التصنيفات: الصحة الجيدة

هلام قابل للحقن يمكنه ايقاف النزيف

الدم هو سائل حيوي هام يجري في عروقنا ويدور في جسمنا لمساعدتنا على الاستمرار في الحياة، وبشكل طبيعي فإن الدم يمكنه التدفق بسهولة في جميع مسارات الجسم، إلا أنه في حالات الإصابة مثل حالات البتر التي تتسبب بنزيف كبير، فإن الصفائح الدموية تندفع بسرعة نحو المكان المفتوح، لكن من الصعب جداً عليها ايقاف النزيف بشكل سريع، وإن انتظار الصفائح الدموية لتتخثر وتوقف النزيف قد يستغرق وقتاً طويلاً، وهذا الوقت قد لا يكون متوفراً في حالات الصدمات الخطيرة أو في ساحات المعركة، لذا يقوم فريق من العلماء من جامعة تكساس A & M، ومن جامعة هارفارد، ومن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالعمل على تصنيع هلام يستخدم صفائح دموية نانوية اصطناعية يمكن حقنها بالجسم لوقف النزيف.

هذا الاختراع الجديد تم وصفه في مجلة (ACS Nano)، حيث يتكون الهلام من صفائح دموية مصنّعة يتراوح حجمها بين 20 و 30 نانومتر في القطر، وتبلغ سماكتها حوالي 1 نانومتر فقط، ونتيجة لقلة السماكة فإن شكل هذه الصفائح الدموية هو أقرب للشكل ثنائي الأبعاد، تم تصميم هذه الصفيحات الدموية لتكون حوافها مشحونة بشحنة إيجابية، في حين أن وجه وظهر هذه الصفائح مشحونة بشحنة سلبية، وبذلك فإن الحواف الإيجابية تنجذب نحو الوجه والظهر المشحون بالطاقة السلبية، مما يشكل طبقة من الصفائح النانوية التي تساعد على وقف النزيف عند حقنها في مصدر النزف.

إن تصنيع هذا الهلام المساعد على التخثر واجه العديد من التحديات، حيث أنه كان يتوجب أن يتم تصميمه ليقوم فقط بالمساعدة على ايقاف النزيف وعدم التدخل بأية وظيفة أخرى بالجسم، كما أنه كان على الباحثين أن يتأكدوا بأن هذا الهلام يمكن التخلص منه عندما تنتهي مهمته، لذا تم تصميم الهلام بطريقة تعمل فيها الصفائح الدموية الاصطناعية على إغلاق الجرح عن طريق بناء هياكل صناعية تعمل بالتلازم مع عوامل شفاء الجسم الطبيعية، بمعنى أن هذا الهلام لا يقوم بإيقاف أية وظيفة شفاء طبيعية يقوم بها الجسم، بل يعمل على مساعدة عوامل الشفاء الطبيعية وتسريعها، وعند اختبار هذا الهلام على الحيوانات تبين أن خليط الصفائح الدموية الصناعية والصفائح الدموية الطبيعية ساعد على تقصير زمن التخثر بنسبة تصل إلى 77% بالمقارنة مع قدرات تخثر الدم الطبيعية، وعلاوة على ذلك، فقد قام العلماء بتصميم الهلام ليكون قابلاً للتحلل بشكل تام، أي أنه يتم امتصاصه من قبل الجرح لمرة واحدة ويتحلل ضمن طبقة الجلد بمجرد انتهاء وظيفته، وبالتالي فإن إخراج الهلام من الجسم  لا يحتاج إلى أي تدخل أو عمل جراحي.

يقول مهندس الطب الحيوي (أخيليش جاهروار)، المؤلف الرئيسي للدراسة، بأن هذا الهلام الاصطناعي يمكن أن يساعد الجنود مستقبلاً، حيث يمكن أن يتم تضمين محاقن معبئة مسبقاً بهذا الهلام ضمن صندوق الاسعافات الأولية الذي يحمله الجندي إلى المعركة، ويمكنه استعمال هذه الحقن لإنقاذ حياته في حال تعرضه لجرح نازف على أرض المعركة، ويضيف (جاهروار) بأن هذه التقنية بحاجة من خمس إلى سبع سنوات حتى تصل إلى أرض الواقع ويتم استعمالها ضمن غرف الطوارئ أو على أرض المعركة، ومن غير المستغرب أن نعرف أن مكتب أبحاث الجيش الأمريكي يدعم هذه الدراسة، من أجل العمل بأقصى سرعة لإيصال الهلام الاصطناعي الى أرض المعركة.

يشير (جون ستينبوغ) المسعف العسكري السابق، بأن هذا الهلام الاصطناعي هو اختراع واعد ومختلف عن الرغوة التي يتم استعمالها في حالات الطوارئ لإيقاف النزيف، كون الرغوة خفيفة وتنجرف مع مسار الدم، أما الهلام فهو كثيف جداً وبالتالي فإن بإمكانه الدخول إلى تجويف الجرح، والتشبث في التجويف لإيقاف النزيف، بدون أن ينجرف مع الدم نتيجة لضغط الدم، ولكن (ستينبوغ) يشير إلى أنه من غير المعروف بعد فيما اذا كان الهلام قادراً على العمل في درجات الحرارة المنخفضة جداً، فمن المؤكد أن عدم قدرة الهلام على العمل ضمن درجات الحرارة المنخفضة ستكون نقطة ضعف قاتلة به، فمثلاً إذا كانت أرض المعركة تقع في جبال افغانستان حيث قد تصل درجة الحرارة إلى -15، وكان المسعف يحاول تضميد جرح لجندي مصاب، هل سيتجمد الهلام ؟ وهل سيعمل الهلام بشكل صحيح ضمن هذه الدرجات المنخفضة من الحرارة ؟

بشكل عام، فإن فكرة استخدام الهلام لإيقاف النزيف هي ليست فكرة جديدة، حيث عملت شركة (Suneris) سابقاً على تصنيع هلام (VetiGel) المصمم للتطبيق على الجروح لايقاف النزيف، ولكن (VetiGel) لا يستعمل تقنية الصفائح الدموية النانوية، بل يستعمل بوليمر النباتات المستخرج من جدران خلايا النباتات، ويعمل الهلام عندما يتجه نحو النسيج النازف على التجمّع لتشكيل حاجز على شكل شبكة بطريقة ميكانيكية، هذه الشبكة تساعد الجسم على إنتاج الألياف بسرعة كبيرة، وفي أقل من 10 ثواني يتوقف أي نزيف، سواء أكان النزيف ناتجاً على قطع الشرايين أم كان ناتجاً عن تهتك الكبد.

إن الخطوة التالية لتطوير الهلام الاصطناعي هي جعله مركب نشط بيولوجياً، فحالياً الهلام قادر على إيقاف النزيف، ولكنه غير قادر على تحفيز عملية شفاء الجروح، لذا فإن فريق البحث يعمل حالياً على تطوير استجابة بيولوجية للهلام، بحيث يعمل الهلام على وقف النزيف أولاً، ومن بعدها يحفّز عملية شفاء الأنسجة التالفة، ويتوقع أن يتم تطوير الاستجابة البيولوجية من خلال دمج جزيئات إشارة في الهلام الاصطناعي، لتحفيز بناء الأوعية الدموية في النسيج التالف، كون تكوين الأوعية الدموية يساعد بشكل كبير على تجديد وشفاء الأنسجة التالفة .

أخيراً، فإن كل ما نشر عن هذا الهلام حتى الآن هو مجرد توقعات وأمنيات، ومن المبكر جداً التحدث عن مستقبل الهلام الصناعي، حالياً كل ما نعرفه هو أن هذا الهلام هو من ضمن الأدوية التي تستطيع ايقاف النزيف لدى الفئران، ولكن لا يمكننا التأكد أنه قادر على أداء عمله عند استعماله على البشر، لذا لا بد لنا أن ننتظر حتى نستطيع تقييم هذا المنتج بشكل دقيق ومحدد.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير