاقة من الظلمة التى يسعى فى بيئتها كل فاسد أو حاقد أو كاره لطبيعية الحقيقة. حيث أن طبيعة الحقيقة عند صانعى الواقع المظلم، هى فرض واقع له نواميس مختلفة من حيث الشكل والموضوع عن نواميس الطبيعة التى شرعت تشريعا دقيقا سواء كانت من مفوض المشرع الالهى أو حتى من المشرع الالهى جل جلاله. تناسى كل صانع لظلمة الواقع السائدة بل والمسيطرة على المكان، أن صاحب التشريع  لن يترك الأمر سدى دون وجود أى وميض للحقيقة التى يجب أن تكون. و ما بين ضباب الظلمة وشدتها كان وميض الحقيقة الكائن فى بعض البعض من أصحاب الحقيقة الذين لم يدركوا غيرها قط. أصحاب الحقيقة الذين قد يفنون حياتهم من أجل ارساء مبدأ أو ناموس من نواميس الحقيقة الطبيعية، وهم فى طريقهم الى غايتهم قد لا يعبأون بما قد يسحقهم من متاعب أو حتى بما قد يدمر كل مصالحهم الذاتية، فهم فرسان الحقيقة فى كل زمان ومكان لآن غايتهم نبيلة ووسائلهم مشروعة فى سبيل سيطرة الحقيقة على الواقع. فرسان الحقيقية أمام ظلمة الواقع وقهرها للحقيقة، هم وميض للحقيقة التى أوشكت على الاختفاء مع انعدام كل ما يترتب على ذلك من آثار. و مع وميض الحقيقة وفرسانها نخوض هذه الرحلة طارقين فى ذلك باب علم الفيزياء الذى صور لنا وبكل دقة مدى الصراع القائم بين فرسان الحقيقة و طبيعة الواقع الكائنة فى الظلمة الشديدة المسيطرة على كل شئ فى كل زمان ومكان.   وفى هذه الرحلة الشيقة والممتعة فى نفس الوقت لنا أن نتصور أن المادة هى الواقع، و أن فرسان الحقيقة هم الجسيم الأولى المشحون بشحنة كهربية أو ما يسمى بالالكترون الحر، وأن صانعى ظلمة الواقع هم الأغلفة الإلكترونية لجزيئات المادة. و نبدأ رحلتنا الفيزيائية الواقعية عندما يحدث التأين أو الاثارة في المادة عند انتشار جسيم أولي له شحنة كهربائية مثل الإلكترون فيها، حيث يستثار الواقع المظلم عند انتشار فرسان الحقيقة داخل زمان ومكان الواقع بل عندما تدق أقدام خيول هؤلاء الفرسان أبواب هذا الواقع.  ومن كثرة الطرقات المؤثرة بأقدم خيول أو بيد هؤلاء الفرسان أو الالكترونات الحرة واصطدامها  بصانعى ظلمة الواقع الذى يشكلون الأغلفة الإلكترونية لجزيئات المادة، تنتقل طاقتها شيئا فشيئا إلى إلكترونات الجزيئات حتي تتوقف هذه الفرسان وخيولها عن الحركة، فى ترقب منها لانقشاع شئ من ظلمة الواقع وظهور الفوتونات أو حزمة من أشعة الحقيقة بعدما حدث هذا الصدام المصحوب بتأين أو استثارة الواقع المظلم. 

لم تنتهى الرحلة عند هذا الحد، لأن لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، ولأنه عندما تكتسب إلكترونات الجزيئات تلك الطاقة ترتفع إلى مدارات طاقة أعلى في الجزيئ. والحال هكذا سوف يشتد غضب صناعى ظلمة الواقع، بل وسوف تحدثهم أنفسهم بكل ما هو سوء وغايتهم فى كل هذا الانتقام و وسيلتهم مشروعة أو غير مشروعه يبررونها طبقا لغايتهم السيئة، و من ثم فلن يستقرون فى أماكنهم. ولأن وطيس المعركة شديد و الغضب مشتعل والقلب ملتهب بنيران سوداء زاد من شهدتها الحقد والحسد، كانت قفزة صانعى ظلمة الواقع الى أماكن أعلى فى مستوياتها من أماكنهم الأصلية. و يقدر مدى قفزتهم بمقدار غضبهم، فغضبهم الشديد يؤهلم لاحتلال مستويات أعلى. و لأن صانعى ظلمة الواقع يسلكون دربا مخالفا للنواميس الطبيعية، فانهم لا يستطيعون البقاء طويلا فى أماكنهم الجديدة وفى حالتهم المثارة  هذه التى ان استمروا عليها سوف يهلكون و لأنهم من عشاق الظلام سوف يسرعون بالقفز مرة أخرى الى أماكنهم الأصلية ظنا منهم أنهم قد دمروا هذا الجسيم الذى هز عروشهم وأفنى هدوئهم. وعلى الجانب الأخر ينتظر هذا الجسيم أو فارس الحقيقة، ظهور ما ينتظره من وميض الحقيقة التى يجب أن تكون، وقد كان له ما ينتظر عندما عاود صانعى ظلمة الواقع أدراجهم، حيث بزغت الحقيقة على هيئة فوتون امتلك من الطاقة ما تعادل الفرق بين طاقة  المدار  أو المكان العلوي وطاقة المدار أو المكان السفلى لصانعى ظلمة الواقع. و حيث أن علم الفيزياء قد أخبرنا ان الفوتون ما هو إلا شعاع ضوء ذو تردد معين، أي ذو طول موجة معينة، فانه سوف يمتلك لون معين. وحيث أنه أيضا و تبعا لمقدار الطاقة الممتصة من الإلكترون في أغلفة الجزيئات، فانه سوف تنتج أعداد من الفوتونات يختلف لون بعضها عن بعض، مشكلة بذلك طيفا أو وميضا قصيرا قد يكون في نطاق الضوء المرئي أو الأشعة الفوق بنفسجية . و لأن الانسان دائما ما يحاكى الطبيعة، فها هو يحاكى المادة، حيث يختلف وميض الحقيقة باختلاف فرسانها، فان كان فارس الحقيقة قوى فى مكانته عظيم فى شأنه على المستوى المادى كان وميض الحقيقة قويا وعظيما، وبنفس القدر والمكانة يكون وميض الحقيقة واضحا ومؤثرا بل ومزيلا للجزء الأكبر من ظلمة الواقع عندما يزداد عدد فرسان الحقيقة.  ومع تكرار وازدياد ظاهرة الوميض هذه، سوف تكون الحقيقة أى حقيقة علمية أو أدبية …..الخ واضحة و جليه أمام القاصى قبل الدانى، من خلال فرسان الحقيقة الذين هم رموز الأصالة والابتكار شاء من شاء و آبى من آبى. ولما كان الظلام الدامس هو حال الواقع الكائن فى كثير من شؤون الحياة، كان لابد من تلمس معالم هذا الظلام. ولن يكون هذا التلمس والفحص والتمحيص الا من كل ذى عقل رشيد وقلب واعى و ممتلكا من الجرأة ما يؤهله الى احداث وميض الحقيقة كما هو الحال مع فرسان الحقيقة. فرسان الحقيقة الذين يكشفون كل عيب فى الاسناد تم تحسين ظاهره، و يقاومونه دون تردد حتى وان كان فى هذه المقاومة اضرار بمصالحهم أو بأنفسهم، لأن الحق عندهم أحق أن يتبع. وعلى الرغم من كل هذا قد يغيب هدف فرسان الحقيقة ولكنه لا يموت أبدا.   

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz