التصنيفات: الصحة الجيدةفضاء

ماذا سيحدث إذا سافر الإنسان داخل ثقب أسود

في حكاية أليكس في بلاد العجائب، عندما تقع أليكس في حفرة أرنب، فإنها تواجه مجموعة من “الظواهر الغريبة”، فإما أن يتحول حجمها ويصبح أكبر أو أصغر، أو تلتقي بمجموعة من المخلوقات الغريبة، وإن الوقوع في ثقب أسود قد يكون مشابهاً للتجارب الغريبة التي وصفها (لويس كارول) في كتابه الكلاسيكي الخيالي، ولكن خلافاً لتجربة أليس التي خرجت من مغامراتها بخسائر لا تتجاوز الثياب، فإن الشخص الذي سيسافر إلى أحد أكثر الأشياء غموضاً في الكون، لن تقتصر خسائره على بعض الثياب، ولفهم السبب، لا بد من تعريف الثقب الأسود، وكيفية تفاعله مع الكون من حوله.

لم يستطع علماء الفلك مراقبة الثقوب السوداء سوى بشكل غير مباشر، ولكنهم مع ذلك كانوا قادرين على رسم صورة واضحة لها، فهم متأكدين مثلاً من أن الثقوب السوداء تشير إلى المناطق التي تم ضغط المادة فيها إلى كثافات غير نهائية، وأن الجاذبية في هذه المنطقة قوية لدرجة أنه لا يمكن لشيء أن يفلت منها، ولا حتى الضوء، كما تنبه العلماء إلى أن سقوط الضوء والمادة في الثقوب السوداء ينتج عنه أشعة سينية وأشكال أخرى من الطاقة الكهرومغناطيسية التي تنطلق نحو الفضاء، وهذه المقذوفات الكونية هي ما نبّه علماء الفلك إلى وجود الثقوب السوداء الغامضة.

تختلف أحجام الثقوب السوداء من مكان إلى آخر، ولقد تمكّن العلماء من قياس حجمها باستخدام ما يعرف باسم نصف قطر شفارتزشيلد، حيث يحدد نصف قطر شفارتزشيلد الحجم الأفقي لأفق الحدث ( وهو حدود منطقة من الزمان والمكان حول نقطة أو مركز جاذبية والتي لا يمكن للضوء الإفلات منها)، ويحدد الحدود الكروية للثقب الأسود، فكلما زادت كتلة الجرم، كان الحجم الأفقي لأفق الحدث لهذا الثقب أكبر وكان نصف قطره أكبر أيضاً، كما ويصف علماء الفلك مركز الثقب الأسود باسم التفرّد – وهو المكان الذي تصبح فيه كثافة المادة لا نهائية.

يعتقد علماء الفلك بأن الثقوب السوداء تكون موجودة عادةً في مراكز معظم المجرات، ويطلقون عليها اسم الثقوب السوداء الهائلة، لأن كثافتها يمكن أن تصل لتعادل كثافة مليارات الشموس، ولكن بالنسبة للثقوب السوداء النجمية التي هي في الأساس عبارة عن بقايا النجوم المحتضرة التي انهارت، فإنها تكون أصغر حجماً من الثقوب الهائلة، وهذا النوع من الثقوب هو الشائع في جميع المجرات، وأقرب ثقب أسود نجمي لنظامنا الشمسي هو (Cygnus X-1)، وهو يبعد عنا مسافة تصل إلى 6,000 سنة ضوئية.

