التصنيفات: الصحة الجيدة

مخاطر تعلق الشباب بالتكنولوجيا الرقمية

حذرت البارونة (سوزان غرينفيلد) الكاتبة الشهيرة وعالمة الأعصاب من جامعة أكسفورد، ضمن محاضرة عامة ألقتها الأربعاء الماضي في جامعة جنوب استراليا، من مخاطر استخدام التقنيات الرقمية لدى الشباب، كونها تعيد تشكيل العقول البشرية الشابة، وهذا التأثير يجب أخذه بعين الاعتبار من قبل الأهل والمدرسين، كون التكنولوجيا تقوم بشد العقول البشرية الشابة إليها، لدرجة أن هؤلاء الشباب يكبرون بدون أن يعرفوا أي شيء آخر بالعالم سوى هذه التكنولوجيا.

وتشير (غرينفيلد) إلى أنه بالنسبة للجيل القديم فإن الحياة التي يعيشها، والتجارب التي خاضها، والمفاهيم التي طوّرها، والمواقف والذكريات التي كوّنها، والشخصية الفردية التي شكّلها، كل هذه الأمور تلعب دوراً في الوقوف بوجه المؤثرات التي يتعرض لها، ولكن المؤسف أن هذه الأمور ليست موجودة لدى جيل الشباب، فإذا لم يستطع الشباب تكوين هوية فردية متميزة وقوية، أو اذا لم يستطع هذا الجيل تطوير مهارات التعامل مع الآخرين، فمن المؤكد أن هذه المؤثرات ستعمل على إحداث تغييرات في جيل الشباب لم نرها لدى الجيل الأقدم.

يحذر علماء الأعصاب من آثار التكنولوجيا الحديثة على الأطفال، فهم (الأطفال) عادة ما يستعلمون مخيلتهم بشكل دائم، أما حالياً فغالباً ما تراهم جالسين أمام شاشة التلفاز، يتابعون قائمة من الخيارات قام أشخاص آخرين بتصميمها لهم، وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا قد تقدم للأطفال معلومات لا نهاية لها، إلا أن هذه المعلومات لا تقدم أي معنى، فبحسب تعبير (غرينفيلد) المعلومات لا تتشكل فقط من المعرفة، فمثلاً يمكن لأي شخص أن يدخل على موقع (يوتيوب) أو على (جوجل) للحصول على المعلومات، ولكن بذات الوقت فإن هذه المعلومات قد لا يكون لها معنى.

وتشير البارونة (غرينفيلد) بأن الوالدين أو المدرسين يلعبون دوراً هاماً ومفتاحياً في تطوير مهارات الشباب، ومساعدتهم في وضع النقاط على الحروف في العالم من حولهم، وأضافت بأن وسائل الاعلام الاجتماعية لها استخدامات كثيرة جديرة بالاهتمام، مثل التواصل مع العائلة أو الأصدقاء في جميع أنحاء العالم، ولكن المشكلة تكمن حين يصبح لدى الأشخاص قوائم أصدقاء لا يعرفونهم بالواقع، وهؤلاء الأصدقاء يصبحون كجمهور، ويصبح الشخص مجبراً على ترفيههم والبحث عن رضاهم وموافقتهم، والخطر الأكبر يكمن حين يقوم الشخص ببناء شخصية اصطناعية لا تشبهه لإرضاء هؤلاء الأشخاص، ويصبح كل ما يفعله هو للحصول على موافقتهم وإقناعهم، علماً أن هذا الجمهور هو عبارة عن حلقة صداقة مفرغة لأن الشخص لم يتعرف عليهم ويلقاهم ويتفاعل معهم وجهاً لوجه.

نتيجة لما تقدم، فإن الخوف أن ينشأ الشباب مع اهتمامات قليلة، كونهم يحرصون على أن يتوافقوا ويتشابهوا ويقنعوا أقرانهم، مما يجعلهم غير مميزين بأعمالهم، وهذا الجيل سينشأ على حب الذات، وضعف الصلات الاجتماعية والعاطفية، وضعف الهوية الذاتية، لذا نحن بحاجة إلى إيجاد طرق لحل هذه المشاكل بدلاً من القول بأنها مشاكل بسيطة.

على صعيد آخر، فقد قالت البارونة (غرينفيلد) أن وتيرة التغيير لدى البشر، تتجاوز وتيرة التقدم التكنولوجي، فمثلاً في الماضي القريب كان هناك بعض التكنولوجيات التي استخدمها البشر مثل السيارة والتلفزيون والثلاجة والمطبعة، والتي جعلت حياتهم متقدمة، كون استخدام هذه الاشياء كان يتم داخل العالم الحقيقي، أما الآن فإن الشخص يستيقظ في الصباح ويعمل، ويلعب ويتسوق، كل هذا بدون أن يعيش ضمن عالم حقيقي ثلاثي الأبعاد، وهذه العادات أصبحت منتشرة، حتى أصبح هذا الكون الموازي يغري بعض الناس للابتعاد أكثر عن العالم الحقيقي، ليعيشوا في واقع بعيد عن السمع والرؤية.

على الرغم من أن التقنيات الرقمية جلبت لنا تقدماً مذهلاً، حيث أصبحنا قادرين على العثور على أي معلومة ببضع نقرات على لوحة المفاتيح، إلا أن بعض الأشخاص أصبحوا يعيشون أمام الشاشات، في عالم لم يعودوا فيه ينظرون في عيون الآخرين، وفي عالم لم يعودوا فيه يلمسون أو يعانقون من يحبون، والمقلق فعلاً حيال التكنولوجيا، بأنه بالنسبة للبعض، أصبحت التكنولوجيا غاية بحد ذاتها، بينما كانت هذه التقنيات بالماضي وسيلة لتحقيق غاية.

وتقول (غرينفيلد) أن الدماغ يتكيف مع بيئته، فإذا كنت في بيئة تشجع على قلة الاهتمام، ولا تشجع التعاطف أو التواصل بين الأشخاص، فإن هذه الامور ستشكل شخصيتك حتماً، والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا، ما هو نوع العالم الذي نريد العيش فيه، هل هذا هو نوع العالم الذي نريد أن نحيا فيه؟ وتضيف (غرينفيلد) بأن الأشخاص في العالم المتقدم لديهم فرصة مدهشة لتطوير أنفسهم كأفراد، بطرق لم يتمكن أحد من القيام بها من قبل، والأطفال الذين يولدون الآن مع إمكانية العيش ربما حتى سن المئة عام، يجب يقرروا يوماً ما، ما الذي عليهم القيام به في الـ 50 عاماً الثانية من حياتهم، هذه الأسئلة لا يفكر أغلب الناس بها، إننا نعرف تماماً أن علينا اتخاذ قرار، وحالياً مازال أمامنا خيار، والخيار لنا في اختيار العالم الذي يجب أن نعيش فيه.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير