التصنيفات: متفرقات

هل وصلنا إلى نهاية حقبة المكتبات بشكلها التقليدي؟

في عام 2005، قامت جامعة شيكاغو بإنفاق 81 مليون دولار على تحديث مبنى المكتبة الرئيسية لديها، وكان أحد الأهداف الرئيسية خلف ذلك هو ضمان إبقاء مجموعة الجامعة من الكتب المطبوعة في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية تحت سقف واحد.
هذا الهدف تم إنجازه بعد مرور ست سنوات، ومع ذلك، فإن هذا يعني أيضاً بأن جزءاً لا بأس به من مجموعة الكتب المطبوعة، ستبقى نظرياً “تحت سقف المكتبة” إلّا أنها عملياً ستكون “تحت الأرض”، حيث يتضمن التحديث الذي أجري على المكتبة وضع نظام جوفي آلي يمكن فيه تخزين واسترداد ما يصل الى 3.5 مليون كتاب.
يمكن أن يمثل مشروع مكتبة شيكاغو بشكل جيد نهاية حقبة المكتبات التقليدية في الحرم الجامعي، تلك الحقبة التي كانت فيها الكليات والجامعات تنفق الملايين من الدولارات لتضم إليها مجموعات من الكتب المطبوعة.
شهدت السنوات الخمسة وعشرين الماضية، انفجاراً تكنولوجياً رقمياً في الحياة الأكاديمية، وخلال هذه الفترة حاول العديد من القائمين على تحقيق التوازن بين المعلومات الرقمية مع المجموعات المطبوعة والمألوفة للمكتبات الأكاديمية، ولكن على الرغم من أنه سيكون هنالك دائماً مكان للكتاب في قلوب الأكاديميين، إلّا أنه من غير المحتمل أنه سيكون هناك مكان للكتب، أو على الأقل كل الكتب، في حرم الأكاديمية.
التحول عن الرفوف المكلفة
إن تكلفة حفظ الكتب المطبوعة في المكتبة ليست رخيصة، حيث أشارت التحليلات الأخيرة إلى أن التكلفة الإجمالية لحفظ كتاب واحد في مكتبة مفتوحة – ذلك النوع الذي يسمح بتصفحه دائماً- تصل إلى حوالي 4.26 دولار سنوياً، أما الرفوف العالية الكثافة، فهي تأتي بتكلفة أقل، حيث أن تكلفة حفظ كتاب واحد فيها تصل إلى حوالي 0.86 دولار للكتاب في السنة، لذلك ونظراً للتكاليف، فإن المكاتب المالية الأكاديمية لا تنفق الكثير على المقترحات الجديدة بشأن بناء سعة تخزين لآلاف، وفي بعض الحالات الملايين، من الكتب داخل الحرم الجامعي.
هذا لا يعني أن عصر بناء المكتبة الأكاديمية أو تجديدها قد انتهى تماماً، ولكن بدلاً من تصميم مستودعات للكتب في الحرم الجامعي، فإن ما يجري اليوم هو إعادة تصميم المكتبات الأكاديمية بحيث تكون مساحات التعلم والتعاون والمشاركة الفكرية هي ما يأخد مركز الصدارة، فمثلاً، في جامعة فرجينيا كومنولث، نجد أن التصميم الجديد لمكتبتها يخصص حوالي الـ90% من المساحة الجديدة لاستخدام الطلاب، وليس لتخزين الكتب أو المواد، كما تعمل جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا على إضافة 60,000 قدم مربع من المساحات إلى المكتبة الجديدة وتجديد 92,000 قدم مربع من مساحة المكتبة الحالية، وذلك بهدف إضافة مساحة دراسية أكبر وتعزيز المجموعة والمساحات التعاونية، ولكن ليس لإضافة المزيد من الكتب.
كل هذا هو جزء من اتجاه التيار الذي يسعى إلى نقل الكتب المطبوعة إلى دور الدعم عوضاً عن دور الفاعل، مع الحفاظ على كونها جزء من المكتبة الأكاديمية.