الآن لنفترض بأن شخصاً ما أراد الذهاب في رحلة إلى أحد الثقوب السوداء، فإن ما سيراه عند اقترابه من وجهته النهائية يعتمد على ما يحيط بالثقب الأسود، فإذا ما كان هناك نجم في مكان ما بالقرب من الثقب الأسود، فإن الضوء والغازات الناتجة عن هذا النجم سيتم سحبها من قبل الثقب الأسود الذي يجاوره، مما يؤدي إلى إحاطة الثقب بقرص تراكمي، وهو عبارة عن حلقات ساخنة من الغاز المضيئ تحتوي على نقاط مضيئة انتقالية مماثلة للتوهجات الشمسية، أما إذا كان الثقب الأسود يقبع لوحده في زاوية مظلمة من الكون، فإنه يُصدر رشقات قوية من الإشعاع، يمكن لأجهزة الاستشعار في أي سفينة فضائية اكتشافها، بمعنى آخر، يمكن التعرف على موقع الثقب الأسود بسهولة عند الاقتراب منه.

عند الوصول إلى أعتاب الثقب الأسود لا يمكن للسفينة الفضائية مواصلة الرحلة، لذلك لا بد أن تتوقف السفينة في مكان أبعد بقليل من مجال جاذبية الثقب الأسود، وسيكون على المسافر إكمال بقية الرحلة باستخدام النفاثات التي تكون مثبتة على بذلته الفضائية، وبعد الخروج من السفينة الفضائية والدخول إلى مجال جاذبية الثقب الأسود، ستستولي عليه جاذبية الثقب وتبدأ بسحبه إليها، وعند اقترب المسافر أكثر من الثقب، يجب عليه توجيه نفسه بحيث تكون قدماه موجهتين أولاً نحو أفق الحدث.

ولكن هنا تبدأ المشاكل، حيث أن قوى المد والجزر – سميت بهذا الاسم لأنها مماثلة لقوى الجاذبية التي تحدث ما بين القمر والأرض وتسبب ظاهرة المد والجزر – تزداد بشكل كبير كلما أصبح المسافر أقرب إلى الثقب الأسود، وهذا يعني أن قوى الجاذبية التي تؤثر على قدميه ستصبح أقوى بكثير من الجاذبية التي تؤثر على رأسه، ونتيجة لذلك تبدأ القدمين بالتسارع وتصبح أسرع أكثر بكثير من الرأس، مما يؤدي إلى تمدد الجسم، والتمدد سيصبح أكثر شدة مع مرور الوقت، ويدعوا علماء الفلك هذا التأثير باسم التأثير المعكروني، وذلك لأن مجال قوة الجاذبية يسحب الشخص داخل مجال طويل وضيق مثل قطعة السباغيتي.

إن الوقت الذي يبدأ فيه المسافر بالشعور بالألم يتوقف على حجم الثقب الأسود، فإذا كان يتجه نحو ثقب أسود هائل، فيجب أن يبدأ بملاحظة تأثير قوى المد والجزر عندما يصل إلى بعد حوالي 600,000 كيلومتراً (372822 ميلاً) من المركز، بعد أن يكون قد عبر بالفعل أفق الحدث، أما إذا كان يتجه نحو ثقب أسود نجمي، فإن عليه أن يبدأ بالشعور بعدم الارتياح على بعد 6,000 كيلومتراً (3،728 ميلاً) من المركز، بعد فترة طويلة من عبور أفق الحدث، وفي كلتا الحالتين، فإن التأثير المعكروني هو أمر مؤلم بالنتيجة.

عندما يتجاوز تأثير المد والجزر حدود مرنة الجسم، يمكن أن ينقسم الجسم إلى قطعتين من المنطقة الواقعة فوق الوركين، وبهذا سيرى المسافر نصفه السفلي يتحرك إلى جانبه، وسيراه يتمدد من جديد جرّاء تأثير قوى المد والجزر، وبالطبع فإن الشيء ذاته سيحدث للنصف العلوي من الجسم، حتى ينقسم كل جزء مرة ثانية إلى جزئين، وفي غضون بضع ثوان، سيكون المسافر قد هلك بالفعل، وتحول إلى سلسلة من الذرات الغير مترابطة تسير في الثقب الأسود مثل النمل لتختفي في مستعمراتها.

على الرغم من أنها ليست الوسيلة الأروع للموت، ولكن العزاء الوحيد، هو أنه في الفضاء، لا يمكن لأحد أن يسمع صراخك.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير