علم النفس

هل يمكن علاج العقل عن طريق السيطرة على الأحلام؟

حوالي 50% منا سيمر في مرحلة ما من حياته بتجربة “الاستيقاظ” والدخول في مرحلة واعية على الرغم من استمراره في الحلم – وربما حتى يكون قادراً على التحكم بنفسه خلالها- هذه “الأحلام الصافية” لا تمثل تجربة حية ولا تنسى فقط، بل هي أيضاً ذات أهمية كبيرة بالنسبة لعلماء الأعصاب وعلماء النفس، وهذا لأنها تمثل حالة غريبة وهجينة ما بين الاستيقاظ الواعي والنوم، وهذا يمكن أن يخبرنا أشياء جديدة تماماً عن حياتنا الداخلية واللاوعي لدينا.

تتم معالجة العديد من الصدمات التي نعاني منها في حياتنا الواعية المستيقظة في أحلامنا، وهذا ما أدى ببعض الباحثين لطرح هذا التساؤل المهم: هل يمكن للحلم الصافي يوماً ما أن يتحول إلى وسيلة لعلاج الاضطرابات النفسية، بحيث يمكّننا مواجهة مخاوفنا وتغيير سلوكنا في محيط آمن نسبياً من أحلامنا؟ حتى الآن، لم يكن بالإمكان اختبار مثل هذا التطبيق للعلاج النفسي نسبياً – ولكن تم استخدامه لعلاج الكوابيس المتكررة، والتي غالباً ما ترتبط مع الصدمات.

يقوم كل من النوم والأحلام (غير الصافية) بأداء عدد من الوظائف التي تعتبر مهمة للصحتنا النفسية، فعلى سبيل المثال، من خلال الدورات المتعاقبة من نوم حركة العين السريعة (REM) – المرحلة التي تحدث خلالها معظم الأحلام- تبدأ عملية تنظيم المزاج الليلي التي “تعيد ترتيب” المراكز العاطفية في الدماغ، كما وقد أظهرت الأبحاث أننا نميل لأن نصبح أكثر حساسية للوجوه التي تظهر تعبيرات من الغضب أو الخوف كلما تقدم النهار، ولكن فترة النوم من نوع (REM) يمكن أن تعكس هذا التأثير، ويعرف هذا النوع من النوم أيضاً بأنه يساعدنا على التوصل إلى حلول خلاقة جديدة لمشاكل الحياة الواعية.

ومع ذلك، يمكن لهذه العمليات أن تتوقف أو تضعف، مثل ما يحدث عند التعرض لأحداث حياتية مؤلمة، كما أن أكثر من ثلثي السكان عموماً يمرون بأحداث تعتبر صادمة في حياتهم، وفي بعض الحالات قد يؤدي هذا إلى حدوث اضطرابات نفسية، والكوابيس هي من بين الأعراض الأكثر شيوعاً لهذه الحالة.

لكن دراسات الحالية المنشورة تشير إلى أن الحلم الصافي يمكن أن يكون بمثابة إعانة فعالة لمواجهة الكوابيس المزمنة، وأشارت التحقيقات أيضاً بأن الحلم الصافي، سواء كأسلوب قائم بذاته أو كإضافة إلى نهج آخر من العلاجات النفسية، يمكن تطبيقه بنجاح للحد من وتيرة وشدة الكوابيس.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الحلم الصافي يمكن أن يكون محفزاً أيضاً، ففي مثل هذه الدراسات، يتعلم المشاركون عادة عدداً من التقنيات، مثل التشكيك في طبيعة بيئتهم المحيطة خلال اليوم – “هل هذا حقيقي أم أنني أحلم؟” – مما يزيد من فرص مرورهم بتجربة الحلم الصافي، كما يطلب من المشاركين أيضاً قبل أن يذهبوا إلى النوم أن يدركوا بأن كوابيسهم ليست حقيقية، ولكن ليس من الواضح حقاً أياً من هذه التقنيات الاستقرائية هي الأكثر فعالية.

في دراسة عن الكوابيس، يقرر المشاركون أيضاً ما يجب القيام به بمجرد دخولهم في مرحلة الحلم الصافي (وهذا يساعد الحالم على أن يكون مستعداً ومحافظاً على صفاء ذهنه عندما يتواجه مع الأشياء المخيفة في كابوسه)، وهذا التدريب يخفف من حدوث الكوابيس حتى عندما لا ينجح المشارك في الدخول في مرحلة الحلم الصافي، حيث تشير التقارير إلى أن التعديلات البسيطة – مثل تغيير عنصر واحد في الحلم المتكرر – يمكن أن يغيّر حدة الدرجة العاطفية ضمن الحلم وتجربته برمتها، مما يساعدنا على إدراك أن هذا الكابوس ليس حقيقياً، وأننا قادرين على بسط سيطرتنا عليه.

قد يكون من السابق لأوانه أن نعرّف الحلم الواضح على أنه النهج المفضل لعلاج الكوابيس في الوقت الراهن، ولكن بمجرد أن يتم جمع ما يكفي من البيانات حول تأثيره على الكوابيس والحياة بشكل عام على المدى القصير والمدى الطويل، فسيكون هناك احتمال بأن يصبح كذلك يوماً ما.

