التصنيفات: متفرقات

موسوعة ستانفورد للفلسفة: الموسوعة المجانية التي استطاعت تحقيق ما كانت ويكيبيديا تحلم بتحقيقه

قد تكون موسوعة ستانفورد للفلسفة من أكثر المواقع إثارة للإهتمام على شبكة الانترنت، وذلك ليس فقط بسبب محتواها الذي يتضمن مقالات رائعة في كل شيء من قصص الغموض إلى الزومبي، ولكن بسبب الموقع نفسه، حيث أن مؤسسيها استطاعوا التوصل لحل أحد المشاكل الأساسية التي تعاني منها مواقع الإنترنت بشكل عام، وهي كيفية توفير الموثوقية، والمعرفة الدقيقة، دون أي تكلفة للقراء، ومن خلال ذلك الحل استطاعت هذه الموسوعة، أو ما يعرف باسم (SEP)، النجاح في توفير هذه الميزات لعقدين من الزمن.

يعتبر الإنترنت مستوعباً ضخماً للمعلومات، ففي مكان ما فيها – تحت أكوام الآراء، والمضاربات، والتضليل- تكمن المعرفة الإنسانية، ولكن الغوص لاستخلاص المجدي منها قد يكون عملاً صعباً للغاية، فحتى عندما تعتقد بأنك استطعت الوصول إلى كنز قيم، فإنه غالباً ما يتضح بأن هذه المعلومات هي تقليد رخيص، ولكن القصة التي تروي الطريقة التي تعمل بها (SEP)، والكيفية التي تم من خلالها إنشاء هذا الموقع، تظهر بأنه من الممكن أن يتم إنشاء مواقع إنترنت غير مملوئة بالترهات، فهي مكان يتم فيه فرز المعلومات المعرفية الفعلية بشكل أنيق، وضمن كومات منفصلة بدلاً من التي إلقائها في مكب للمعلومات، مكان يمكن للعالم أجمع أن يذهب إليه ويتعلم منه كل ما تم تأكيده ليكون صحيحاً.

الثالوث المستحيل للمعلومات

كانت بداية موسوعة ستنافورد للفلسفة على الإنترنت بداية متواضعة، حيث بدأها مؤسسها (إدوارد زالتا)، وهو فيلسوف في مركز ستانفورد لدراسة اللغة والإعلام، في أيلول من 1995، مع مدخلين فقط، وهذا يجعلها من المواقع القديمة على الإنترنت، فحتى ويكيبيديا لا يتجاوز عمرها الـ14 عاماً، ولكن في الوقت ذاته فإن موقع (SEP) ليس من المواقع القليلة الشأن وليس في الوقت ذاته من المواقع العظيمة، فالموقع حالياً يحتوي على حوالي 1500 مدخل، ويجري إدخال التعديلات عليه بشكل يومي، كما أن هناك أكثر من مليون زائر للصفحة شهرياً، وهو عدد محترم، نظراً لعدد المدخلات التي تقع تحت عناوين مثل “نظرية المعرفة التبتية وفلسفة اللغة” أو “نظرية بيرس عن الإشارات”.

كان (جون بيري)، وهو مدير المركز، أول من اقترح إنشاء قاموس للمصطلحات الفلسفية، ولكن (زالتا) كان لديه فكرة أكبر، ففي بحث قام بنشره هو وإثنين من زملائه، في عام2002، أشار (زالتا) بأن المشكلة الأساسية التي تواجه الجمهور والأعضاء الأكاديمين في عصر المعلومات، هي كيفية العثور على أحدث المعلومات وأكثرها موثوقية وشمولية حول المواضيع المهمة.

على الرغم من أن هذا البحث كان قد صدر منذ وقت طويل، إلّا أن المشكلة الأساسية بقيت من دون حل، فالمتطلبات الثلاثة التي وضعها المؤلفون في لائحتهم – وهي الموثوقية والشمولية، والتحديث – هي بالنسبة للمعلومات كـ “الثالوث المستحيل” بالنسبة للاقتصاد، حيث يمكنك أن تحصل على واحدة أو اثنين فقط في كل مرة، فالأمر يشبه كثيراً الحصول على كعكة، وتناولها، ومن ثم أخذها إلى حفلة أخرى.

إذا كان الهدف هو مشاركة المعلومات الصحيحة مع الأشخاص الآخرين، فسيكون من المهم للغاية بالنسبة للمورد أن يحصل على جميع هذه الأشياء معاً، حيث أنه يجب أن يمتلك الموثوقية، وألّا يترك أي شيء يغيب عنه، ويجب أن يمتلك آخر تحديثات المعلومات، ولكن للأسف، فإن جميع الطرق الحالية لتصميم الموسوعة قد لاقت فشلاً ذريعاً لتلبية أي من المتطلبات.

ثغرات الموسوعات الأخرى

عادة ما يثق القراء بالمقالات التي يعرفون بأنه قد تم كتابتها وتحريرها من قبل الخبراء، وذلك بالإضافة إلى كون المواد المكتوبة تعطي نظرة متماسكة حول الموضوع المطروح، حيث يأخذ المحررون بعين الاعتبار موضوع تناسب كل مدخل مع باقي المدخلات، ولكن بمجرد ظهور بحث جديد فإن هذه الكتب تصبح بالية، ولا يعود بإمكان الكتاب (أو حتى مجموعة من المجلدات) أن تكون شاملة، فببساطة هناك معلومات أكثر بكثير مما يمكن طباعته.

ولكن من جهة ثانية، فإن موسوعات الإنترنت ذات المصادر المفتوحة، تمتلك ميزة الديمومة، فمثلاً بفضل مجتمع ويكيبيديا الحي من الأشخاص غير الخبراء، فإن آخر التطورات والأخبار العاجلة دائماً ما يتم تحديثها فور حصولها، ولكن ربما باستثناء عدد قليل من المجالات التي لا يهتم بها ما يكفي من الأشخاص ذوي الإطلاع، لذلك يمكن القول بأن ويكيبيديا لا تمتلك الموثوقية اللازمة.

وبالحديث عن الثغرات، فإن (SEP) تمتلك موضوعاً مفصلاً يتحدث عن هذا الموضوع، وهي توضح بلطف أحد أوجه القصور الرئيسية في ويكيبيديا، فالثغرات أو الـ(Holes) تمثل مشكلة فلسفية صعبة، حيث أنه وتبعاً لـ(SEP)، الثغرات هي عملياً لا شيء، ولكننا نشير إليها كما لو أنها شيء واقع فعلياً، ولكن إذا ما سألت ويكيبيديا عن الثغرات فإنها ستعطيك نتائج تتحدث إما عن رواية (Holes) أو عن الفرقة التي تدعى (Hole).

بعبارة أخرى، فإن المفهوم الفلسفي للثغرات مجرد للغاية بالنسبة لموقع يستخدم المصادر المفتوحة مثل ويكيبيديا، والتي تفضل البيانات الواضحة، والواقعية، لهذا فإن نموذج ويكيبيديا لا يمكن أن ينتج موضوعاً عن الثغرات كذاك الذي ينتجه موقع (SEP).

من الموقع الأخرى المشابهة لويكيبيديا، مواقع الأسئلة والأجوبة مثل موقع (Quora) و(StackOverflow)، والذي يمكن للمستخدمين فيه طرح الأسئلة وكتابة الإجابات، وهذا يعطي هذه المواقع موثوقية أكثر قليلاً من ويكيبيديا، وذلك لأن المستخدمين يقومون أيضاً بتقييم الإجابات سلباً أو إيجاباً وفقاً لمدى الإفادة التي يرونها فيها، ولأن الإجابات التي يتم إعطاؤها عادة ما تكون من قبل مستخدمين محددين، يتم تشجيعهم على قول السبب الذي يجعلهم مؤهلين لإعطاء الإجابات، مثل “أنا مصمم واجهات التفاعل في غوغل”.

ولكن على الرغم من أنه قد يكون هناك في بعض الأحيان طرق يمكن من خلالها التحقق من مدى مصداقية الأشخاص المدونين، إلّا أن هذه الكتابات غالباً ما تكون ناتجة عن خبرات ذاتية وغير مؤكدة، وعلاوة على ذلك، فإن هذه المواقع عادة ما تكون بعيدة كل البعد عن الشمولية، حيث أن أي جواب يتم إعطاؤه، لا يكون كاملاً سوى بالمقدار الذي يحدده الكاتب، كما أن الأسئلة والإجابات تميل لأن تعكس مصالح مستخدمي المواقع، والتي عادة ما يتحكم بها في حالتي (Quora) و(StackOverflow)، المستخدمين الذكور الأمريكين والتقنيين بشكل كبير.

وعلاوة على ذلك، فإن هذه المواقع لا يتم تحديثها فوراً، ففي حين أنها قد تستجيب بسرعة للأحداث الجديدة، إلّا أن الإجابات التي تصبح قديمة لا يتم حذفها أو تغييرها بل تبقى هناك لتثقل كاهل الموقع بأعداد متزايدة من المعلومات التي لا معنى لها والتي عفا عليها الزمن.

حل ستانفورد

فإذا، هل يمكن القول حقاً بأن الثالوث المستحيل مستحيل تماماً؟ الأمر ليس كذلك وفقاً لـ(زالتا)، الذي كان يتصور نموذجاً مختلفاً لـ(SEP)، وهو العمل المرجعي الحيوي.

بغية تحقيق التحكم، قام العشرات من محرري المواضيع، المسؤولين عن مجالات واسعة مثل “الفلسفة القديمة” أو “نظرية المعرفة الرسمية”، بتحديد الموضوعات التي تحتاج لأن يتم تغطيتها، ودعوا مجموعة من الفلاسفة المؤهلين لكتابة المقالات عنها، فإذا تم قبول الدعوة، يقوم الفيلسوف بإرسال موجز لمحرري الموضوعات ذات الصلة.

تبعاً لـ(سوزانا سيجل)، وهي رئيسة تحرير الموضوعات التي تخص فلسفة العقل، فإنه عند هذه المرحلة، يبدأ المحرر بالعمل مع المؤلف للحصول على المخطط الأمثل قبل أن يبدأ الكاتب في الكتابة، وفي بعض الأحيان يكون هناك العديد من الأخذ والرد في هذه المرحلة، حتى أن المحررين قد يرفضون المادة المعطاة للنشر بالكامل، ولكن بحسب (زالتا) و(يوري نوديلمان)، كبير المحررين في (SEP)، فإن هذا لا يحدث أبداً تقريباً، وإذا ما حدث في حالات نادرة، فإن السبب عادة ما يكون راجعاً إلى أن الموضوع يكون منحازاً بشكل كبير، وباختصار، فإن هذه الموسوعة ليست المكان ليقوم أي شخص بالإجابة على السؤال المطروح كما هو الحال في موقع (Quora).

يعمل مسؤولو التحرير ، (زالتا)، (نوديلمان)، و(كولن ألن)، على جعل (SEP) موسوعة شاملة، حيث أنهم يحاولون توجيه الموسوعة بعيداً عن “ثغرات ويكيبيديا” – الحاجة لفتح صفحات لا نهائية من تعريف المصطلحات من ويكيبيديا من أجل فهم الموضوع الذي في متناول يدينا- فتبعاً لـ(نوديلمان) المحررين يحاولون أن يطلبوا من كتابهم كتابة مواضيع تحتوي على جميع التعاريف المبهمة في مضمونها.

بالطبع، ليست مقالات واحدة هي كل ما يجب أن يكون شاملاً، بل الموسوعة ككل، وهذا ما يفعله المجلس أيضاً، حيث أنهم يبحثون عن المقالات الطويلة التي ينبغي أن يتم تقسيمها، أو حيث ينبغي لمقالة أن تدمج بأخرى، كما ويساعد محررو المواضيع في هذا الموضوع أيضاً، وذلك من خلال تحديد المجالات التي تتطلب المزيد من الاهتمام.

ولكن هل يمكن أن يتم تحديث شيء دقيق إلى هذه الدرجة؟ لقد وجد المحررون طريقة للتأكد من ذلك، فمن المتوقع أن تحتوي المدخلات الجديدة على أحدث المعلومات والبحوث حول موضوع معين، فبمجرد نشر المقالة، يبدأ العد العكسي من جديد، وفي غضون أربع سنوات بالضبط – أو قبل ذلك إذا ما حدث تطور ملحوظ في البحوث- يكون على المؤلف تسليم مقالة جديدة تحتوي على آخر التحديثات حول الموضوع مرة أخرى.

بذلك، يكون لكل موضوع جدول نشر خاص به،  وبحسب (زالتا) فإن هذه هي الطريقة المنطقية الوحيدة التي يمكن من خلالها الحفاظ بطريقة أو بأخرى على مواكبة جميع الموضوعات المحيرة للأحداث الجديدة، ويضيف (نوديلمان) بأن الموسوعة تحتوي أيضاً على تحديثات وتغييرات يومية، حيث أن قسم “ما الجديد”، الذي دائماً ما يتغير باستمرار، يظهر التنقيحات والإضافات التي يتم إدخالها على صفحات (SEP) في كل يوم.

إن التحديثات تأتي من مجموعة متنوعة من المصادر، حيث يقول بعض كتاب (SEP) ومحرريها بأن الموسوعة تستخدم في الكثير من الأحيان الجمهور باعتباره مرجعاً وأداة للتعلم في ذات الوقت، وهذا يعني أنه بإمكان الفلاسفة الذين يعتبرون بعضاً من القراء الأساسيين لموسوعة (SEP)، لفت نظر الكتاب أو المحررين حول المواضيع الغير صحيحة أو الناقصة، كما ويتم تشجيع القراء المطلعين على فعل الشيء نفسه أيضاً، حتى ولو لم يكونوا من الفلاسفة.

إن حقيقة اعتماد هذه الموسوعة على مؤلفين ومحررين معينين، ساعد على تسهيل العمل فيها، حيث أن أي خطأ يمكن أن يقع بالمقالات، سيكون بالإمكان التحدث عنه مع شخص حقيقي، وهو أمر غير ممكن الحدوث في حالة ويكيبيديا، وإذا ما كان المؤلف بطيئاً أو غير راغب في الرد، فإن هيئة التحرير تنقل مسؤولياته إلى فيلسوف أنشط.

يمكن للفرد أن يكون أكثر حكمة من الجمهور

هناك مجموعة من الفوائد الأخرى لهذا النهج، وأهمها إعطاء الموسوعة ما يدعوه (زالتا) بـ”صوت المؤلف” فبعد الغوص بشكل دائم في قمامة الإنترنت، يصبح من السهل أن ننسى ما يعنيه بالضبط أن تكون المادة مكتوبة من قبل كاتب محترف فعلي يمتلك المعرفة العميقة في المادة التي نقرؤها.

إلى جانب ذلك فإن هذا الصوت يتجنب ميل المصادر المفتوحة لأن تكون غير قابلة للجدل بطريقة غير مفيدة، فلفترة طويلة، كانت ويكيبيديا تميل لوصف (إيمانويل كانت) بأنه أحد الشخصيات المحورية في الفلسفة الحديثة، في حين تصفه (SEP) بكل ثقة بأنه الشخصية المحورية في الفلسفة الحديثة، وعلى الرغم من أن الفارق هو كلمة واحدة فقط، لكنه يعكس إجماع المجتمع الفلسفي وينقل أهمية (كانت) الحقيقية.

من الفوائد الأخرى لعدم اعتماد (SEP) على المصادر مفتوحة، هي حصول آراء الأقليات على مزيد من الاهتمام، حيث وجد مسح تم إجراؤه من قبل ويكيميديا، المؤسسة الأم لويكيبيديا، بأن حوالي 90% من المتطوعين هم من الرجال، حيث يمكن اعتبار المواضيع التي تتحدث عن البوكيمون أو نجمات الأفلام الإباحية شبه شاملة، في حين أن صفحاتها التي تتحدث عن  الكاتبات الروائيات أو الدول الأفريقية التي تقع جنوبي الصحراء الكبرى ليست واضحة تماماً، والشيء نفسه ينطبق على فكرة مهمة في الفلسفة، وهي النسوية، فنظرة عامة لويكيبيديا توضح لنا بأن موضوع الفلسفة النسوية ناقص وميؤوس منه، في حين تعد (SEP) من ناحية أخرى، مكاناً لعشرات المواضيع البحثية الدقيقة حول الموضوع.

من الذي يدفع أجور الفلاسفة؟

قد يعتقد البعض بأن هذا المجهود المبذول في (SEP) ناجم عن عطاء سخي ممنوح من قبل ممول ثري للمؤلفين وعدد كبير من الموظفين المحررين، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، فالحقيقة أن ستانفورد تدفع معظم تكاليف التشغيل، بالإضافة إلى دفع رواتب ثلاثة أشخاص من الطاقم، وهم (زالتا)، و(نوديلمان) و(ألين)، وخمسة من موظفي ستانفورد الآخرين الذين يقضون 20% من وقتهم في الدعم التقني للموقع، أما بالنسبة للكتاب، ولعشرات المحررين، فهم لا يحصولون على أي مردود مادي لتعبهم، وعلى الرغم من هذا، بيدو بأن جميع الكتاب والمحررين سعيدين بهذه الترتيبات.

هناك عدة أسباب تجعل المساهمين على استعداد لبذل ذلك الوقت تطوعياً، فأولاً، هناك بالفعل أشياء كثيرة قد يكونون مهتمين بها بشدة، حيث أشار (بيتر آدمسون)، وهو مؤلف مشارك في (SEP)، بأن المواضيع التي كتب عنها في الموسوعة كان قد كتب عنها مسبقاً العديد من الأبحاث، كما تشير (سيجل) بأن عملها في التحرير سمح لها بمواكبة قطاعات مثيرة للاهتمام في هذا المجال.

من جهة ثانية، فإن (SEP) تسمح للفلاسفة الأكاديميين بالوصول إلى جمهور أوسع، وهذا يساعدهم في الحصول على الشهرة وطرح أفكارهم التي يعتقدون بأنها مهمة للمتلقين خارج الجامعات والمؤتمرات، ولكن الدافع الرئيسي الذي يدفع الكتاب للمساهمة في (SEP)، هو ببساطة تعزيز المؤسسة الفلسفة عن طريق خلق مكان لتوفير فهم أفضل.

لدفع المصاريف الجارية التي لا يتم تغطيها من قبل ستانفورد، فإن الفريق قد حصل على ما يقارب من مليوني دولار بشكل منح على مدى الـ15 عاماً الأولى، ولكنهم يسعون للحصول على شيء أكثر استدامة، حيث أنهم قاموا باستئجار مستشار للأعمال، يدعى (خافيير ارجويتا)، الذي اقترح فكرة توفر الآن حوالي ثلث ميزانية تشغيل الموقع، حيث طلبت (SEP) من المكتبات الأكاديمية أن تقدم مساهمة لمرة واحدة، وذلك ليس بهدف الوصول للموسوعة، لأن الموسوعة هي مجانية أساساً، ولكن ليتمتعوا ببعض الميزات الإضافية التي يتم منحها للأعضاء، مثل القدرة على استخدام العلامات التجارية الخاصة بهم على نسخة الموسوعة، والاحتفاظ بنسخة كاملة من الأرشيف.

علاوة على ذلك، فإن تمويلهم يذهب إلى مركز هبات الـ(SEP)، الذي يتم إدارته من قبل الشركة ذاتها التي تعتني بهبات جامعة ستانفورد والتي تبلغ ميزانيتها أكثر من 20 مليار دولار، لذلك وإذا ما تم إغلاق (SEP) في أي وقت كان ولأي سبب كان، فإن ستانفورد تتعهد بإرجاع جميع أموال المكتبات التي ساهمت في (SEP) مرة أخرى، مع جميع فوائدها، وبهذا يتحول الاستثمار في (SEP) بالنسبة للمكتبات المساهمة إلى استثمار خالٍ من أي مخاطر.

هذا جعل المكتبات تصبح متحمسة، فقد استطاعت (SEP) جمع أكثر من مليوني دولار من خلال قائمة طويلة من المساهمين، بالإضافة إلى هبة ستانفورد التي بلغت مليون دولار، كما وفرت الجامعة أيضاً حوالي 60% من ميزانية (SEP) وهو ليس بالكثير بالنسبة لمثل هذه المؤسسة الغنية، أما الـ10% الباقية قد أتت من برنامج “أصدقاء SEP”، والذي أتاح للأفراد مقابل دفعهم مبلغ يتراوح بين الـ5 والـ25 دولاراً، تحميل ملفات الـ(PDF) المنسقة بشكل جيد والجاهزة للطباعة للاستخدام الشخصي، وكل هذا التفكير المبدع في مجال الأعمال يعني أن هذه الموسوعة يمكنها مواصلة العمل لفترة طويلة قد تتخطى الـ 20 عاماً.

يجب على الإنترنت أن يتعلم من (SEP)

إذا ما اعتبرنا بأن (SEP) هي حالة نادرة للغاية من المعرفة التي تم فيها فصل المعلومات المهمة عن كومة القمامة التي تجوب الإنترنت، فالسؤال هو، هل يمكننا أن نجعل معظم شبكة الإنترنت تعتمد هذا الأسلوب؟

الجواب هو أن هذا النموذج لا يمكن تطبيقه عالمياً، فوجود مواقع مثل ويكيبيديا لا يزال ضرورياً على شبكة الإنترنت، وذلك لقدرته الخارقة على توفير المقالات الأساسية عن كل شيء تقريباً، كما أن موقع (StackOverflow ) قد يوفر أفضل فرصة لجلب بعض النظام إلى العالم الدائم التغير لبرمجة الكمبيوتر، حيث تظهر وتختفي لغات وأطر برمجية مع كل إشراقة صباح.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو بأن الفلسفة هي النموذج المثالي الوحيد تقريباً الذي يمكن أن يتماشى تماماً مع نموذج (SEP)، حيث أنها منصة تسير بخطى بطيئة “حرفياً” بمساعدة من محبي الحكمة والذين هم على استعداد لبذل الكثير من وقتهم لنشر تلك الحكمة من حولهم، والجدير بالذكر أنه قد تمت محاولة تطبيق نهج (SEP) على مجالات أخرى، ولكن دون جدوى.

ولكن مع ذلك، هناك سببان يمكن أن يجعلا من نموذج (SEP) نموذجاً ممكن التكرار، أولهما هو أنه حتى التخصصات الجديدة والسريعة التطور مثل علوم الكمبيوتر والاقتصاد تمتلك مفاهيم أساسية تستحق أن يتم شرحها بطريقة شاملة وموثوقة، فموقع (StackOverflow ) مثلاً، يمكن أن يكون رائعاً في تقديم الإجابات عن الأسئلة حول البرمجيات المحددة للغاية، ولكنه في الوقت ذاته قد يفشل في تفسير الأشياء المجردة أو التقنية مثل نظرية الخوارزميات أو أساسيات التشفير، أما بالنسبة للاقتصاد، فهناك عشرات المدونات الممتازة، ولكن لا يمكن اعتبار أي منها على أنها متعمقة ومحايدة.

هذه الأفكار الجوهرية تعتبر أساسية للغاية، فمعظم المبرمجين الذين تعلموا البرمجة بأنفسهم يسعون لحل المشكلات عن طريق نسخ الكودات ولصقها مباشرة من موقع (StackOverflow )، دون معرفة مؤكدة قد يفعله هذ الكود أن أو لكيفية عمله.

السبب الثاني الذي يجعل من نموذج (SEP) نموذجاً يمكن تطبيقه في المجالات الأخرى، هو أن العمل التطوعي الذي يبذله كل من كتاب ومحرري (SEP) ليس بالشيء الجديد بالنسبة للأوساط الأكاديمية، فتحرير الأبحاث والمجلات، وغيرها من الأعمال التي تقع خارج نطاق البحوث الأكاديمية الأساسية والتدريس، عادة ما تكون غير مدفوعة في معظم المجالات.

في الوقت ذاته، ليس من الواجب أن تكون الأطراف الداعمة هي فقط أطراف أكاديمية، ففي علوم الكمبيوتر مثلاً، يمكن للشركات التكنولوجية الكبيرة أن تلعب دور ستانفورد، وتضع المال والموظفين لخدمة موسوعة موثوقة لتطوير البرمجيات، فنظراً لنقص عدد المطورين المدربين جيداً، فإن هذا سيشكل حافزاً لديها للقيام بذلك، كما أنه ومن جهة ثانية، الشركات الكبيرة تستخدم بالفعل هذا النهج، فهي تعمل على استخدام شفرات المصادر المفتوحة التي يستفيد منها المبرمجون الآخرون، بالإضافة إلى مبرمجيها.

ما الذي يتطلبه الأمر لتحقيق ذلك؟

يحتوي نموذج (SEP) على الكثير من الأفكار الذكية حول كيفية إنشاء مرجع يتخطى اختبار الزمن، من تمويل المكتبات وأرشفة الاقتباسات، إلى مواعيد تسليم المقالات وتحديثاتها، ولكن وصفة (زالتا) المطلقة لا تتطلب أي نوع من الذكاء على الإطلاق، وفقط من خلال العزيمة، يمكن تكرار هذا الإنجاز مع توفر الأشخاص المناسبين.