طرق جديدة للتخزين
في مواجهة هذه التغيرات، لم يكن أمام أمناء المكتبات الأكاديمية أي خيار سوى اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتحديهم الأكبر كان ببساطة وجود عدد كبير جداً من الكتب المطبوعة ومساحة غير كافية في الحرم الجامعي لتخزينها، والحل الأمثل للتعامل مع هذا العدد الكبير جداً من الكتب هو “إزالة الكتب الغير نافعة”، حيث يتعاضد مسؤولوا المكتبة على إزالة الكتب الغير مرغوب فيها من المجموعة، إلّا أنه وعلى الرغم من أن “إزالة الكتب الغير نافعة” يخلق مساحة للكتب الجديدة، لكنه يكلف مبالغ كبيرة، ويمكن أيضاً أن يواجه مقاومة شرسة من أعضاء الهيئة التدريسة والطلاب، لذلك فإن الاستراتيجيات التي أصبحت متداولة حالياً بشكل كبير لإدارة الموارد المكتظة هي تحريك الكتب إلى المخازن العالية الكثافة ومنخفضة التكلفة، خارج الحرم الجامعي.
ولكن هذا أيضاً يمكن أن يلاقي مقاومة من قبل أعضاء الهيئة التدريسة والطلاب، فعلى سبيل المثال، في جامعة سيراكيوز، كان رد فعل أعضاء الهيئة التدريسية يتلخص بالغضب عندما خططت مكتبة الحرم الجامعي لنقل الكتب الأقل استخداماً لمنشأة تخزين خارج الحرم الجامعي.
على الرغم من ذلك، فقد أصبحت هذه الممارسة روتينية بالنسبة للعديد من المكتبات الأكاديمية، ومنذ عام 2014، تم بناء ما يقدر بنحو 75 مرفقاً تخزيناً هائلاً للمكتبات الأكاديمية في الولايات المتحدة، وغالباً ما تكون هذه المخازن واقعة على أرض رخيصة وتتمتع بمساحة فارغة أكثر من حرم الجامعات المزدحم، وعلى الرغم من أن الكتب الموجودة في هذه المرافق تكون غير قابلة للتصفح، إلّا أن سجلاتها الببليوغرافية – وصف الكتاب – يكون موجوداً في فهرس المكتبة ويمكن أن يتم طلب استخدام الكتاب نفسه من قبل مستخدم المكتبة.
الجدير بالذكر أن كل مخزن يضم كتب تعود لأكثر من جامعة، لذلك، ونظراً لارتفاع تكاليف التخزين، فإنه يجري “إزالة الكتب الغير مجدية” من المجموعة أثناء نقلها، فمثلاً بدلاً من إبقاء خمس نسخ من الكتاب (X)، كل نسخة منها تعود لمكتبة منفصلة، فإن مرفق التخزين المشترك قد يبقي على نسخة واحدة فقط، والتي عادة ما تكون النسخة الأفضل بين جميع النسخ لتكون مشتركة بين جميع المكتبات المساهمة.
مستقبل المكتبات الأكاديمية
إلى جانب بناء المستودعات المشتركة فإن المكتبات الأكاديمية تقوم أيضاً بتطوير مشاريع تخزين توزيعية كوسيلة لتخفيف الضغط على مساحات تكديس المكتبات، فبدلاً من الاعتماد على المستودعات الكبيرة، يستند توزيع أماكن التخزين على الاتفاقيات بين المكتبات المتعددة، بحيث توافق المكتبات الأعضاء فيها على الاحتفاظ بنسخة أرشيفية مطبوعة لمجلة أو كتاب مشترك حتى يتسنى لباقي الأفراد الآخرين ضمن الاتحادات أن يتخلصوا من نسخهم.
في حين أنه سيكون هناك مقاومة لأي خطط مستقبلية لنقل الكتب من رفوف مكتبات الحرم الجامعي بكل تأكيد، إلّا أن العدد المتزايد من الكتب المطبوعة والمساحة المتناقصة اللازمة لوضعها ضمن الحرم الجامعي ستتغلب على هذه المقاومة في نهاية المطاف.
نهاية يمكن القول بأن التقليديين قد لا يرغبون بمثل هذا التغيير، ولكن هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أنه على المدى الطويل لن تحتاج الجامعات إلى المزيد من المساحة لإيواء الكتب المطبوعة.