الحلم الصافي باعتباره علاجاً سلوكياً؟

الصدمات النفسية والكوابيس الناتجة عنها هي سمة من سمات عدد من الاضطرابات النفسية الأخرى، بما في ذلك الاكتئاب والقلق أو اضطرابات الشخصية، وحتى متلازمة فرط النشاط وقلة الإنتباه (ADHD)، وفي حين أننا كثيراً ما نفكر في التجارب المؤلمة على أنها إما أن تكون وفاة أحد الأحباء، أو قوع حادث ما أو كارثة، فإن كثيراً من علماء النفس يشيرون بأن أي تجربة تسيطر على قدرتنا على التعامل مع الأشياء يمكن أن تنتج أعراضاً تشبه أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وعلى الرغم من أننا نميل إلى تجنب هذه التجارب وإبعادها عن تفكيرنا، إلّا أن الأبحاث الحديثة أظهرت بأن تجنب أو قمع هذه التجارب لن يحل مشكلة المشاعر والأفكار غير المرغوب فيها، بل بدلاً من ذلك، فإن هذا يجعلها تطفو على سطح وعينا – بما في ذلك في أحلامنا- ولهذا فقد يكون بمقدور أحلامنا أن تخبرنا بشيء عن الصدمات التي نقمعها.

نحن نعلم أيضاً أن هناك علاقة بين أفكارنا وسلوكنا في حياة اليقظة وتلك التي توجد في أحلامنا – المعروفة باسم “فرضية الاستمرارية”- أي، إذا كان شخص ما يواجه الخوف أو يميل إلى التصرف بطريقة جبانة في حياته اليقظة، فإنه يكون أكثر عرضة للقيام بذلك في أحلامه أيضاً.

بهذه الطريقة، يمكن للأحلام أن تعطي نظرة ثاقبة حول الكيفية التي يمكن من خلالها للمعتقدات بأن تتحكم بردود الفعل، أو تقدم معلومات قيمة للأطباء، وبالتالي، إذا كان بإمكان الشخص يمكن أن يصبح واضحاً في عالم آمن من الأحلام، يمكن لهذه الأفكار أن تأتي عن طريق الحلم، والجانب الأكثر أهمية من ذلك هو أن الشخص يمكن أن يستجيب فعلاً في الحلم،  ربما من خلال معالجة مخاوفه عن طريق تجربة سلوكيات جديدة، وعلى اعتبار أن القيام بهذا قد يكون أصعب بكثير في الحياة الحقيقية، فإن الأحلام الصافية يمكن أن تكون نقطة انطلاق قوية، كما أن التمرن على السلوكيات في الأحلام قد يجعلها تبدأ أيضاً بالظهور خلال حياة اليقظة من تلقاء نفسها.

النظرة الثاقبة والقدرة على التراجع عن حقيقة الشخص الحالية تُعرف باسم “وعي إدراك الإدراك”، وهذا الوعي هو ما يساعد بعض الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب المتكرر ليصبحوا بحالة أفضل من خلال العلاجات، مثل العلاج السلوكي المعرفي والتأمل التام، كما أن مناطق الدماغ التي تشارك في إدراك الإدراك تعتبر من بين أكثر المناطق نشاطاً أثناء الدخول في مرحلة الحلم الصافي، وقد أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين لديهم الأحلام الصافية يكونون أفضل حالاً خلال النهار من غيرهم في كثير من الأحيان، وهذا يشير إلى أن الأحلام يمكن أن تساعدنا في تنمية الوعي الذاتي.

من حيث المبدأ، قد يكون الحلم الصافي أداة قوية لتعزيز المعرفة والخبرة والتغيير العاطفي، وذلك مع اكتساب الشخص لقدرة الوصول الواعية لطريقة عمل عقله لحظة بلحظة – بما في ذلك المشاعر المكبوتة-، كما أن هذا قد يقدم وسيلة فعالة للعمل مع حالات مثل الإدمان، فقد يقوم أخصائيو العلاج بالتنويم بعلاج إدمان النيكوتين من خلال اقتراح قصد واعي إلى العقل الباطن، وهذا يمكن أن يساعد أيضاً الأشخاص على تجاوز العقبات النفسية، وبالتالي الوصول إلى مستويات جديدة من الانفتاح والنضج النفسي، فعلى سبيل المثال، يشير الكثير من الأشخاص الذين يختبرون الحلم الصافي بأنهم استطاعوا تجاوز حالات من الرهاب في حياتهم اليقظة، مثل الخوف من الطيران، الحشرات، المرتفعات، والخطاب أمام الجمهور، من خلال العمل عليه في أمان نسبي أثناء الحلم.

في حين أنه لا بد من إجراء المزيد من الدراسات العلمية حول ما إذا كان الحلم الصافي قادر على المساعد في الواقع في علاج مثل هذه المخاوف المرضية، إلّا أن ذلك يعد إمكانية محيرة يجب استكشافها، وهذه البحوث قد تمكننا من فهم ما إذا كان يمكن للحلم الصافي أن يصبح جزءً من أدوات العلاج النفسي في المستقبل ومدى الفعالية التي يمكن أن يكون عليها وما هي الرؤية التي يمكن أن يعطيها لنا عن عمل العقل الباطن.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير