الصحة الجيدة

ما هو تأثير السجائر الإلكترونية على الرئتين؟

عندما تم طرح السجائر الإلكترونية في الأسواق، كانت تبدو وكأنها هبة من السماء بالنسبة للمدخنين (وربما مثيرة للفضول بالنسبة لغير المدخنين)، فقد كانت هذه السجائر تحمل كل المتعة التي يقدمها تدخين السجائر العادية دون أي مخاطر صحية، أو على الأقل مخاطر أقل بكثير من التي تسببها السجائر العادية، فتبعاً للإعلان، ما تدخنه في السيجارة الإلكترونية هو مجرد بخار ماء ونيكوتين نقي.

ولكن هل بقيت هذه النظرة حول السجائر الإلكترونية قائمة منذ أن دخلت إلى أسواق الولايات المتحدة وأوروبا منذ 10 أعوام؟ يبدو بأن العلم الذي يحكم هذه الإدعاءات أعقد قليلاً مما يبدو، فمع وجود علماء يحاربون بعناد لتنظيم بيع السجائر الإلكترونية بمقابل آخرين يروجون لها وكأنها جهاز للإقلاع عن التدخين، قد يتساءل أي أحد منا من منهم على حق؟

لمحاولة الإجابة على هذا السؤال، يجب علينا الخوض بشكل أكبر في تفاصيل العلم الذي يكمن وراء السجائر الإلكترونية، ولكن يجب الإشارة هنا إلى أن هذا العلم ما يزال حديثاً وغير حاسم، فلم يتم بعد تنظيم هذه السجائر من قبل إدارة الغذاء والدواء، وهذا الأمر يسمح أساساً لمصنعي السجائر الإلكترونية بالعمل دون رقابة على محتويات النيكوتين والمكونات الكيميائية الأخرى التي توجد في سوائل السجائر الإلكترونية، ومع ذلك، فمن المقرر أن تبدأ إدارة الغذاء والدواء بتنظيم السجائر الإلكترونية في آب/ أغسطس من عام 2016.

تستغرق السرطانات وأمراض الرئة والقلب عدة سنوات لتتطور – ولم يتم بعد استخدام السجائر الإلكترونية لفترة كافية لتطوير هذه الأمراض- كما أن معظم مستخدمي السجائر الإلكترونية هم إما من المدخنين الحاليين أو السابقين، لذلك سيكون من الصعب تحليل ما إذا كان تدخين السجائر الإلكترونية أو العادية هي الجاني الحقيقي إذا ما أصيب الشخص المدخن بأي مرض، يمكن للباحثين دراسة آثار الهباء الجوي للسجائر الإلكترونية على الخلايا المستزرعة وحيوانات المختبر، ولكن هذه الدراسات لا يمكن أن تخبرنا بشكل قاطع عن تأثير استخدام هذا النوع من السجائر على البشر في العالم الحقيقي وعلى المدى الطويل، وأخيراً، فإن العديد من الباحثين يحاولون الإجابة على السؤال الذي يتمحور حول إمكانية استخدام السجائر الإلكترونية للاقلاع عن التدخين إلى الأبد، لكن الإجابة على هذا السؤال معقدة، وناقصة جداً.

دعونا نبسط الأمر بالبدء بتوضيح الخلافات المادية بين السجائر الإلكترونية والتقليدية.

الاحتراق مقابل التبخير

إن أكثر ما يجعل السجائر التقليدية خطرة ليس النيكوتين، فالنيكوتين هو مادة تسبب الإدمان، ويمكن أن تسبب أمراض القلب، ولكن ليس هناك الكثير من الأدلة التي تشير بأنها قد تسبب السرطان، ولكن الخطر الذي تسببه السجائر يأتي من دخانها نفسه، فإشعالها يسبب احتراق أوراق التبغ وأوراق السليلوز الملفوفة بها، واحتراق المواد النباتية يطلق العديد من المواد الكيميائية الأخرى، مثل الألدهيدات، وأول أكسيد الكربون، والجذور الحرة، والمعادن الثقيلة وجمع المواد الأخرى التي يمكن أن تسبب السرطان وتؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والرئة كذلك.

لكن السجائر الإلكترونية، من ناحية أخرى، تستخدم البطارية لتبخير خليط من النيكوتين والجلسرين أو البروبيلين جليكول، والمنكهات، وذلك اعتماداً على المنتج، وهذا التبخر يحدث عند درجة حرارة أقل بكثير من الاحتراق، لذلك فإنه يبدو من المعقول بأنه لا يؤدي إلى إطلاق ذات المواد الكيميائية المؤذية التي تطلقها السجائر العادية.

ولكن وفقاً لـ(ستانتون جلانتز)، أستاذ الطب ومدير مركز أبحاث مكافحة التبغ والتعليم في جامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو، فإنك لا تتنفس فقط النيكوتين وبخار الماء، فأثناء عملية تسخين السائل الذي يوجد في السجائر الإلكترونية، فإنك تحصل على الكثير من الألدهيدات وجزيئات متناهية الصغر تعتبر خطيرة بحد ذاتها، لذلك، فقد يكون خطر الإصابة بالسرطان نتيجة تدخين السجائر الإلكترونية أقل من السجائر التقليدية، لكن آثار الجزيئات متناهية الصغر والألدهيدات هي ذاتها تقريباً.

يمكن أن تشمل الآثار التي تسببها هذه الجسيمات التهاب الرئتين الذي يمكن أن يسبب أمراض الرئة مع مرور الوقت، حيث وجدت إحدى الدراسات أن خلايا الدم البيضاء المزروعة والتي تم تعريضها لمستخرجات بخار السجائر الإلكترونية، أنتجت مركبات مسببة للالتهاب، مما يدل على أن استنشاق بخار السجائر الإلكترونية قد يكون له آثار مماثلة داخل الجسم، كما وأشار (جلانتز) أيضا أن كلاً من الجسيمات في بخار السجائر الإلكترونية أو دخان السجائر العادية يمكن أيضاً أن تسبب “لزوجة” الدم، مما يؤدي إلى انسداد الشرايين وأمراض القلب.

تشير الأدلة الأولية إلى صحة نظرية (جلانتز)، وذلك لأنه قد تبين بأن بخار السجائر الإلكترونية يعتبر ضاراً جداً بالنسبة للخلايا المزروعة وخلايا الحيوانات، وعلى الرغم من أن منتقدي السجائر الإلكترونية يميلون إلى القول أيضاً بأن السجائر الإلكترونية تطلق الألدهيدات إلّا أنه، ووفقاً لدراسة أخرى، هناك سبب يدعو للتشكيك في ذلك، ومن جهة ثانية، تبين إحدى الدراسات بأن بخار السجائر الإلكترونية يحتوي على الفورمالديهايد، وهي ذات المادة الكيميائية التي من المحتمل أن تكون مسببة للسرطان والتي يتم استخدامها لحفظ جثث الحيوانات للتشريح، ومع ذلك، يجادل البعض بالقول بأن درجة الحرارة المستخدمة لتوليد بخار السجائر الإلكترونية في تلك الدراسة كانت عالية جداً، ونفخ البخار في درجات حرارة شديدة الارتفاع يؤدي إلى ظاهرة تسمى “النفخة الجافة” التي عادة ما تكون صعبة جداً وغير سارة، وأي شخص حاول تدخين السجائر الالكترونية من قبل يمكن أن يخبرنا بذلك.

تغيرت أجهزة السجائر الإلكترونية بسرعة خلال السنوات الـ 10 التي تم فيها طرحها فيالأسواق، حيث بدت السجائر الإلكترونية من الجيل الأول شبيهة جداً بتلك التقليدية، ولكنها لم تكن جيدة في إيصال ما يكفي من النيكوتين إلى الدم مثل السجائر التقليدية.

الجيل الجديد من السجائر الإلكترونية يمكنه توفير النيكوتين إلى مجرى الدم عند مستويات مماثلة للسجائر العادية، وهذا يعني أنها يمكن أن تقدم نفس المستوى من النيكوتين الذي تقدمه السجائر العادية، وهذا قد يكون خبراً ساراً لأنها قد تساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين، ولكن هناك ثمن لذلك.

بحسب (روبرت تيران)، وهو مدير مركز سوم توباكو للعلوم التنظيمية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، فإن معظم البيانات التي تم استعراضها حول أجهزة الجيل الثاني والثالث تشير بأنها يمكن أن تسبب التهاب في الرئتين، فهي تسبب استجابة بيولوجية قابلة للقياس، وليس لدينا سوى الوقت ليخبرنا ما إذا كانت هذه الالتهابات المزمنة ستسبب المرض أم لا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن السجائر الإلكترونية قد أضافت عدداً قليلاً من المتغيرات التي لم تكن السجائر التقليدية تمتلكها، مثل المنكهات التي يتم وضعها في سوائل السجائر الإلكترونية، ففي حين أن المواد الكيميائية المستخدمة في إنشاء تلك النكهات تندرج جميعها على قائمة إدارة الغذاء والدواء المعتمدة، ولكن لم يتم حتى الآن دارسة تأثير استنشاق أبخرة هذه المواد الكيميائية إلى حد كبير.

أمر آخر ملحوظ، وهو أن السجائر الإلكترونية تحتوي أيضاً على ثنائي الأسيتيل، وهي المادة الكيميائية الأساسية التي تعطي الفشار الذي يباع في السينما نكهته الزبدية، ولكن على الرغم من أن تناول هذه المادة آمن تماماً، ولكن تنفسها قد يسبب التهاب القصيبات التضيقي، والسبب الذي يجعل العلماء يعلمون عن الآثار الضارة الناجمة عن تنفس ثنائي الأسيتيل هو أن العمال في مصانع الفشار عادة ما يصابون بهذا المرض.

لكن ثنائي الأسيتيل لا يوجد فقط في نكهات الزبدة، بل يوجد أيضاً في الكثير من نكهات التوت أيضاً، ووفقاً لإحدى الدراسات، فقد تبين بأن ثنائي الأسيتيل يوجد في 39 نكهة من أصل 51 نكهة من نكهات السجائر الإلكترونية، ومع ذلك، فإن ثنائي الأسيتيل يوجد أيضاً في السجائر التقليدية المنكهة، وبمستويات أعلى من تلك التي يعاني منها العمال في مصانع الفشار.

أخيراً، لا تزال هناك العديد من المركبات في منكهات السجائر الإلكترونية التي لم تعرف آثارها على الرئتين بعد، وفي الواقع، يعتقد (تيران) بأن اختلافات السجائر الإلكترونية عن السجائر التقليدية قد تكون أكثر من التشابهات، ومقارنتها مع بعضها قد لا تكون الطريقة الأفضل لتقييم المخاطر الصحية للسجائر الإلكترونية، فبعد كل شيء، يمكن دحض النظرية التي تقول بأن “تدخين السجائر الإلكترونية أكثر أمناً من تدخين السجائر العادية” بسهولة كبيرة.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير