التصنيفات: فضاء

مسبار ناسا (Dawn) يقترب من الكوكب القزم سيريس

بدأ علماء ناسا بالتحضير للاستعدادات النهاية لكي يبدأ أول دخول لمركبة فضائية إلى مدار كوكب قزم يقع ضمن الحزمة الكويكبية التي تقع على الجانب الأبعد من المريخ، فبعد ما يقارب ثماني سنوات على انطلاق مسبار (Dawn أو الفجر بالعربية) من قاعدة كيب كانافيرال في ولاية فلوريدا، وسفره لما يقارب 3 مليارات ميل (4.8 مليار كم)، سيصل أخيراً إلى سيريس، وهو أكبر جسم في حزام الكويكبات الرئيسي الذي يفصل بين المريخ وكوكب المشتري، في يوم الجمعة 6 آذار.

كان خلل فني قد أدى لتعطيل الدافعات النفاثات على متن السفينة في أيلول الماضي مما أدى إلى تجاوزها لسيريس، ولذلك توجب على (Dawn) أن يعود نحو الكوكب المؤلف من المعادن والجليد والذي يبلغ قطره 950 كم ليدخل إلى المدار الصحيح مرة أخرى، وحالياً لم يعد يفصله عن سيريس سوى 30,000 ميل فقط، وإذا سار كل شيء حسب الخطة، فإن المركبة الفضائية ستدور حول الكوكب القزم لعدة أشهر، وأثناء ذلك ستقوم برسم الخرائط لسطحه وتقيس التغيرات التي يمكن أن تحدث في مجال جاذبيته، مما سيساعد العلماء على التعرف على الكوكب من الداخل.

كانت النتائج الأولى لرصد سيريس قد أثارت اهتمام علماء الفلك بالفعل، حيث استنتج الباحثون من هذه المراقبات الأولية أن الكوكب القزم يمتلك لنواة صلبة يغطيها أكثر من 62 ميلا (100كم) من الجليد، وإذا ما جاءت ملاحظات (Dawn) لتؤكد هذا الاعتقاد، فإن ذلك سيعني أن هذا الكوكب يمتلك من المياه العذبة ما يفوق كامل سطح الأرض.

خلال اقتراب المسبار من الكوكب، كشفت كاميرات (Dawn) وجود رقعة مشرقة في منطقة من المفترض أن تكون عبارة عن أرضية مظلمة وغنية بالكربون، ولكن بعد النظر إلى الصور ذات الدقة العالية التي تم إصدارها في الأسبوع الماضي، تبين أن هذه الرقعة هي عبارة عن بقعتين، أحداهما مشرقة جداً، والآخر باهتة، وحتى الآن لم يتم التعرف على ماهية هاتين البقعتين، فهما قد تكونان عبارة عن بقع جليدية، أو سيليكات لامعة موجودة على السطح، أو مواد عاكسة ناتجة عن اصطدام صخرة فضائية أخرى بالكويكب، وعلى الرغم من أن سيريس من غير المحتمل أن يكون ما يزال نشطاً جيولوجياً، ولكن إذا كان كذلك فقد تكون هذه النقاط المضيئة عبارة عن ثوران براكين من الجليد.

تم إطلاق المركبة الفضائية (Dawn) إلى الفضاء في أيلول من عام 2007، وذلك بهدف معرفة المزيد عن كيفية تشكل الكواكب عند ولادة النظام الشمسي قبل حوالي 4.6 مليار سنة، حيث يعتقد بأن الصخور العائمة في حزام الكويكبات هي في الحقيقة المادة البدائية التي تشكلت منها كل الكواكب، وعلى الرغم من أن بعضها – مثل سيريس – أصبح كبير وفقاً للمعايير الكويكبية، ولكنها في النهاية عبارة عن كواكب فشلت في التكون نتيجةً لتأثير الجاذبية الشديدة الصادرة عن كوكب المشتري، والذي جعل جميع الكويكبات في مدراه تنتشر مثل كرات البلياردو.

شوهد كويكب سيريس عن طريق الصدفة في يوم رأس السنة الجديدة من عام 1801 من قبل الراهب الإيطالي (جيسبي بيازي) من مرصد باليرمو، والغلاف الخارجي لسيريس أشبه بالأجسام الجليدية التي توجد في النظام الشمسي الخارجي، حيث يمكن القول أن نحو ربع كتلة الكوكب تتكون من المياه، وقد يكون هناك كمية منها ما تزال موجودة في حالتها السائلة تحت السطح، وقد تم اعتبار سيريس على أنه كوكب قزم من قبل الاتحاد الفلكي الدولي في عام 2006، وذلك إلى جانب بلوتو الذي تم تخفيض رتبته من كوكب كامل إلى كوكب قزم، حيث يتم وصف جسم فضائي على أنه كوكب قزم إذا ما كان يدور حول الشمس ويمتلك لكتلة تكفي لأن يحافظ على شكله الكروي ولمقاومة قوى جذب الأجسام الصلبة، ولكنه على عكس الكواكب الكاملة، لا يمتلك لمدار واضح في النظام الشمسي.

في العام الماضي، أفاد (مايكل كوبرز)، وهو عالم في الكواكب في مركز الفضاء الأوروبي في فيلانويفا دي لا كندا اسبانيا، أن تلسكوب الفضاء هيرشل كان قد رصد وجود دفعات من بخار المياه تصدر من سيريس، حيث يخسر هذا الكوكب في كل ثانية 6 كغ من وزنه على شكل بخار، ومع وصول المسبار إلى الكويكب، يأمل (كوبرز) أن يستطيع (Dawn) اكتشاف مصدر أعمدة البخار، حيث أن الاحتمالات الحالية تشير إلى إمكانية إزاحة جزء من قشرة الكوكب نتيجة لاصطدام كوني مما أدى إلى الكشف عن الجليد الصلب الذي يقبع تحتها وتبخره تحت تأثير أشعة الشمس، إلّا أن احتمالات أخرى تشير إلى أن القسم الداخلي من سيريس قد يكون ما زال نشطاً، وهو الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث الغازات من داخله.

الجدير بالذكر أن مسبار (Dawn) زار كوكب فيستا قبل وصوله إلى كوكب سيريس وقضى هناك قرابة الـ14 شهرا، وتبعاً لـ(أندرياس ناثوس)، وهو الباحث الرئيسي المسؤول عن إطار كاميرا مسبار (Dawn) في معهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي في غوتنغن ألمانيا، فإن البعثة قد استهدفت زيارة فيستا وسيريس لأنهما يخلفان عن بعضيهما البعض تماماً، فعلى الرغم من وجودهما في نطاق واحد، إلا أن بنية الكوكبين مختلفة فـ فيستا مكون من نواة من الحديد أما سيريس فهو مغطى  بالماء، وإن معرفة سبب الاختلاف يمكن أن يساعد الباحثين على فهم الكيفية التي تشكلت من خلالها الكواكب.

يتم تشغيل (Dawn) عن طريق دافعات نفاثة أيونية يمكن أن تستمر بالعمل بشكل مستمر لسنوات عديدة، كما أنها تؤدي إلى زيادة سرعة المركبة مع مرور الوقت، ولكن في أيلول الماضي، أصاب عطل هذه الدافعات بعد أن سقطت جسيمات نشطة للغاية في الكتروناتها، مما اضطر المركبة لأن تبدأ بالتحليق في وضعية الأمان (Safe Mode) لمدة أربعة أيام، وهذا الفقدان بالطاقة أدى إلى تأخير وصول المركبة إلى سيريس في الوقت المحدد، واستغرق أسابيع لتصحيح المسار وجعل الكاميرات تتوجه مرة أخرى نحو سطح الكويكب.

فريق البعثة يتوقع وصول الصور التي سيرسلها (Dawn) عن سيريس في نهاية شهر نيسان المقبل، وبعض هذه الصور يمكن أن يحل لغز النقط المضيئة التي تم رصدها على سطح سيريس، وكلما كانت الصور التي سيحصلون عليها من (Dawn) أكثر وضوحاً، ستصبح هذه البقع أصغر وألمع، حتى تعكس ما يقرب من كامل أشعة الشمس الساقطة عليها، وفي غضون بضعة أشهر، قد يصل الانعكاس الذي سيحصل عليه الباحثون إلى 100٪، وهذا قد يعني وجود الماء المجلد.

عندما ستنتهي المهمة في وقت لاحق من هذا العام، سيبقى المسبار (Dawn) في المدار حول سيريس على مسافة آمنة بما يكفي لضمان عدم اصطدامه بالسطح، وعلى اعتبار أن سيريس لا يمتلك غلاف الجوي، فلن يتعرض المسبار للاحتكاك عند وصوله إلى سطح الكوكب القزم.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير