تقنية

مادة عازلة للحرارة مصنّعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد

ظهر مؤخراً نوع جديد من المواد المطبوعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد يمكن أن تجعل الابتكارات التكنولوجية أكثر مقاومة للحرارة.

خلافاً لمعظم المواد الصلبة التي تتشكل بطريقة طبيعية، فإن هذه المادة الصناعية، والتي تبدو كالشبكة، تتقلص عندما يتم تعريضها للتسخين، فعن طريق التلاعب بالتركيب الكيميائي للمواد، تمكّن الباحثون من السيطرة على مقدار انكماش المادة عند درجات حرارة مختلفة، ويمكن تطبيق هذا العمل على كل شيء من الدوائر الكهربائية وحتى مجال طب الأسنان.

العديد من الأجهزة تتشوه أو تنكسر عند درجات الحرارة العالية لأنها تكون مصنوعة بالعادة من المعدن والزجاج، أو المواد الصلبة العادية الأخرى التي تتوسع عند تعرضها للحرارة المرتفعة للغاية، ولكن يمكن للشركات المصنعة إنشاء أجهزة أكثر ثباتاً إذا كانت المواد المشكلة لها تتضمن بعض المكونات التي تنكمش في الحرارة المرتفعة، مما يعطي مجالاً لقطع أخرى كي تتوسع دون أن تنكسر، ولكن مثل هذه المواد الصلبة التي يمكنها أن تتقلص في الحرارة المرتفعة نادرة للغاية، ونتيجة لذلك، كان العلماء يحاولون تصنيعها في المختبرات منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.

تبعاً لـ(تشيمينغ وانغ)، وهو مهندس في جامعة كاليفورنيا الجنوبية والمؤلف الرئيسي للدراسة جديدة، فإن المادة الجديدة المطبوعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد تمتلك هياكلاً تشبه الشبكة التي تمتد على مدى بضعة مليمترات، وتتكون من قضبان متشابكة صغيرة تتألف بعضها من البلاستيك النقي، في حين يتخلل بعضها الآخر جزيئات نانوية من النحاس، وعندما تتعرض للتسخين، فإن القضبان التي تتألف من البلاستيك النقي تنتفخ بشكل أسرع من نظيراتها التي تحتوي على النحاس، مما يؤدي إلى انحناء الهيكل كاملاً نحو المركز، ساحباً القضبان المقواة بالنحاس معه، وهذا يؤدي إلى جعل الهيكل بأكمله يتجعد على نفسه بشكل فعال.

لاختبار مدى انكماش الشبكات، وضعها فريق (وانغ) داخل حجرة زجاجية وبدؤوا بزيادة درجة الحرارة، ومع ازدياد درجة الحرارة تدريجياً من درجة حرارة الغرفة حتى 540 درجة فهرنهايت، كانت الهياكل المطبوعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد تحافظ في البداية على حجمها ومن ثم بدأت بالانكماش على نفسها تدريجياً.

بحسب (نيك فانغ)، وهو مهندس ميكانيكي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة، فإن الهيكل الشبكي الذي لا يتجاوز حجمه حجم مكعب السكر لا يتقلص سوى بمقدار شعرة واحدة من شعر رأس الإنسان على كل جانب، ولكن حتى مثل هذا التغيير الصغير في الحجم يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً بالنسبة للمهندسين الذين يستخدمون هذه المواد لإنشاء أجهزة بصرية وميكانيكية عالية الدقة.

وفقاً لـ(أكيهيرو تاكيزاوا)، وهو مهندس في جامعة هيروشيما وليس عضواً في هذا المشروع، فإن هذه المواد يمكن أن تكون مفيدة جداً بسبب ميزتها القابلة للانضباط، حيث كان فريق (وانغ) قادراً على التحكم بمقدار تقلص القضبان المتشابكة عند مختلف درجات الحرارة عن طريق تغيير عدد الجسيمات النانوية التي تُحقن في القضبان التي تحتوي على النحاس، وبحسب (فانغ) فإنه من الممكن أيضاً ضبط مقدار الانكماش في الشبكات عن طريق تغيير العرض وتوجه القضبان.

أشار (وانغ) وزملاؤه بأن هناك استخدامات لا تعد ولا تحصى لمنتجاتهم الجديدة المطبوعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، مثل الشرائح الالكترونية، فعندما تعمل أجهزة الكمبيوتر لفترة طويلة، تميل حرارتها للارتفاع، وهو ما يمكن أن يتسبب في تلف الشرائح فيها، ولكن إعادة تصنيع بعضاً من هذه الشرائح بحيث تتقلص عند ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يساعد أجهزة الكمبيوتر على الصمود عند ارتفاع درجة الحرارة، وبما أن تكنولوجيا (وانغ) المطبوعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد يمكن إنشاؤها كي لا تكون أعرض من ملليمتر واحد، فإنها ستكون جيدة بالفعل كي يتم تطبيقها على الشرائح.

يشير (فانغ) بأنه يمكن أيضاً استخدام هذه التقنية الجديدة لإنشاء كاميرات محمولة على طائرات دون طيار أكثر ثباتاً، فإذا كانت الطائرة بدون طيار تحلق على ارتفاع يصل إلى 10 أمتار في يوم صيفي حار، فإن درجة الحرارة المرتفعة قد تتسبب في توسع عدسة الكاميرا، ولكن إذا ما كان الإطار حول العدسة قابلاً للانكماش، فإنه يمكن أن يكون بمثابة عازل من شأنه أن يمنع تورم العدسة من كسر الكاميرا.

يضيف (فانغ) بأن المواد الجديدة المطبوعة بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد يمكن أن تستخدم حتى في صنع شيء بسيط مثل حشوات الأسنان، فعلى عكس الحشوات المعدنية أو البلاستيكية التي عادة ما يتم استخدامها لملئ الأسنان، فإن الحشوات الغير قابلة للتوسع لن تسبب أي ألم في الأسنان عند شرب مستخدميها للمشروبات الساخنة.

بحسب (جوناثان بيرغر)، وهو مهندس ميكانيك من جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، والذي لم يشارك في الدراسة، فإن هذه المادة يمكن أن تستخدم بطرق لم يفكر فيها العلماء بعد، لذلك فمن الصعب وضع قائمة كاملة لتطبيقاتها.

الخطوة التالية لفريق (وانغ) ستكون ابتكار طريقة أسرع لتصنيع هذه الشبكات، فبعضاً من أكبر الهياكل التي تم طباعتها لهذه الدراسة –والتي وصل عرضها إلى سنتيمتر واحد أو ما يقارب ذلك –استغرق تنفيذها ما يصل إلى 12 ساعة، ولكن (وانغ) يأمل في نهاية المطاف بأن الطابعات الثلاثية الأبعاد ستوفر وسيلة سهلة نسبياً للمصممين والمهندسين لإنتاج مواد قابلة للضبط للحصول على المزيد من التكنولوجيات المقاومة للحرارة.