التصنيفات: بيئة ومناخ

هل هناك صلة بين تغيّر المناخ والظواهر الجوية القاسية؟

درست مجموعة جديدة من البحوث الأحوال الجوية القاسية التي كانت تسود الكرة الأرضية في العام الماضي، بما في ذلك الجفاف والفيضانات والعواصف، وذلك للبحث عن دلائل تشير إلى أن تغير المناخ هو السبب أو المساهم في هذه الأحداث، ولكن النتائج التي توصلت إليها هذه الأبحاث كانت مختلطة بعض الشيء.

هذه الأبحاث كانت في الأساس جزءاً من جهد أوسع للتعرف على آثار تغير المناخ، في الوقت الذي ترتفع فيه درجة الحرارة حول العالم، واستخلاص العوامل المتعلقة بتغير المناخ من الأسباب الأخرى المحتملة كمسببات للأجواء القاسية.

في العادة، تتم مناقشة التغيرات المناخية بشكل توقعات تتنبأ بما قد يحصل خلال الـ 100 سنة المقبلة أو أكثر بالتزامن مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، لكن مؤخراً ظهر فرع من هذا العلم لتحديد ما إذا كان التغير المناخي قد بدأت آثاره بالظهور على أرض الواقع بالفعل، وتحديد طبيعة هذه الآثار.

تضمنت مجموعة تتألف من 32 بحثاً، دراسة لـ28 حالة مناخية قاسية حدثت في عام 2014، وهذا البحث يعتبر الرابع ضمن سلسلة من التقارير السنوية التي يتم نشرها في مجلة (The Bulletin of the American Meteorological Society).

تبعاً لستيفاني هيرينغ، المحررة الرئيسية لهذا التقرير وعالمة مناخ في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، فإن دراسات هذا العام يمكن تقسيمها بالتساوي، فنصف الدراسات ربطت ما بين التغير المناخي واحتمالية ظهور وكثافة الظواهر الجوية القاسية، والنصف الآخر لم يجد صلة ما بينهما، حيث أن قوة الدلائل التي تشير إلى ارتباط التغير المناخي بالظواهر التي نراها حالياً، تختلف حقاً تبعاً لنوع الظواهر التي يتم البحث فيها.

تشير الأبحاث إلى أن التغير المناخي الذي تسبب فيه الإنسان أدى إلى زيادة كبيرة في احتماليات ظهور موجات الحر وشدتها في بعض المناطق، بما في ذلك الأرجنتين، أوروبا، الصين، شبه الجزيرة الكورية، أستراليا، وشمال المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، كما يشير الباحثون أيضاً إلى أنه من المحتمل أن يكون لتغير المناخ دوراً في العدد الكبير والغير معتاد من الأعاصير المدارية التي ضربت هاواي في العام الماضي.

ولكن مع ذلك، فإن العلماء لم يستطيعوا فهم تأثير تغير المناخ على كل حالة، كما أنهم لم يستطيعوا رؤية دور ثابت له في التأثير على أنواع معينة من الأحداث، مثل الجفاف، فتبعاً للوثائق التي تصل إلى ما يقرب الـ200 صفحة، فإنه من الأكثر احتمالاً أن تكون ظواهر الجفاف ناجمة عن النمو السكاني والسياسات الحكومية، من أن تكون ناتجة عن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون وآثاره، إلّا أن الباحثين اختتموا تقريرهم هذا بالقول بأن الجفاف في سوريا مثلاً أصبح أسوأ حالاً بسبب نقص الأمطار المرتبطة بتغير المناخ.

بحسب مارتن هورلينغ، محرر التقرير وعالم الأرصاد الجوية في (NOAA)، فإنه لا يوجد أي سيناريو شامل يناسب جميع أنواع الحالات الجوية، فالأمر يتطلب تحليلاً محدداً لكل حالة تبعاً لوقائعها المستقلة.

الجدير بالذكر بأنه لم يتم إيجاد صلة قوية بين تغير المناخ وحرائق الغابات التي حدثت في الغرب الأمريكي في العام الماضي، أو فصل الشتاء القاسي الذي حل على الغرب الأوسط، والذي كان يرتبط بشكل أكبر مع وجود نمط من الرياح الغير عادية في المحيط الهادي، ولكن مع ذلك فقد أضاف المؤلفون بأنه حتى عندما لا يكون هناك دليل على وجود أي صلة بين الظواهر والتغير المناخي، فإن الفشل في العثور على بصمة إنسانية في هذا التغير قد يكون راجعاً لعدم كفاية البيانات أو لكون النماذج التي تم البحث فيها هي ضعيفة أساساً.

أكد المؤلفون بأنهم لم يكونوا يحاولون وصف الأسباب المباشرة والتأثير، بل يحاولون تحليل الاحتمالات على أساس النماذج الحاسوبية وغيرها من العوامل.

درس البحث الذي يتحدث عن أعاصير هاواي، والذي أجراه الدكتور هيرويوكي موراكامي، وهو باحث مشارك في جامعة برينستون، وزملاؤه العديد من العوامل في عين الاعتبار، بما في ذلك التقلبات والظواهر مثل ظاهرة النينيو، التي تلعب دوراً في تشكيل الأعاصير بشكل طبيعي، ولكن مع ذلك فقد كانت ظواهر تغير المناخ التي تسبب فيها الإنسان حاضرة بوضوح في النماذج، لذلك يمكن القول هنا بأن ظاهرة الاحتباس الحراري زادت من احتمال حدوث الأعاصير المدارية في هاواي.

تبعاً لهايدي كولين، وهي مؤلفة إحدى الدراسات وكبيرة العلماء في منظمة الأخبار والأبحاث (Climate Central) في برينستون، فإن الجهود المبذولة لتقييم آثار تغير المناخ مهمة جداً للتخطيط للاستجابات التي تتصدى لسوء الأحوال الجوية والعالم المتغير، حيث أن كلاً من المجتمعات والشركات والحكومات المتضررة من هذه الظواهر المناخية القاسية يطالبون على نحو متزايد بتقييم موضوعي للأسباب.

أضافت الدكتورة كولين، التي ترأس برنامج مقاربة الطقس العالمي، وهو تحالف دولي تأسس لتحديد الروابط بين المناخ وظواهر الطقس القاسية بسرعة، بأنه في بعض الحالات، أصبح بمقدور العلماء تحديد العلاقة بين الظواهر المناخية القاسية وارتفاع درجات الحرارة على المدى الطويل، بدلاً من جعل جماهير تعتمد على تكهنات لا تستند إلى العلم.

وفقاً لمايكل إي. مان، خبير المناخ في جامعة ولاية بنسلفانيا، فإن ارتفاع درجات الحرارة الحالي الذي وصل إلى مستوى حوالي 1.5 درجة فهرنهايت في جميع أنحاء العالم -وأكثر من ذلك قليلاً في أمريكا الشمالية والقطب الشمالي- قد أثر جذرياً على جميع ظواهر الأرصاد الجوية، وليس فقط على تلك التي جاء ذكرها في الدراسة.

كما أضاف الدكتور مان، بأن العمل والنقاش حول هذا الموضوع كان مفيداً للغاية، حيث أن هذا النقاش يؤكد بشكل خاص على أن السؤال لم يعد ما إذا كان هناك تأثير لتغير المناخ على الظواهر الجوية القاسية، بل أصبح ببساطة يبحث في حجم ومدى هذا التأثير.

 

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير