التصنيفات: معلومة طبية

هل تجدّد أدمغتنا الخلايا العصبية الخاصة بها بعد البلوغ؟

لأكثر من قرنٍ مضى، بقي اعتقاد علماء الأعصاب راسخًا، بأن دماغ الإنسان ينهي تكوين جميع الخلايا العصبية بعد ولادته بفترةٍ قصيرة، ولكن أبحاثًا جديدةً جرت على مدى العقدين الماضيين شكّكت في تلك المسلّمة، وأعطت أدلّةً على أن الخلايا العصبيّة لدى عدّة كائناتٍ حيّةٍ –منها الإنسان- تستمرّ في النشوء والتجدّد حتّى بعد البلوغ، وهو الأمر الذي قد يوصلنا فهمه والتعمّق فيه، إلى اكتشاف طرقٍ جديدةٍ في علاج أمراضٍ بدت مستعصيّة، كالزهايمر والأمراض العصبيّة التنكسيّة، وحتّى الاكتئاب.

بحثان حديثان أفرزا نتيجتين متناقضتين بشكلٍ صارخ، جدّدا الجدل المثار حول ذلك الأمر، فماذا كان مضمونهما؟

البحث الأوّل نُشر في مجلة Nature بتاريخ 15 آذار/مارس الماضي، وأجراه الدكتوران آرتورو ألفاريز بويلا وشون سوريليس من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وهو يدعم الاعتقاد القديم بأن تكوين الخلايا العصبية يحدث بشكلٍ نادرٍ جدًا عند البالغين.

أما الآخر فقد أجراه الدكتوران ماورا بولدريني ورينيه هين من جامعة كولومبيا، ونُشر في الخامس من نيسان/أبريل الجاري في مجلة Cell Stem Cell، وهو يدعم النظريّة الحديثة القائلة بأن تكوّن الخلايا العصبية يبقى مستمرًا حتى سنّ البلوغ بمعدلٍ شبه ثابت.

الانسجة العصبية في الدماغ

قام البحثان على فحص عينات أدمغةٍ لأشخاصٍ ماتوا حديثًا باستخدام تقنيةٍ تُدعى immunostaining، وهي تقنيّةٌ تستخدم الأجسام المضادة التي ترتبط ببروتيناتٍ محددةٍ وتميّزها بألوان معينة، وبواسطة تلك التقنيّة، وجّه كلا الفريقين اهتمامه إلى DCX و PSA-NCAM، وهما بروتينان يوجدان في الخلايا العصبية المتكوّنة حديثًا بنسبٍ أعلى من الخلايا القديمة، حيث راقبوا بشكلٍ خاصٍّ منطقة الحصين hippocampuses “الصورة أعلاه”، وهما قسمان من الدماغ يشاركان في تشكيل الذاكرة، وهي العملية التي يمكن أن تُدعم بسهولةٍ عن طريق توليد خلايا عصبيةٍ جديدة.

وباستخدام DCX و PSA-NCAM كمؤشراتٍ للخلايا العصبية الفتيّة، يوضّح بحث (بويلا وسوريليس) أن الخلايا العصبية تتكوّن بوفرةٍ في أدمغة الأجنّة والمواليد الجدد، وتنخفض تدريجيًّا بدءًا من العام الأوّل بعد الولادة، حيث بلغ أعلى سنٍّ لوحظ فيه تكوّن خلايا جديدةٍ داخل الحصين 13 عامّا، ممّا يدعم الاعتقاد التاريخي بأن أدمغة البالغين لا تولّد خلايا عصبيةٍ جديدة.

وبالمقابل، اكتشف بحث (بولدريني وهين) علامات وجود خلايا عصبيّةٍ فتيّةٍ لدى أناسٍ وصلت أعمارهم حتى ال79.

ولمعرفة سبب نشوء مثل هذه الاستنتاجات المتناقضة من أساليب بحثٍ متماثلة، جرى وضع التجربتين في ميزان المقارنة، حيث لوحظ أن بحث الفريق الأوّل اعتمد على عيناتٍ جُمعت بعد 48 ساعة من الوفاة، فيما جُمعت العيّنات التي اعتمدها الفريق الثاني في بحثه خلال مدّةٍ لم تتجاوز 26 ساعة، وهو الأمر الذي ندرك أهميّته جيّدًا عندما نعلم بأن DCX  يمكن أن ينهار خلال ساعاتٍ من الموت.

ومن ناحيةٍ أخرى، فرغم استخدام كلا الفريقين تقنيّة immunostaining، إلا أن طرق التنفيذ اختلفت في جوانب أخرى، حيث تركّز بحث الفريق الثاني حول فئة المراهقين والبالغين فقط، لذا فهم لم يلاحظوا التغيير الذي شهده (بويلا وسوريليس) في بحثهما الذي شمل أيضًا فئة الأجنّة والمواليد الجدد، والذي قدّم نقطةً مرجعيةً هامةً لفعّالية تقنيّة immunostaining، فيما استخدم (بولدريني وهين) دلائل أخرى لدعم استنتاجاتهما، مثل حجم الحصين، الذي لا يبدو أصغر في أدمغة البالغين منه عند الصغار.

وبالاطّلاع على فحوى هذين البحثين المنطقيين المتزامنين، نخلص إلى أن بعض المسلّمات العلمية القديمة باتت بحاجة إلى مزيدٍ من الأبحاث، وأن على جميع طلّاب العلم اليوم عدم التسليم بصحّة تلك الحقائق، إلّا بعد التحقق منها مرّةً تلو الأخرى.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير