التصنيفات: متفرقات

ما هو الوقت؟

نحن نتعامل مع الوقت بالعديد من الطرق المختلفة في حياتنا اليومية، فنحن نقيس الوقت، نتتبعه، ونستخدمه في لقاءاتنا وفي جميع الأمور التي تخص حياتنا.

نحن ننظر إلى الوقت باعتباره ماضٍ وحاضر ومستقبل، ولكن إذا ما نظرنا إليه من مفهوم الفيزياء سنجد بأن الوقت يلعب دوراً رئيسياً في قياس الحركة والقوة، وأنه يمكن أن يتحول ويتطور وحتى ينهار، كما أنه يعطينا أيضاً شعوراً بالمكان لأنه يوحي بأن الوقت هو البعد، وهذه الفكرة بالذات هي من أدى لظهور مفهوم السفر عبر الزمن التي تبنتها العديد من قصص الخيال العلمي والأفلام، ولكن ما هو الوقت بالضبط؟

يعتقد الكثير من الأشخاص بأن الوقت كان منذ فجر التاريخ مرادفاً لإيقاعات الطبيعة، من تعاقب الفصول ودورات الأجرام السماوية، حيث يعرّف العالم العربي الكندي الوقت بأنه عدد الحركة، ولكن إذا كانت هذه الفكرة تبدو ساذجة اليوم، فإن هذا لا يعود فقط لكون الساعات الحديثة قد أصبحت أكثر قدرة على تتبع الوقت مما كانت عليه الأجرام السماوية في أي وقت مضى، بل لأننا أصبحنا نفكر في الوقت على أنه شيء عالمي، شيء سيبقي يسير إلى الأبد حتى ولو توقفت كل الساعات أو الآلات التي قام الإنسان بصنعها عن العمل، أما الفكرة المطلقة عن الوقت، أي ذاك الشيء الذي يمكن قياسه بذات الطريقة بالنسبة لجميع المراقبين، فقد توضحت على يدي نيوتن، وذلك عندما أشار إلى أن الوقت الحقيقي والرياضي المطلق، في حد ذاته، وفي طبيعته الخاصة، يتدفق برصانة دون أن يكون له علاقة بأي شيء خارجي.

الزمن في فكر أينشتاين

قد يبدو وصف نيوتن المطلق للوقت كوصف دقيق للوحش الذي يحكم حياتنا اليومية، ولكن العلم حطم هذه الفكرة في عام 1905 بعد أن ظهرت نظرية أينشتاين عن النسبية الخاصة، حيث أظهر أينشتاين بأنه لا يوجد وقت عالمي، أي بمعنى آخر إن وقتك يختلف عن وقتي إذا ما كنا نتحرك بشكل مختلف، وإن المدة الزمنية بين حدثين يمكن أن تختلف تبعاً لمدى السرعة التي تتحرك فيها ضمن الفترة التي تقع ما بين الحدثين.

في جذور هذه النظرية الغريبة حول تأثير طي الزمن تكمن مسلّمة آينشتاين بأن سرعة الضوء يجب أن تكون هي نفسها بالنسبة لجميع المراقبين، بغض النظر عن مدى السرعة التي يتحركون بها، فإذا ما تخيلنا مثلاً مراقبين، أحدهما يسافر على متن قطار وآخر ثابت واقف بجانب السكة، وكان المراقب المتحرك يحمل في يده ضوءاً يدوياً موجهاً نحو سقف القطار، فعندما يمر الاثنين بجانب بعضها فإن المراقبين سيختلفان حول المسافة التي سافر فيها الضوء الموجه إلى سقف القطار، لأن المراقب الثابت يدرك بأن حركة الضوء ليست عمودية فقط، ولكنها أفقية أيضاً مع الحركة الأفقية للقطار.

على اعتبار أن كلا المراقبين قاسا نفس سرعة الضوء، وعلى اعتبار أن السرعة تساوي المسافة مضروبة بالزمن، فإن هذا يعني أن المتحول يجب أن يكون هو الزمن الذي استغرقه الضوء ليقطع هذه المسافة، أي أن الوقت هو نسبي للمراقب.

قد لا يكون هذا التحول كبيراً ليستطيع الجميع ملاحظته في الحياة اليومية، ولكنه كذلك ليس صغيراً بحيث يكون غير قابل للقياس، فإذا قمت بالسفر من فينيكس (أريزونا) إلى لندن وعدت مرة أخرى إلى فينيكس، ومن ثم قارنت ساعتك بتلك التي تركتها في المنزل، فستلاحظ بأن هنالك فرقاً ما بين الساعتين بعدة بليونات جزء من الثانية، وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو زمناً ضئيلاً بالنسبة للبشر، إلّا أنه يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً على قياس الساعات الحديثة.

الحركة ليست الشيء الوحيد الذي يمكن أن يشوه الوقت، ففي نظريته النسبية العامة، التي نشرت في عام 1916، بيّن أينشتاين أن الجاذبية يمكن أيضاً أن تبطئ الوقت، فبدلاً من التفكير في الجاذبية على أنها قوة خفية تنتشر في المكان، كان أينشتاين يفكر في الأمر على أنه تأثير الكتل الضخمة الذي يشوه النسيج الفضائي، فوفقاً لنظرية النسبية العامة، فإن الكائنات الضخمة مثل النجوم والكواكب يمكن أن تسبب في ليّ الفضاء بطريقة مشابهة لتأثير كرة البولينغ عندما يتم وضعها فوق التريمبولين، وبالتالي فإنها تقوم بـ”جذب” الأجسام الأخرى التي تمر في مكان قريب، وعلى اعتبار أن أينشتاين كان قد أدرك بأن الزمان والمكان مرتبطان ببعضهما ارتباطاً لا ينفصم ضمن ما أسماه الزمكان، فبالتالي فإن تأثير الجاذبية لا يؤثر على الفضاء فقط، ولكن أيضاً على الوقت.

تؤدي الجاذبية إلى إبطاء الوقت، أي أن سريان الوقت ضمن الطابق السفلي من منزلك يكون أبطأ قليلاً من سريانه على السطح، وعلى الرغم من أن هذا التأثير يكون صغيراً نسبياً، ولكنه قابل للقياس، حتى ضمن مسافات بهذا الصغر، وإذا كنت ترغب في رؤية تأثير كبير لهذه الظاهرة، عليك أن تذهب إلى مكان يتمتع بمجال كبير من الجاذبية، فإذا كان لديك ساعة تدق على سطح نجم نيوتروني، على سبيل المثال، فإن معدل دقاتها سيساوي حوالي 70% من معدل الساعة التي توجد على الأرض، أما أكبر تحول في الوقت فهو على سطح الثقب الأسود، حيث يتوقف الوقت هناك تقريباً بالمقارنة مع وقتنا.

من خلال هذه النظريات، توصل آينشتاين إلى استنتاج مثير للاهتمام حول طبيعة الزمن، حيث قال أنه بالنسبة للفيزيائيين، فنحن نعتقد بأن الفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل ليست سوى وهم، فعلى اعتبار أن الزمن هو أمر نسبي للمراقب، فإنه من المستحيل أن نقسمه إلى ماضي وحاضر ومستقبل بطريقة ذات معنى عالمي، وبمعنى آخر، فإن كل من الماضي والحاضر والمستقبل يوجدون في آن واحد، وذلك تبعاً لمكان وجود المراقب.

لفهم الموضوع بشكل أفضل يمكننا الاستعانة بهذا الفيديو:

سهم الوقت

إن التفكير في الماضي والمستقبل يقودنا إلى مشكلة أخرى، وهي لماذا يجب أن يكون للوقت اتجاه أساساً، في الحياة اليومية يبدو من الواضح جداً أن هناك أهمية لذلك، فإذا ما نظرتم إلى فيلم يتم عرضه إلى الوراء، فإنكم ستكونون قادرين على معرفة ذلك فوراً، وذلك لأن معظم الأشياء يسري زمنها باتجاه معين تتميز به، فعلى سبيل المثال، يمكن أن نفهم ببساطة تحول البيض إلى أومليت ولكن ليس العكس، أو امتزاج الحليب مع القهوة في كوب ما ولكن ليس انفصالهما عن بعضهما من جديد.

المثال الأكثر درامية هو تاريخ تكون الكون بأكمله، والذي، كما يعتقد العلماء، قد بدأ مع الانفجار الكبير منذ حوالي 13,000,000,000 (13 مليار) سنة، وهو، الكون، آخذ في التوسع باستمرار منذ ذلك الحين، فعندما ننظر في ذلك التاريخ، يبدو من الواضح تماماً بأن هناك طريق يدل عليه سهم الوقت.

ولكن المشكلة هي أن قوانين الفيزياء لا تظهر أي تفضيل لسريان الوقت سواء إلى الأمام أو إلى الخلف، فعلى سبيل المثال، إذا كنت تستطيع جعل كائن يتحرك في اتجاه واحد عن طريق تطبيق قوة عليه، فإنه، وكما يخبرنا قانون نيوتن الثاني للحركة، بالإمكان جعل هذا الكائن يغيّر من مساره عن طريق تطبيق نفس القوة في الاتجاه المعاكس، وبذلك، فعند مشاهدة فيلم لهذه العملية لن تكون قادراً على معرفة ما إذا كانت تشاهده في الإتجاه الصحيح للوقت (إلى الأمام) أم لا (إلى الخلف)، فكلا الإتجاهين يكونان محتملين على حد سواء.

لذا فإن المشكلة هي كيف يمكن احتساب التباين في الوقت في الحياة اليومية عندما تكون القوانين التي تحكم جميع الذرات التي تشكل كل شيء من حولنا متناظرة في الوقت ذاته؟ هذا التساؤل أثّر على نظرية آينشتاين تماماً كما فعلت نظريته بوصف نيوتن الكلاسيكي للعالم.

لكن الإجابة عن هذه المشكلة ليس بالأمر الصعب، فمعظم العمليات التي نرى بأنه لا يمكن عكسها، هي تلك التي تبدأ بترتيب خاص وغاية في الدقة، فإذا أخذنا ورق اللعب كمثال، نجد أنه عند فتح حزمة جديدة لأول مرة تكون البطاقات مرتبة وفقاً للنوع والقيمة العددية للأوراق، ولكن عند خلطها لفترة من الوقت فإن هذا الترتيب سيتغير، لذلك يبدو بأنه، مع مرور الوقت، تتحرك الأشياء دائماً من الترتيب إلى الفوضى، وعلى الرغم من أننا قد لا نجد بأن فعل الخلط يحمل اتجاه وقت محدد، إلّا أن سهم الزمن نحو الأمام يظهر بطريقة أو بأخرى ضمنه.

في الحقيقية، ليس هناك ما يمنع ظهور الأوراق بعد خلطها بذات الترتيب الذي كانت تبدو عليه عند فتح الحزمة للمرة الأولى، ولكن هذا الأمر بعيد الاحتمال ليس إلّا، وبالتالي فإن التباين الواضح في الزمن هو في الحقيقة مجرد عدم تكافؤ بالفرص، ومعرفة أن الشيء يسير في الإتجاه الصحيح لا يعتمد على أن السير بعكس الاتجاه مستحيل، بل لأن حدوثه مستبعد جداً، وذلك صحيح على الأقل على المستوى الجزيئي.

في النهاية، فإن كل تلك القوانين والنظريات الفيزيائية لا تجعلنا سوى قريبين قليلاً من فهم حقيقة ذلك اللغز الأزلي المتمثل في الوقت، فسواء أكان أساسياً، ناشئاً، أو مجرد مجموعة من العلاقات المتبادلة، فإن الحقيقة هي أن ذلك الشيء الذي نسميه بالوقت يعبر عن نفسه بطريقة لا يمكن إنكارها، وإذا كنت تريد أن تعرف ما هو الوقت، فقط ألق نظرة على الحياة من حولك.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير