التصنيفات: الاحتباس الحراري

نهاية العالم كما نعرفه .. هذه الأسباب تخيف العلماء

العالم بأسره قلق حقًا بشأن جميع الأحداث المناخية المتطرفة التي تضرب المجتمعات في جميع أنحاء الكوكب فهل هي نهاية العالم .. فقد تصدرت كارثة زلزال المغرب وإعصار ليبيا عناوين الأخبار، لكنهما لم يكونا الوحيدين، فخلال الأسابيع الأخيرة، ضرب المناخ المتطرف أكثر من 10 دول من بينها الهند وتركيا واليونان وبلغاريا، وجميعها تعرضت لنفس الإعصار الذي ضرب ليبيا، وضربت عواصف وفيضانات إسبانيا وتايوان وجنوب إفريقيا والصين والولايات المتحدة. 

لا تبدو هذه الكوارث المتزامنة والمتكررة عادية في رأي العلماء، لكن الأمر لا يتوقف على هذا الحد، وما يقلق أكثر هو العلامات المتزايدة على تضاؤل مرونة الكوكب، ففي دراسة نُشرت في مجلة “Science Advances”، دق الباحثون ناقوس الخطر بشأن العواقب المحتملة لعدم أمان الأرض لحياة البشر فيها، وحذروا من تجاوزنا للعوامل التي تهدد الحدود الآمنة للحياة على سطح الأرض.

نهاية العالم – الحدود الكوكبية

في عام 2009، وضع مجموعة من علماء الأرض والنظام البيئية بقيادة يوهان روكستروم من مركز ستوكهولم وويل ستيفن من الجامعة الوطنية الأسترالية، لأول مرة، 9 من “الحدود الكوكبية” التي تحافظ على بيئة الأرض مماثلة لبيئة العالم الذي عاش فيه البشر خلال الجزء ما قبل الصناعي من العصر الهولوسيني أو “العصر الحديث”، الذي يمثّل الفترة الأخيرة من الزمن الجيولوجي. 

استمرت هذه الفترة الزمنية لحوالي العشرة آلاف سنة الماضية منذ نهاية العصر الجليدي الأخير، وقد أثبتت أنها بيئة مستقرة نسبيًا للأرض، حتى بدأت الثورة الصناعية وبدأ البشر في حرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري وانبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي، وهذا يعني أن النشاط البشري حوِّل الأرض إلى عالم ربما لم يعد يدعم بشكل كاف المجتمعات التي بنيناها. 

تقدم الدراسة التي أعدها فريق علماء لجنة الأرض أدلة مثيرة للقلق على أن كوكبنا يواجه أزمات متزايدة تتعلق بتوافر المياه، وصيانة النظام البيئي، وتلوث الهباء الجوي.

منذ عرضه لأول مرة، وتحديثه في عام 2015، عندما أمكن تقييم سبعة معايير فقط، نال نموذج “الحدود الكوكبية” – وهي حدود الأنظمة العالمية الرئيسية مثل المناخ والمياه وتنوع الحياة البرية – الثناء لعرضه مختلف العوامل المتشابكة – بما يتجاوز تغير المناخ وحده – التي إذا تجاوزتها الأرض فإن قدرتها على الحفاظ على كوكب صحي معرضة لخطر الفشل. 

اليوم، تقول الدراسة إن الأرض رسبت في ستة من أصل تسعة “حدود كوكبية” قد تم تجاوزها بسبب التلوث الذي يسببه الإنسان وتدمير العالم الطبيعي، وبناءًا على هذا لم تعد آمنة، الثلاثة معايير الوحيدة التي نجحت فيها الأرض هي حموضة المحيطات وصحة الهواء وطبقة الأوزون، لكن اثنين منهما على وشك الانهيار: تحمض المحيطات وتلوث الهواء.

بالنسبة للحدين اللذان يسيران في الاتجاه الخطأ، قيَّم التحليل تلوث الهواء لأول مرة، مما يؤثر على نمو النباتات والأمطار الموسمية، ووجد أن هذا الحد قد تجاوز حدود الكوكب في بعض المناطق مثل جنوب آسيا والصين، ولكن ليس على مستوى العالم بعد، كما تم تقييم تحمض المحيطات على أنه يزداد سوءًا، ويقترب من تجاوز الحدود الآمنة للحياة على الأرض.

في حين أن الحدود الوحيدة غير المهددة هي طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، بعد أن أدَّت الإجراءات للتخلص التدريجي من المواد الكيميائية المدمرة في العقود الأخيرة إلى تقلص ثقب الأوزون. 

وتضمن البحث الجديد، الذي نُشر في مجلة Science Advances، واستند إلى 2000 دراسة، مستويات ثاني أكسيد الكربون وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث الكيميائي وتحميل الهباء الجوي وتغير النظم الأرضية واستخدام المياه العذبة ودورات النيتروجين والفوسفور. 

لا تقف أي من هذه الحدود في عزلة؛ ففي حالة تخطي أحد هذه العناصر للحدود، فإنه من المتوقع أن تحدث تأثيرات خطيرة لا رجعة فيها على نظام الأرض، على سبيل المثال، يمكن أن تؤثر التغيرات في استخدام الأراضي على التنوع البيولوجي، ويؤثر ثاني أكسيد الكربون على تحمض المحيطات.

يكافح البشر أيضًا من أجل تحقيق أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة، والتي تم تصميمها لمعالجة التحديات البيئية والمجتمعية، مثل الجوع وعدم المساواة بين الجنسين، جنبًا إلى جنب. 

وتشير النماذج المناخية المعروفة أيضًا باسم نماذج الدوران العامة أو “GCMs” إلى أنه تم تجاوز الحدود الآمنة لتغير المناخ في أواخر الثمانينيات. 

وقد تناول تقييم ذو صلة، نُشر في مايو/ أيار الماضي، حدود الكواكب جنبًا إلى جنب مع قضايا العدالة الاجتماعية، ووجد أن النشاط البشري دفع العالم إلى منطقة الخطر في 7 من أصل 8 مؤشرات تم تحديدها حديثا للسلامة والعدالة الكوكبية، وفقًا لتحليل رفاهية الأرض.

وبالذهاب إلى ما هو أبعد من اضطراب المناخ، تقدم الدراسة التي أعدها فريق علماء لجنة الأرض أدلة مثيرة للقلق على أن كوكبنا يواجه أزمات متزايدة تتعلق بتوافر المياه، وصيانة النظام البيئي، وتلوث الهباء الجوي، وتشكل هذه الأزمات تهديدات لاستقرار أنظمة دعم الحياة وتؤدي إلى تفاقم المساواة الاجتماعية.

يعد تدفق المياه أحد المؤشرات الثمانية للصحة العالمية

وتعد الدراسة، التي نشرت في مجلة “Nature” المحاولة الأكثر طموحًا للجمع بين العلامات الحيوية لصحة الكوكب ومؤشرات رفاهية الإنسان، وتحدد سلسلة من المعايير “الآمنة والعادلة” للكوكب والتي يمكن مقارنتها بالعلامات الحيوية لجسم الإنسان، فبدلاً من النبض ودرجة الحرارة وضغط الدم، فإنه ينظر إلى مؤشرات مثل تدفق المياه واستخدام الفوسفور وتحويل الأراضي. 

كيف فقد الكوكب مرونته؟

رغم أن العوامل التسعة الإجمالية نفسها هي نفس تلك التي تم تحديدها لأول مرة قبل 15 عامًا تقريبًا إلا أن الأمر الجديد في هذه الدراسة هو أنها المرة الأولى التي يتم فيها قياس الحدود التسعة جميعها، وضبط بعض تفاصيل هذه الحدود، ويقول الباحثون إن التقييم يمثل “أول فحص صحي علمي للكوكب بأكمله”.

النتيجة الأكثر إثارة للقلق هي أن الحدود البيولوجية الأربعة التي تغطي العالم الحي كانت عند أو قريبة من أعلى مستوى للخطر، وفي مقدمتها تدفقات الفوسفور والنيتروجين في البيئة، وكلاهما من العناصر الحيوية للحياة، ويستخدمان على نطاق واسع كأسمدة للمحاصيل، وينفذان بحرية إلى النظم البيئية، لكن الاستخدام المفرط للأسمدة يعني أن العديد من المياه ملوثة بشدة بهذه العناصر الغذائية. 

وتشكل هذه المغذيات مجالاً آخر مثيراً للقلق لأن المزارعين في البلدان الأكثر ثراءً يرشون كميات من النيتروجين والفوسفور تفوق قدرة النباتات والأراضي على امتصاصها، ويطلق البشر مواد كيميائية تحتوي على هذه العناصر في البيئة بكميات أكبر بكثير من الحدود التي حسبها العلماء، ويؤدي هذا إلى زيادة الغلة بشكل مؤقت، لكنه يؤدي أيضًا إلى مما قد يؤدي إلى تكاثر الطحالب الخطيرة ونشوء مناطق ميتة في المحيطات.

