قُبلات ومعارك الشعب المرجانية كما لم ترها من قبل .. ميكروسكوب يعمل تحت الماء

علماء الحياة البحرية يصابون بالإحباط وهم يدرسون العينات تحت المجهر، فهم يعرفون أن إخراجها من عالم إلى عالم آخر يدمر بعض خصائصها، لهذا لا تتكون لديهم الصورة الحقيقية ويفقدون الكثير من المعلومات، هذا هو الشئ الذي دفع جامعة في كاليفورنيا لكي تطور ميكروسكوب جديد مخصص للعمل تحت الماء، مانحاً العلماء القدرة على رؤية مشاهد حية ومذهلة تحدث في الطبيعة البحرية، وأن يروا تفاعلات بالغة الدقة على مستوى ملليمترات، بما فيها القُبُلات التي تمنحها زوائد الشعاب المرجانية لبعضها، وكذلك المعارك التي تشتعل بينها !

اذهب للشعاب المرجانية بدل أن تأتي إليك

نحن نعتقد أن الشعاب المرجانية كبيرة ولا تحتاج لدراسة إلا بالعين المجردة، لأنها تمتد لمئات الكيلومترات، لكن الحقيقة أنها مكونة من زوائد صغيرة جداً تصل أحجامها إلى 1 ملليمتر، ما يجعل الاهتمام بالدراسة الميكروسكوبية الدقيقة لأنماط الحياة الصغيرة هذه، شيئاً في غاية الحيوية، لهذا قام العالم جول جافي وفريقه بتطوير هذا الميكروسكوب الذي أطلق عليه اسم “ميكروسكوب قاع المياه Benthic Underwater Microscope” ، وهو أول ميكروسكوب يلتقط صوراً تحت الماء لكائنات قاع البحر، بدقة ميكرومترية، تسمح بدراسة هذه الكائنات في بيئتها، دون عمل أي اضطراب لها.

هذا ميكروسكوب شبيه بواحد آخر تم تطويره لمراقبة العوالق البحرية، وهو يعتمد على واجهة تفاعلية بين الغواص والكمبيوتر تحت الماء، متصلة بوحدة تصوير ميكروسكوبية قادرة على دراسة الكائنات بأكبر دقة ممكنة، تصل إلى 2 ميكرومتراً، وهو يتضمن عدسة تكبير، مع حلقة من أضواء LED ساطعة تقوم بالتركيز على نقطة واحدة لأجل كشف أسرع، بالإضافة إلى قدرات تصوير فلورسنتية عالية، العدسة كهربية ومرنة تستطيع رصد العينات سريعاً بشكل ثلاثي الأبعاد ورصد التغير في الشكل، بما يشبه أسلوب رؤية العين البشرية نفسها.

ما هي قدرات الميكروسكوب المائي الجديد؟

يمكن للميكروسكوب بوضعه الحالي أن يؤخذ إلى أعماق تصل إلى 30 متراً، يمكن زيادتها إلى أماكن أكثر عمقاً باستخدام مرافئ لها أكثر سمكاً، والميكروسكوب استطاع إظهار مشاهد في الحياة البحرية للعلماء لم تكن بهذا الوضوح من قبل، فقد استطاعوا مراقبة سلوك زوائد الشعاب المرجانية أثناء التنافس مع الزوائد الأخرى المنتمية لنفس المستعمرة، كما راقبوا السلوك الاستعماري الذي تقوم به الطحالب عندما تتعامل مع الشعاب المرجانية التي حدث لها تبييض.

وقد تمكن هذا الميكروسكوب من التقاط التصرفات التفاعلية بين نوعين منفصلين من الشعاب المرجانية القريبة من بعضها في البحر الأحمر، حيث قامت معارك بينهما على احتلال قاع البحر هناك، فسجل الميكروسكوب صوراً لخيوط تشبه السلاسل من الإفرازات الكيماوية التي تخرج من الشعاب المرجانية كي تقتل بها النوع الآخر، أما حين قربوا نوعين متشابهين، فإن هذا التصرف العنيف لم يحدث.

كما إنه كان مفيداً في دراسة عواقب ظاهرة مرعبة للعلماء البحريين هي “تبييض الشعاب المرجانية”، قبالة ساحل ماوي، ليستطيع كشف شئ لم تسبق معرفته عندما سجل نمطاً يشبه بيوت النحل تستعمر به الطحالب الشعاب المرجانية، فينمو بين الزوائد كأنه خيط، ويقوم بخنقها في النهاية.

لكن الميكروسكوب لم يسجل المعارك فقط، بل سجل ما يسمى بـ”تبادل القبلات بين زوائد الشعاب المرجانية”، حيث تقوم الزوائد المتجاورة بهذا في الليل، وهو الشئ الذي أدهش الباحثين وأثار حيرتهم، فرجحوا أن يكون ذلك لتبادل المواد العضوية.

أفضل ميكروسكوب تحت الماء .. ماذا بعد؟

لدى الميكروسكوب ميزة حفظ الصور لأجل الدراسات اللاحقة، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم نشاط الزوائد التي تتحرك ببطء، فهو يستطيع حفظ الصور والفيديو، كما إننا نستطيع أن نبقيه على الشعب المرجانية لمدة تصل إلى ثماني ساعات، ويأمل الفريق أن يستخدموه لالتقاط الصور للجزيئات الميكروسكوبية في الماء القريب من سطح الشعاب المرجانية، في محاولة لفهم الطريقة التي يتدفق بها الماء بشكل يسمح للشعاب بتبادل الغازات والتنفس.