الطب

هل يمكن عكس تأثير العلاج الكيميائي على الدماغ؟

يمكن أن يؤثر العلاج الكيميائي على دماغ الشخص لسنوات بعد نهايته، فكيف يحدث ذلك؟ وهل هناك أي شيء يمكن أن يفعله العلماء لعكس هذه التأثيرات؟

من الملاحظ أن العديد من الأشخاص الذين يخضعون للعلاج الكيميائي يعانون من اختلال في الإدراك وتغييرات سلوكية، وقد يشمل هذا صعوبة في الحركة، وهذا التأثير معروف بين الناس باسم “دماغ كيماوي”، ويمكنه أن يستمر لأشهر أو سنوات، مما يؤثر على نوعية حياة الناس بعد علاج السرطان.

أجرى باحثون في كلية الطب بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا مؤخراً دراسة لمعرفة كيف ولماذا تؤثر عوامل العلاج الكيميائي على الدماغ، ولمعرفة ما إذا كان هناك أي طريقة لمنع أو عكس هذا التأثير.

ويبدو أن النتائج – التي تظهر في دورية Cell – تشير إلى أن الميثوتريكسات، وهو دواء شائع للعلاج الكيميائي، يؤثر على الأداء الطبيعي لثلاثة أنواع مهمة من الخلايا الموجودة في المادة البيضاء في الدماغ.

تأثير الدماغ الكيماوي

وكشف العلماء أن هناك دواء يخضع حاليا لتجارب سريرية لاستخدامات أخرى يمكن أن يعالج هذه التأثيرات السيئة لدى الفئران.

وقالت إديين غيبسون مؤلفة الدراسة الرئيسية، أن من الجيد أن مرضى السرطان الذين خضعوا للعلاج الكيماوي ينجون من الموت، لكن نوعية حياتهم تعاني بالفعل، وإذا استطعنا أن نفعل أي شيء لتحسين ذلك، فهناك عدد كبير من الناس سيستفيدون وسيسعدون بذلك.

وأوضحت مؤلفة الدراسة العليا الدكتورة ميشيل موني، أن “الخلل المعرفي بعد علاج السرطان” هي متلازمة حقيقية ومعترف بها، ولذلك وبالإضافة إلى العلاجات الحالية للأعراض – التي لا يعرفها الكثير من المرضى – نحن الآن نرغب في التدخلات المحتملة لتعزيز تطبيع الاضطرابات الناجمة عن أدوية السرطان، وتضيف قائلة: “هناك أمل حقيقي في أن نتمكن من التدخل، وحث الخلايا على التجدد، ومنع حدوث أضرار في الدماغ”.

ويميل الدماغ الكيميائي إلى التأثير بشدة على الأطفال الذين خضعوا لعلاج السرطان، بشكل خاص، ويعتقد الدكتور مونجي وفريقه أن إيجاد طريقة لمعالجة هذه المشكلة يمكن أن يحسِّن حياة هؤلاء الأطفال.

الدواء الكيماوي الذي يعطل خلايا الدماغ
في الدراسة الأخيرة، ركز الباحثون على ثلاثة أنواع مهمة من الخلايا الموجودة في المادة البيضاء في الدماغ. هؤلاء هم:

Oligodendrocytes، قليلة التغصن التي تولد وتحمي المايلين، وهي المادة التي تعزل المحاوير. المحاور هي الألياف التي تتواصل من خلالها الخلايا العصبية مع بعضها البعض.
Astrocytes، الخلايا النجمية، وهي التي تساعد في تغذية الخلايا العصبية بشكل جيد، وتحافظ على بيئة صحية لهذه الخلايا، مما يتيح لهم التواصل بشكل صحيح.
Microglia، الخلايا الدبقية الصغيرة، وهي الخلايا المناعية المتخصصة التي تدمر عادة أي عوامل أجنبية قد تكون ضارة للدماغ.
عندما قارن العلماء أنسجة دماغ الفص الجبهي التي تم جمعها بعد الولادة من الأطفال الذين تلقوا العلاج الكيميائي مع الأنسجة من الأطفال الذين لم يفعلوا ذلك، وجدوا أن الأول قدم خلايا أقل بكثير من سلالة النيغودندريسيتي.

ولفهم السبب وراء عدم نجاح الخلايا قليلة التغصن في المخ الذي يتعرّض للعلاج الكيماوي، لجأ الباحثون إلى نماذج فأر صغيرة تم حقنها بالميثوتريكسات، ولأنهم يستهدفون تأثير تكرار الجرعة والممارسة في علاج سرطان الإنسان، أعطوا الفئران ثلاث جرعات من الدواء مرة واحدة في الأسبوع.

بعد فترة من 4 أسابيع، أصيبت الفئران التي تلقت ميثوتريكسات بضرر في خلايا السلائف oligodendrocyte، وهي الخلايا الطازجة التي تتطور عادة لتحل محل oligodendrocytes التي لم تعد قادرة على العمل.

بعد التعرض للميثوتريكسات، بدأت المزيد من الخلايا البادئة بالنضج، لكنها ظلت عالقة في حالة غير متطورة، غير قادرة على الوصول إلى مرحلة النضج، وكان هذا هو الحال حتى بعد 6 أشهر من معالجة الفئران بعقار العلاج الكيميائي.

وقد أثر هذا أيضًا على سمك المايلين، حتى أن الفئران واجهت نفس المشكلات السلوكية التي يعاني منها الأشخاص الذين يخضعون للعلاج الكيميائي، والتي تشمل الإعاقة الحركية والقلق ومشاكل الانتباه والذاكرة، واستمرت بعض هذه الآثار أيضا لمدة 6 أشهر بعد العلاج مع الميثوتريكسيت.

أهمية “الحديث المتبادل بين الخلايا”
عندما حاولوا حقن خلايا طليعيّة من الخلايا الصغيرة من أدمغة الفئران الأصحاء إلى أدمغة الفئران التجريبية، لاحظ الباحثون أن هذه الخلايا بدأت أيضا عملية النضج بمعدلات أعلى، ولكنها لم تتعثر في منتصف هذه العملية، مما يعني أن هناك مشاكل في بيئة الخلايا بعد العلاج، الأمر الذي منعها من إكمال العملية العادية.

بعد ذلك، لجأ الباحثون إلى دراسة الخلايا الدبقية الصغيرة ووجدوا أنها كانت نشطة بشكل غير طبيعي لمدة 6 أشهر على الأقل بعد العلاج الكيميائي، وبالتالي تتدخل في الأداء الطبيعي للخلايا النجمية وتعطل التغذية الصحية للخلايا العصبية.