يمكن أن يؤدي النيتروجين والفوسفور الزائد في البحيرات والمسطحات المائية الأخرى من الأراضي المخصبة إلى تكاثر الطحالب الخضراء الكثيفة الضارة بالأنواع المائية.

وفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تتم إضافة ثلاثة أضعاف المستوى الآمن من النيتروجين إلى الحقول كل عام، ومنذ عام 1950، تضاعف حجم هذه المناطق في المحيطات التي لا تحتوي على أكسجين 4 مرات، في حين تضاعف عدد مواقع الأكسجين المنخفضة للغاية بالقرب من السواحل 10 أضعاف، ولا تستطيع معظم الكائنات البحرية البقاء على قيد الحياة في هذه المناطق، وقد تؤدي الاتجاهات الحالية إلى الانقراض الجماعي على المدى الطويل، مما يهدد بعواقب وخيمة على مئات الملايين من الأشخاص الذين يعتمدون على البحر.

ومن الحدود الأخرى التي تم انتهاكها بشكل واضح تغير المناخ، والذي قام الباحثون بتقييمه بطريقتين. أولاً، أخذوا في الاعتبار تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، والذي يبلغ الآن 417 جزءًا في المليون، في حين قدر العلماء سابقًا أنه كان 280 جزءًا في المليون فقط قبل الثورة الصناعية، وحددوا الحد الآمن عند 350 جزءًا في المليون، والذي تم تجاوزه في عام 1987.

وأخذ العلماء في الاعتبار أيضًا التأثير الإشعاعي، وهو مقياس لتوازن الطاقة من ضوء الشمس الذي يضرب الأرض، مقارنة بالطاقة الحرارية التي يفقدها الكوكب. وعلى الجبهتين، اكتشف الفريق أننا نعمل حاليًا خارج الحدود الكوكبية الموصى بها، لكن إحدى الرسائل الرئيسية للبحث هي أن سلامة العالم الحي (المعيشة بسلام) لا تقل أهمية عن المناخ، على الرغم من الطريقة التي يهيمن بها المناخ على المحادثات حول مستقبل الأرض كما تقول كاثرين ريتشاردسون، عالمة أنظمة الأرض في جامعة كوبنهاغن. 

بالنسبة للمناخ أيضًا، فقد تبنى العالم بالفعل هدفًا يتمثل في إبقاء التدفئة العالمية عند أدنى مستوى ممكن بين 1.5 درجة مئوية إلى 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وتشير لجنة الأرض إلى أن هذا مستوى خطير لأن الكثير من الناس يتأثرون بشدة بالفعل بالحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات التي تأتي مع المستوى الحالي البالغ حوالي 1.2 درجة مئوية، ويقولون إن الهدف المناخي الآمن والعادل هو درجة مئوية واحدة، الأمر الذي سيتطلب جهدًا هائلاً لسحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ويشيرون إلى أنه من المستحيل تحقيق استقرار المناخ دون حماية النظم البيئية.

مزيد من التجاوزات

بالنسبة لـ”فقدان التنوع البيولوجي” الذي يطلق عليه “سلامة المحيط الحيوي”، وتشمل الأداء الصحي للنظم البيئية، قد تم تجاوزه في أواخر القرن التاسع عشر، حيث أدَّى تدمير العالم الطبيعي إلى تدمير الحياة البرية، وجرى تقييمه بالنظر إلى معدل الانقراض، وقدَّر الباحثون بشكل متحفظ أنه يبلغ حاليًا حوالي 100 ضعف معدل الخلفية، ويعني نفس الدمار، وخاصة إزالة الغابات، أن حدود استخدام الأراضي قد تم تجاوزها في القرن الماضي. 

خلصت دراسة أجريت عام 2022 إلى أن مزيج التلوث الكيميائي الذي يعم كوكب الأرض، مثل المبيدات الحشرية والمواد البلاستيكية والنفايات النووية، قد تجاوز حدود الكوكب.

ومن بين التقييمات التي تم النظر فيها حديثًا في التحليل الحالي هو المستوى الإجمالي “للإنتاج الأولي” (أي التمثيل الضوئي) حول الكوكب كتقدير للسلامة الوظيفية للأنظمة البيئية، وأثبت الفريق أن الإنتاج الأولي كان ثابتًا نسبيًا عبر عصر الهولوسين. واليوم، يقدر الباحثون أن البشر قد اختاروا حوالي 30% من الإنتاج الأولي لأغراضهم الخاصة، وذلك بشكل فعال من خلال الطعام الذي نحصده ونأكله، وقبل الثورة الصناعية، كانت النسبة 2% فقط.

أما الحد الرابع الأكثر إثارة للقلق فيمثل المواد الكيميائية الاصطناعية التي تملأ جزءًا كبيرًا من الحياة الحديثة، وهي تشمل انبعاثات المركبات السامة مثل الملوثات العضوية الاصطناعية والمواد المشعة، ولكن أيضا الكائنات المعدلة وراثيًا، والمواد النانوية، والمواد البلاستيكية الدقيقة، ومركبات “ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان” أو كما يعرف باختصاره الشهير “دي دي تي” (DDT)، طويلة الأمد وواسعة الانتشارـ والتي تؤدي إلى ترقق قشر بيض الطيور مثل النسور بشكل خطير، ومواد البيرفلوروالكيل، والبولي فلورو ألكيل، المعروفة باسم “PFAS”، والمواد الكيميائية السامة التي تُعرف بـ”المواد الكيميائية إلى الأبد” التي أدرك العلماء أنها موجودة في كل مكان تقريبًا.

ويهدد التلوث الكيميائي أنظمة الأرض من خلال الإضرار بالعمليات البيولوجية والفيزيائية التي تقوم عليها جميع أشكال الحياة. على سبيل المثال، تقضي المبيدات الحشرية على العديد من الحشرات غير المستهدفة، والتي تعتبر أساسية لجميع النظم البيئية، وبالتالي لتوفير الهواء النظيف والماء والغذاء.

ولا تتسق الوتيرة التي تنتج بها المجتمعات وتطلق مواد كيميائية جديدة في البيئة مع البقاء ضمن مساحة عمل آمنة للبشرية، فقد تضاعف إنتاج المواد الكيميائية بمقدار خمسين مرة منذ عام 1950، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات مرة أخرى بحلول عام 2050، ويتجاوز الوضع الحالي هذا الحد بكثير، ففي الاتحاد الأوروبي وحده، تم استخدام نحو 80% من المواد الكيميائية التي يصنعها الإنسان دون اختبار لأكثر من عقد من الزمن. 

وخلصت دراسة أجريت عام 2022 إلى أن مزيج التلوث الكيميائي الذي يعم كوكب الأرض، مثل المبيدات الحشرية والمواد البلاستيكية والنفايات النووية، قد تجاوز حدود الكوكب، ما يهدد استقرار النظم البيئية العالمية التي تعتمد عليها البشرية منذ آلاف السنين.

هناك حدود أخرى تم تجاوزها تتعلق باستخدام الأراضي. على وجه التحديد، قام الباحثون بقياس كمية فقدان الغابات، ووجد الباحثون أن 60% فقط من الأراضي التي كانت غابات لا تزال على حالها. ويقولون إن 75% يمثل حافة الأمان بسبب دور الغابات في تعديل مناخنا وإبقائه صديقًا للإنسان.

صياد على شاطئ مغطى بسمك السردين الميت نتيجة لتكاثر الطحالب التي تمتص الأكسجين من الماء في تيموكو، تشيلي.

الحدود التي تم تجاوزها منذ الإصدار السابق من هذا التحليل تمشل أيضًا استخدام المياه العذبة، وهي فئة تعكس الآن التغييرات في كيفية تعامل الباحثين مع هذه الحدود، وأظهر مقياس جديد يشمل مياه البحيرات والأنهار وفي التربة، أن هذه الحدود قد تم تجاوزها في أوائل القرن العشرين.

وكانت التحليلات السابقة تنظر فقط إلى ما يسميه العلماء “المياه الزرقاء”، والتي تشمل المياه السطحية والمياه الجوفية، وفي التقييم الجديد، أخذ الفريق في الاعتبار أيضًا “المياه الخضراء”، أكبر مورد للمياه العذبة التي لا تدخل إلى طبقات المياه الجوفية ولكن لا يمكن استخدامها إلا بواسطة النباتات.

في المجمل، ورغم، تعيين معظم الحدود عند مستوى أعلى من ذلك الذي استمر على مدى العشرة آلاف عام الماضية، يقول المؤلفون إن التشخيص الكوكبي قاتم ولكنه ليس بعيد المنال بعد، على الرغم من أن وقت العلاج ينفد، ويمكن أن يجعل العالم أقرب إلى نقطة اللاعودة.

شارك
نشر المقال:
اسراء فخر الدين