الصحة الجيدة

مضاد حيوي تقليدي يخفض وفيات الرضع في إفريقيا بنسبة 25%

أكّد تقريرٌ أعدّه باحثون مؤخرًا، أن جرعتين في العام من المضادات الحيوية التقليدية antibiotic، بإمكانهما خفض معدل وفيات الأطفال الرضع في الدول الفقيرة بنسبة قد تصل الى 25%.

وبعد دراسةٍ واسعةٍ شملت نحو 200 ألف طفلٍ في 3 بلدانٍ إفريقية، تزايدت الثقة في أن نشر أطباءٍ من أجل حقن تلك المضادات الحيوية للأطفال الرضع وحديثي الولادة، يمكن أن يخفّض من نسبة الوفيات المرتفعة في هذه الفئة العمرية لدى البلدان الفقيرة، علمًا بأن نسبة الوفيات بين جميع الأطفال دون سنّ ال5 أعوام، قد انخفضت بالفعل حتى النصف، بفضل اللقاحات المضادة لأمراض الطفولة.

وكنتيجةٍ لهذه الدراسة، تبحث منظمة الصحة العالمية مسألة إعطاء المضادات الحيوية لحديثي الولادة بشكلٍ روتيني، حيث يوضّح د. بير أشورون، الخبير في شؤون الأطفال والأمومة وعضو فريق الباحثين، بأن الأمر يبدو واعدًا جدًا، ولكنه يحتاج إلى مزيدٍ من المراجعة الدقيقة، مؤكدًا بأن المنظمة تسعى لاتخاذ قرارٍ في أقرب وقتٍ ممكنٍ قبل عام 2019.

كما يؤكد د.رازا إزادنيجادار، نائب مدير مؤسسة The Bill and Melinda Gates، التي قامت بتمويل تلك الدراسة، بأن مؤسسته متفائلة حيال هذا الاكتشاف، وترجو أن يساعد في الحدّ من وفيات الأطفال في تلك البلدان، التي يعيش فيها حوالي 35 مليون شاب، رغم أن فرصة وفاة الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة، تصل إلى 10%.

وتبرز عدة مخاوف جديةٍ حيال مسألة إرسال عشرات ملايين المضادات الحيوية إلى الدول الفقيرة، كإمكانية ظهور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية نتيجة كثرة استخدامها، أو فتح باب سرقة الأدوية أو إساءة استخدامها، ولكن القائمين على الدراسة – العاملين في أرقى المدارس الطبية الأمريكية والبريطانية والإفريقية وفي مركز كارتر بأتلانتا – يرون أن تلك المخاطر صغيرة، ويمكن التغلّب عليها في سبيل تحقيق الهدف الأسمى بإنقاذ حياة الأطفال، حيث يقول د. توماس ليتمان، طبيب العيون في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو وأحد معدّي الدراسة:

“في وقتٍ ما، قال الناس بأننا لا نستطيع جلب أدوية علاج فيروس الإيدز إلى إفريقيا لأنها ستخلق بكتيريا مقاومة، وهو ما كان يعني ضمنيًا أن نترك الأفارقة يموتون كي نستمر في إعطاء الأدوية داخل الولايات المتحدة؟”

وفي تفاصيل الدراسة التي نُشرت في مجلة New England of Medicine، وعرفت باسم اختبار Mordor، تم إعطاء 190238 طفلٍ دون سن الخامسة، ضمن 1500 قريةٍ في مالاوي والنيجر وتنزانيا، جرعةً واحدةً كل ستة أشهر، من عقار أزيترومايسين -أو أحد مكافآته- لمدة عامين، وأدى ذلك إلى انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال بشكلٍ عامٍ بمعدل 14٪، حيث كان الانخفاض الأكبر في النيجر، التي تملك أعلى معدل وفياتٍ بين الأطفال الرضع، وطال الفئة العمرية بين شهرٍ واحدٍ و5 أشهر، وحال دون واحدةٍ بين كلّ 4 حالات وفاة.

ويقضي عقار أزيترومايسين، الذي تصنعه شركة Pfizer  وتبيعه باسم زيتروماكس في الولايات المتحدة، على العديد من أنواع البكتيريا المسببة للالتهاب الرئوي والإسهال، والتي تعتبر قاتلًا رئيسيًا للأطفال حديثي الولادة، كما يقضي العقار على طفيليات الملاريا.

وقد استُمدت التجربة الجديدة من دراسةٍ أجريت عام 2009 على 18 ألف طفلٍ في إثيوبيا، حول طرق الوقاية من التراخوما، وهو داءٌ يصيب العين ويفضي إلى العمى، حيث قلّ عدد الوفيات إلى النصف، بين الأطفال الذين حصلوا على جرعةٍ واحدةٍ -على الأقل- من عقار أزيترومايسين.

كما أظهرت دراسةٌ أخرى أجريت عام 2014 على مجموعة نساءٍ في غامبيا، بأن اللاتي أعطين جرعةً واحدةً -على الأقل- من المضادات الحيوية أثناء المخاض، انخفضت لديهنّ -ولدى أطفالهن- نسبة الإصابة بالعدوى عمومًا، كما انخفضت لديهنّ نسبة الإصابة ببكتيريا الإنتان الوليدي الفتاك بشكلٍ واضح.

وعن المعوقات التي تحول دون تنفيذ هذه الدراسة على أرض الواقع، وعلى رأسها إمكانية ظهور بكتيريا مقاومة، تبرز مسألة التكاليف، إذ يبدو من غير الواضح ما إذا كانت الفوائد تفوق التكاليف، بحسب تعبير صبيحة إسحاق، مديرة أبحاث مضادات الميكروبات في جامعة كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا، والتي لاحظت أيضًا بأن الدراسة لم تبحث في التأثيرات على ميكروبات الرضع أو البكتيريا المقنّعة.

ولكن خبراء آخرون قللوا من شأن هذه الأخطار، حيث أكد د. تشارلز نيرش، نائب الرئيس قسم الأبحاث السريرية في شركة فايزر، أن شركته تبرعت بأكثر من 700 مليون جرعةٍ من أزيترومايسين إلى مبادرة التراخوما الدولية، دون أن تظهر أي طفراتٍ مقاومةٍ دائمةٍ في أي بكتيريا.

كما صرّح د. بول إيمرسون، مدير مبادرة التراخوما، بأنه عندما يتم إعطاء أزيترومايسين كل عام، تظهر بعض سلالات بكتيريا المكورات الرئوية المقاومة لها، ولكنها تتلاشى عادةً في غضون أسابيع أو أشهر، على حد قوله.

وتعاني إمدادات الأدوية في بعض البلدان الفقيرة من مشكلات السرقة، وتعتبر المضادات الحيوية أهدافًا مغريةً لكونها تعالج الكثير من الأمراض، بينها تلك التي تنتقل بالاتصال الجنسي، و لكن د. ايمرسون يؤكد بأن نسبة ما فُقد من تبرعات شركته بسبب السرقة، لم تتجاوز 1%.

ولتعزيز الأمان، أشار بأنهم يستخدمون عبواتٍ أرجوانيةٍ خاصّةٍ في توزيع العقار، على أن يتم استخدامه فقط للتراخوما، فضلًا عن أن جرعات الأطفال تأتي على شكل سوائل لا يستخدمها البالغون عادة، وأضاف بأن مبادرته ستكون سعيدةً بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، إذا وافقت بشكلٍ روتينيٍ على إعطاء المضادات الحيوية للرضع.

ورغم أن أزيترومايسين غير معتمدٍ لدى المنظمة، للأطفال دون سن 6 أشهر، فإن مراكزها توصي باستعماله لعلاج الأطفال بجميع أعمارهم من داء السعال الديكي.

وأخيرًا، يذكر د. إزادنيجادار بأن اسم الدراسة قد يتمّ تغييره، من Mordor  المستمد من أحد أجزاء الفيلم السينمائي الشهير Lord of the Rings، ليصبح Reach، المستمد من عبارة: Resilience Through Azithromycin for Children، وتعني: “المرونة من خلال أزيترومايسين للأطفال”.